معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

لن نقع في فخ "كامب ديفيد" مرتين
28/11/2023

لن نقع في فخ "كامب ديفيد" مرتين

إيهاب شوقي

تخلص تقارير الأمن القومي الأمريكية إلى أن الخيارات الأمريكية تعتمد على مراجعة الوضع العالمي لعام 2021، والتي أظهرت أن الولايات المتحدة تفتقر إلى القوات اللازمة للحفاظ على وضع دفاعي كبير ودائم في الشرق الأوسط.

بالتالي، حدّدت هذه الخلاصات حدود الخيارات الأمريكية في ما يلي:

1- النظام الإقليمي سيعتمد على ضغط الولايات المتحدة نحو حلّ الدولتين. وهذا التقدم سيسمح بدوره لـ"إسرائيل" بتطبيع علاقتها مع السعودية والاندماج بشكل أكثر شمولاً في المنطقة.

2- علاوة على فوائد التطبيع الموسّع، فإنّ الاتفاقيات الأمنية الأميركية، والتي تسعى الدول الإقليمية إلى الحصول عليها، سوف تشير إلى التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن المنطقة.

هذه الحدود هي ما جعلت كاتبًا أمريكيًا مهمّا يحدّد صياغة دقيقة لجوهر التحركات الأمريكية، إذ يقول دانييل إي. موتون- المسؤول الكبير عن مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط التابعة لبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، عمل في مجلس الأمن القومي من العام 2021 إلى العام 2023 مديرًا للسياسة الدفاعية والسياسية العسكرية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- نصًا ما يلي: "يرتبط الأمن طويل المدى في الشرق الأوسط بالقدرة على الحفاظ على نظام ردع إقليمي دائم ضد إيران ووكلائها".

ولصياغة كلام موزون بطريقة أوضح، يمكننا أن نقول وفقًا لفهمنا لقوله ولخلاصة تقييم الوضع تبعًا لما ورد في تقرير الأمن القومي الأمريكي ما يلي:

تعمل أمريكا، عبر جلب أساطيلها في البحر المتوسط والأحمر، إلى قطع الطريق على وحدة الساحات والاستهداف الشامل من محور المقاومة للعدو الإسرائيلي بيد، وباليد الأخرى تعمل على توسيع التطبيع وخلق مظلة دفاع إقليمي مع الدول العربية لحماية أمن الكيان وسلب أوراق القوة والضغط الموجودة بيد المقاومة.

وتحت هذا الإطار تمارس أمريكا ألاعيبها السياسية برفع لافتة "حلّ الدولتين" ورفض احتلال غزة ورفض مشروع التهجير، وضرورة وصول المساعدات لأهالي غزة، وذلك للتقاطع مع الخطاب العربي الرسمي لهدفين:

الأول: عدم إحراج السعودية تحديدًا، وهي تتجه حثيثًا للتطبيع، وتوفير الحرج على باقي الأنظمة، والتي سيكون لها أدوار في هذا المشروع الأمريكي.

الثاني: التمهيد لتدشين الخطة الأمريكية لهندسة نظام فلسطيني يقوم على ائتلاف حاكم يعترف بكيان العدو، كونه شرطًا لازمًا للدولة الفلسطينية المزعومة.

وهذه الخطة الأمريكية يجري العمل الدؤوب عليها حاليًا، عبر سياسة العصا والجزرة، حيث تتمثل العصا في الإعلان عن حق الكيان في القضاء على حماس والمقاومة والعيش بأمان، وعبر محاولات التخويف بجلب الأساطيل وحاملات الطائرات وغارات متفرقة في سوريا والعراق لتوحي أنها جادة في المواجهة، وذلك على عكس ما فضحته تقارير أمنها القومي المشار إليها من افتقاد القوات اللازمة للابقاء على وضع دفاعي طويل.

والأخطر من هذا هو الجزرة التي تقدمها للأنظمة برفع مشروع حلّ الدولتين الوهمي، والإيحاء في الكواليس بأن أمريكا ستضغط على العدو للقبول بدولة شريطة أن تكون منزوعة السلاح، ولها قيادة موحدة تقبل الاعتراف بالعدو، وهو ما يشكّل مقدمة لمعاهدة كامب ديفيد جديدة، أي إن أمريكا تحاول الاستمرار في سياسة الاحتواء التي فعّلتها عقب حرب اكتوبر / تشرين الأول 1973 باحتواء جديد عقب حرب اكتوبر/ تشرين الأول 2023.

والسؤال هنا، هل يمكن أن يمر هذا المشروع الأمريكي، وما هي عوامل قوة مروره وعوامل ضعفه؟

للأسف، تتماهى الأنظمة العربية مع أمريكا، وتستغل أمريكا و"اسرائيل" حصار الشعب الفلسطيني، وكأنّ العدو يمتلك معبر رفح من الجهتين الفلسطينية والمصرية. وهذا ما يضعف الموقف التفاوضي للمقاومة، في مفاوضات الهدنة وشروطها، ويجعل فكّ الحصار بندًا رئيسًا يؤثر في بنود أخرى يمكن للمقاومة الخوض فيها لو كان المعبر مفتوحًا بحكم السيادة المصرية المفترضة عليه. وهذا ما يشكّل خطورة مستقبلية إذا تمّ الخضوع لمنطق التسويات والمفاوضات السياسية؛ لأنّ المفاوضات السياسية تخضع لقانون دولي جائر ونظام عربي رسمي مفرط.

أما عوامل ضعف مرور المشروع الأمريكي؛ فهي حصرًا بيد المقاومة عندما تلتزم بسلاحها وعدم الخضوع لمنطق امريكا والعدو بفصل غزة عن الضفة والقدس.

محور المقاومة بإعلانه عن جهوزيته ومراقبته للوضع في غزة يقطع اليد الأولى لأمريكا، والتي ترفع العصا وذلك بإعلانه عن أن جميع الاحتمالات مفتوحة وأن الصراع قابل للتوسع.

كذلك تمسك المقاومة الفلسطينية بخيارها ودفاعها عن كامل الأراضي الفلسطينية، وأنها سيف للقدس، وبعدم السماح ولا التماهي مع إغراءات أمريكا، ولا الوقوع في فخاخ التفاوض على غزة فقط، وهذا كفيل بقطع اليد الثانية لأمريكا، والتي تقدم الجزرة المسمومة.

بعد أن فشلت أمريكا وطفلها الصهيوني المدلل في هزيمة المقاومة بالسلاح، فإنها تتجه لمحاولة هزيمة خيار المقاومة بالسياسة، ولن يمر ذلك طالما المقاومة يقظة ومنتبّهة للسياسة كانتباهها وجهوزيتها في الميادين.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات