طوفان الأقصى
خطاب القائد.. حرب الوعي والصبر
أحمد فؤاد
أول دروس الوعي والخلاص، من قلوب القادة والزعماء الحقيقيين، الذين يتمعتون بنور المعرفة الإلهي، هو: الدعوة المخلصة للتحلي بـالمسؤولية الأخلاقية والدينية والسياسية، التي تقتضي التعليم والتذكير الدائم. والكلمة هنا ليست خليطًا من حروف وظلال نقاط تحاول أن تصطنع معنى ما أو تروج لبطولة وهمية، بل هي أولًا فهم قاطع للواقع، يفهم أولًا لكي يغير ثانيًا، ويسعى لتجاوز العقبات والظروف الموضوعية بعقل ناقد وذكي.
خطاب سماحة القائد آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، بشأن الأحداث المتسارعة والملتهبة في المنطقة هو خطاب وعي إسلامي جديد، يرى اللحظة بعين سامية، ويسعى لخلاص الإنسان والحقيقة والموقف، وهو خطاب يستكمل طريقًا معينًا في فهم اللحظة الحالية وسياقها، والظروف التي حملتنا إليها، والحل الذي يمكن أن نسير إليها، بعيون مفتوحة وأقدام متشوقة للخطوات، ومستعدة أكثر أن تدفع ثمن خيارها، قيامًا بحق هذه القضية.
الإمام القائد أكد في خطابه على نقطة محورية، وهي الرد على الكذبة بأن "الجمهورية الإسلامية تريد رمي اليهود أو الصهاينة في البحر"، مؤكّدًا أنّ: "هذا الكلام قاله بعض العرب سابقًا، ولم تقله إيران أبدًا، وقرار إبقاء اليهود أو الصهاينة أو طلب مغادرتهم يعود إلى رأي الشعب الفلسطيني".
الحقيقة أن خطاب القائد هو خطاب يستكمل رسم طريق "ثورة الحرية" التي يتوجب على الأمة، وعلى كل فرد، أن يخوضها وأن يبذلها اليوم، لن ينتهي الكيان بالكلمات والخطابات، ولن يتفكك أو يتأثر بالأناشيد والأغنيات والأشعار، بل ستمحى هذه الخطيئة التاريخية، حين نعرف أنها خطيئة تاريخية، ونقرر أن نزيل هذا القيح والصديد من وجه المنطقة.
خطاب الإمام القائد هو بالضبط ما نفتقده، أو ما فقدناه وحملنا إلى هنا، حيث الكيان يلقي بقنابل الفسفور على أطفال غزة، فيما تحمي حدوده وتؤمن جهاته الجيوش العربية، وحيث نتيجة العجز العربي في كل دول الطوق مساوٍ أو يفوق الخيانة، دور العالِم نائب الإمام هو ما قام به القائد، تشريح واقعنا في نور جديد، لا يستطيع هو أن يخدر عواطفنا بالوهم، هو يريد أن تصحو ضمائرنا، وأن تتقبل دفع أثمان هائلة دفاعًا عن قيم الحق والشرف والشهامة والنبل، في هذه الأيام بالذات، حيث ذكرى السيدة فاطمة الزهراء حاضرة، تمنحنا الفرصة لرؤية باب الرحمة الإلهية في باطن اختبارات الدم والألم والنار.
كان من الممكن بالنسبة إلى أي رجل، أن يخرج ويسرد ما قدمه ويقدمه بلده للقضية، وفي غياب الدول العربية، كلها تقريبًا، فإن الجمهورية الإسلامية قد تحملت أعباءً لم يقبلها غيرها، وأول ما قد دفعته مقدمًا كان الحصار الغربي الكامل عليها، منذ العام 1979، والمستمر إلى يومنا هذا بأسماء جديدة وعناوين أخرى.
والواقع يفرض على كل مسؤول فهم أن إزالة الكيان ممكن فقط عبر ضربات متتالية، واثقة وقادرة، كما قالها سماحة السيد الأمين، انتصارًا بالنقاط، معركة الصمود ومعركة الصبر ومعركة الوقت، مثل حروب الاستنزاف الطويلة المريرة، ينتصر فيها الطرف الأطول نفسًا والأكثر قدرة وقابلية للوقوف على قدميه، وهذه المنطقة لنا، ليست للكيان ولا للولايات المتحدة، ونحن سنبقى.
سرعان ما سيتناول الإعلام الرسمي العربي هذا الخطاب، كما تناول خطاب سماحة السيد حسن نصر الله، في يوم الثالث من تشرين الثاني الجاري، بكثير من الحماسة الفارغة والمزايدات، وسيقول إن إيران تخلت عن واجبها الديني والأخلاقي والوطني في فلسطين، وإنها تدعو لبقاء الكيان، ولا تريد إزالته، وقد يرتفع اللغو ويدفع الشيطان بعضهم أكثر، لترديد واحدة من الأكاذيب الشهيرة، بأن إيران والكيان من تحت الطاولة صديقان، وتجمعهما المصالح!
في بعض الأوقات الحرجة، وفي أيام المعارك الكبرى والمواجهات التي تفضح زيف الادعاءات الأخلاقية وتهتك الأستار الثقيلة التي تغطي خيانتهم ودنائتهم، في هذا الوقت بالذات فإن الأمة لا تحتاج إلى شهداء بقدر حاجتها إلى أبطال تاريخيين، يتقدمون طريقها إلى فجر الحرية والحقيقة، ويقولون بوضوح ودون مواربة إن البناء على الصدق مع النفس أفضل من الكذب والغش والتزييف.
..
في العام 1967، تلقى العالم العربي ومصر في قلبه، أثقل ضربة عرفها ــ ربما في تاريخه كله ــ النكسة المروعة، التي لا تزال آثارها ندوبًا واضحة على الشخصية المصرية، وضرائبها الفادحة تكسر ظهر مصر وتبعدها خوفًا وهلعًا عن تصور حتى احتمالية الدخول في حرب جديدة، ولو دفاعًا عن حقها في الحياة الإنسانية بأبسط معانيها وأوضحها.. مياه النيل.
قبل هذه الجريمة متكاملة الأركان، كان الإعلام المصري يذكر ليل نهار أن الجيش المصري قادر على إلقاء الكيان في البحر، ويوم 6 حزيران/ يونيو، ورغم صدور قرار الانسحاب العسكري المهين من سيناء، كانت مانشيتات الصحف المصرية تنشر الأكاذيب أن "قواتنا تتقدم في "إسرائيل"" و"الجيش العربي في طريقه إلى "تل أبيب""، هكذا نصًا.. ماذا كانت النتيجة، هزيمة وتحطمًا لكل القيم السامية، انهيارًا كاملًا وبشعًا للروح المصرية، فقدنا الإيمان والثقة دفعة واحدة، وإلى الأبد، كان انتحارًا بكل ما تحمله هذه الكلمة من مغزى ديني قاطع وحكم أخلاقي بالإدانة، لذا فإن خطاب الحقيقة مهما كان مؤلمًا هو يعرف مقدمًا أن طريق المقاومة هذا له ثمن وألم، لكنه أبدًا لا يعرف الهزيمة أو يرتضي السقوط.