نصر من الله

نقاط على الحروف

عن سحب حزب الله من الجنوب .. إليكم "الشيفرة"
30/11/2023

عن سحب حزب الله من الجنوب .. إليكم "الشيفرة"

ليلى عماشا
باتت عبارة "سحب حزب الله من الجنوب" ومرادفاتها تطرق مسامعنا كثيرًا في سوق مواقف بعض الناشطين اللبنانيين على منصات التواصل. تتكرّر كأنها لازمة في نشيد كتبت كلماته عوكر، وأوكلت لأبواقها تلحينه كلّ حسب طريقته.

وبإلقاء نظرة خاطفة على حال المستوطنين المهجرين من شمال فلسطين، يتبيّن أنّهم يشترطون على حكومتهم إبعاد حزب الله عن الحدود وإلّا فهم لن يعودوا لسكن وحداتهم الاستيطانية في الشمال. أما إذا ذهبنا ناحية ما يُطرح في أروقة المجتمع الدولي وملحقاته الجانبية من دول عربية مطبّعة، فنسمع حديثًا عن تعديل القرار 1701 بحيث يتضمن بندًا يقضي بسحب عناصر حزب الله من الجنوب.

يا ترى، هل يتماهى الناشطون هنا مع المستوطنين هناك، ويعبرون عن موقف صهيو ــ لبناني، أم هم ينفذون ببغائيًا تعليمة وصلتهم من عوكر ومن السفارات التي تسبح في مياه عوكر الآسنة؟! ثمّة احتمال ثالث قد يكون سبب دخول هذه العبارة بقوّة إلى خطاب هؤلاء، أن اشهدوا لنا عند فلان، أنّي ترجمت رغباته المستحيلة إلى جمل يجري التسويق لها عبر الإعلام، لعلّ وعسى!

في السنوات الأخيرة، وفي إطار الحرب الإعلامية والثقافية على بيئة المقاومة بشكل عام وعلى حزب الله خصوصًا، اجتهد هؤلاء وإن بشكل يائس في محاولة تغريب الحزب عن ناسه، وعن المجتمع اللبناني ككلّ. فبدوا مضحكين كمن يبذل جهدًا وهو يحمل عجينة ويحاول فصل الماء فيها عن الطحين! الطرح بحد ذاته ركيك جدًا، يدلّ على جهل، أو على استخدام الجهل في سبيل تحقيق ما لم يتحقّق بالحرب العسكرية وبالحرب الاقتصادية. بالمحصّلة، فشلت كل هذه المحاولات المكلفة ليس لشيء سوى أنّها أصلًا وعدت بما لا يمكنها تحقيقه، أو وضعت لها هدفًا لا يمت إلى المنطق بصلة.

ينجح التغريب والعزل عندما يستهدف فئة مستجدّة أو مكوّنًا مضافًا أو جماعة دخيلة. لكنّه عندما يستهدف فئة ومكوّنًا وجماعة هي تاريخيًا وجغرافيًا واجتماعيًا وثقافيًا أهل الأرض، فهو أحد هذين الاحتمالين المترافقين والمتكاملين: الجهل والعمالة.

إذا أردنا أن نسلّم جدلًا بهذا الطرح، ونقترض أنّ المتحدّثين به سذّج لا يعلمون ماذا يطرحون، علينا أن نسأل أوّلًا "مَن حزب الله" الذين يريدون سحبه من الجنوب؟ هل هو فصيل أجنبي مرّ من هنا وطاب له البقاء، أو جماعة نزلت في سفينة فضائية واستوطنت أرضًا؟ الجواب هو: حزب الله وأبناء حزب الله وعناصر حزب الله وثقافة حزب الله وعقيدة حزب الله وسلاح حزب الله هم أهل هذي الأرض وصنعها، سكّانها أبًا عن جدّ عن جدّ عن جدّ، وامضوا بالعد إلى ما بعد سابع جدٍ بكثير. وكلّما مضيتم أكثر، سوف تجدون الجذور أكثر عمقًا بعد، وصلابة. من هم؟ هم أهل الدم الذي إن تفحصت أيّ حبّة تراب في الجنوب، ستشعر بعطره وتلمسه. ومن هم؟

هم الذين نشأوا وكبروا في البيوت التي قبل الخبز تطعمهم حسّ الكرامة، وقبل الماء تسقيهم معنى الشرف، وقبل تعليمهم آداب الحياة تعلّمهم أنّ الحبّ هو الارتباط بالتراب، وأن لا كرامة لمن يخذل ترابه، ولا بلاد تحويه ولا قيمة! هم الذين بذلوا كلّ ما فيهم دفاعًا عن الأوض والكرامة، وقالوا بلا منّة! هم الذين رفعوا أحبّتهم إلى السماء شهداء لأحل أن يحيا الجميع أحرارًا، والجميع تشكل حتى الجاحدين، وقالوا بلا منّة. هم الذين سعوا كلّ سعيهم لرفع الظلم ورفع القهر عن الجميع، والذين في كلّ الحروب تصدّوا من على الجبهات الأمامية، عن الجميع، وكرّروا بلا منّة. إن تألّموا، عصروا الجراح بعيدًا عن محبّيهم كي لا يُقلقوا بجرحهم أحدًا، وبعيدًا عن مبغضيهم كي لا يشمت بهم من يستثمر في تشغيل المبغضين. إن احتدمت المعارك التحموا، وإن هدّد العدو ردعوا، وإن استهدف الغدر أبناء بلادهم، ردّوا صاع الغدر في وضح النار وأمام كلّ العيون بألف صاع. وهم الذين حين ينتصرون، يهدون النصر لكل البلاد ويقولون: بلا منّة!

والآن، ما رأي السياسيين والإعلاميين والناشطين المتحدثين بسحب حزب الله من الجنوب، فليخبرونا عن الكيفية التي في أذهانهم. إن كانوا يتكلون بذلك على "المجتمع الدولي والدول العربية المطبّعة"، فليعودوا قليلًا إلى تموز 2006 ويأخذوا الجواب. وإن كان ببالهم طريقة أخرى، فليطرحوها على ضوء ماهيّة حزب الله، وليقولوا جهارًا: نطالب بتفريغ الجنوب من أهله وترابه وزهره وصخره ومائه.. فلا معنى غير ذلك لعبارة "سحب حزب الله من الجنوب"!

عدوان تموز 2006

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف