خاص العهد
لماذا يتكتّم العدو الإسرائيلي على خسائره؟
فاطمة سلامة
تُذيّل البيانات التي تُصدرها المقاومة الإسلامية في لبنان والتي تستهدف فيها مواقع وتجمعات العدو "الإسرائيلي" بعبارة "حقّقوا فيها إصابات مباشرة". إصابات تتنوّع بين قتلى صهاينة وجرحى وخسائر مادية. ولأنّ المشاهد الحيّة خير شاهد، غالبًا ما يتبع البيان فيديوهات مصوّرة يبثها "الإعلام الحربي"، فيديوهات تبيّن بما لا يقبل الشك تعرُّض العدو لخسائر واضحة. الأمر ذاته ينسحب على بيانات المقاومة الفلسطينية وتحديدًا حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي". بشكل يومي، يجري الإعلان عن تدمير كلي أو جزئي لآليات عسكرية إسرائيلية، واستهدافات في العمق الإسرائيلي. يتبع البيانات مشاهد يبثها "الإعلام العسكري"، تبيّن كيف وقع جنود الاحتلال في مصيدة المقاومة. تبيّن شجاعة المقاوم الفلسطيني المقدام الذي يقضي على الآلية الاسرائيلية من مسافة صفر.
هذه الاستهدافات المتواصلة للمقاومة على الجبهتين الشمالية والجنوبية تمتد منذ أكثر من شهر ونصف، ما يعني حُكمًا تراكم الخسائر لدى العدو. إلا أنّ الملاحظ أنّ ثمّة تعتيمًا واسعًا من قبل جيش الاحتلال على قتلاه وجرحاه وحتى خسائره المادية. تعتيم يُخفي معه العدو الإعلان عن خسائره الحقيقية ويكتفي بالكشف عن نسبة ضئيلة جدًا من القتلى والخسائر. الأمر الذي يعود ــ بحسب محلل الشؤون العبرية في قناة "المنار" حسن حجازي ــ الى الخوف والقلق الإسرائيلي من أن تؤثر المشاهد على "الرأي العام" الإسرائيلي فيطالب بإنهاء المعركة.
آلاف الإصابات البشرية
يلفت حجازي الى أنّ العدو حريص على عدم الاعتراف بخسائره حفاظًا على تماسك الجبهة الداخلية. الكشف عن الخسائر الواسعة خصوصًا في صفوف الجنود يشكّل أحد عناصر ضعف الجبهة الداخلية وتفككها. ومن هذا المنطلق، هناك حرص إسرائيلي على التكتم على الحد الأكبر من الخسائر، رغم الإفصاح عن بعض القتلى بين الحين والآخر. وهنا، يلفت المتحدّث الى أنّ حجم الخسائر على مستوى الإصابات في الجبهتين الشمالية والجنوبية بالآلاف بين جنود ومستوطنين، وهذا ما تؤكّده المعطيات التي تنشرها المستشفيات. ثمّة تقرير صدر منذ 10 أيام عن وزارة الصحة في الكيان تحدّث عن 7 آلاف جريح دخل الى مختلف المستشفيات، وبالتأكيد العدد ازداد اليوم، وهذا معطى مهم جدًا، لكن في المقابل، ثمّة حرص إسرائيلي على تغييب هذه الخسائر عن المشهد.
أضرار هائلة بالمواقع.. وتعتيم مُطلق
وفي ما يتعلق بالعتاد العسكري، يؤكّد حجازي أنّ هناك أضرارًا هائلة بالمواقع والمعدات والآلات المختلفة، لكن العدو لا يتكلم عن هذه المسألة بالمُطلق. نحن نرى الدبابات تُدمّر في قطاع غزة، لكن العدو لم يُفصح ولو لمرة واحدة عن تدمير آلية أو منشآت حدودية، لم يُفصح حتى ولو لم يعترف بسقوط قتلى. وفق حجازي، يعتبر العدو أنّ صورة الخسائر مسيئة جدًا الى صورة جيشه وتدل على أن هذا الجيش يتعرّض لضربات، لذلك، يتجنب الاحتلال هذه القضية.
وحول الأضرار المدنية المباشرة جراء القصف على المستوطنات، هناك تعتيم بشكل كامل ولا يُسمح بنشر أي مشهد داخل المستوطنات، باستثناء المشاهد القليلة التي نراها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويصورها مستوطنون، والتي لم نعد نراها خلال الأيام الماضية. العدو حريص على كتم أرقام القتلى كي لا تُضرب معنويات المستوطنين. وفي هذا السياق، يلفت حجازي الى أنّ الجيش الإسرائيلي حريص على أن تبقى الجبهة الداخلية متماسكة، وهو حريص في الوقت عينه على إظهار الخسائر لدى الطرف الآخر، من سقوط شهداء، جرحى، دمار، قصف وما الى هنالك. لذلك، فإنّ كل المشهد الذي نراه من الحرب في الإعلام الإسرائيلي هو مشهد الدمار في الجهة الثانية وليس في "إسرائيل"، وهذا الأمر يدل على أن هناك خوفًا كبيرًا من قبل الاحتلال من أن تؤثر المشاهد على مشروعية المعركة ومدى استمرارها.
في الجبهة الشمالية التكتم مُضاعف...
يوضح حجازي أنّ التعتيم على الخسائر يزداد في الجبهة الشمالية حيث التكتم سيد الموقف، وخلال الأسبوعين الأخيرين توقف العدو ــ على ما يبدوــ عن الإعلان عن الخساتر نهائيًا. في أحد المواقع التي أعلنت المقاومة عن استهدافها قبل أيام اكتفى العدو بالإشارة الى الحدث دون الكشف عن أي معطيات رغم سقوط قتلى وجرحى. يعود حجازي ويكرّر أنّ التعتيم على الجبهة الشمالية أكبر مما يجري في غزة، وهذا الأمر برز مؤخرًا حيث يحاول العدو إخفاء كل المعلومات حول ما يحصل في الجبهة الشمالية رغم الخسائر الكبيرة، حيث يعمد الى تجاهل إنجازات الطرف الآخر.
يشدّد حجازي على أنّ رقابة العدو العسكرية تفرض على وسائل الاعلام أن تلتزم بشكل كامل بالتعليمات بعدم نشر أي أمر، حتى المستوطنون على وسائل التواصل الاجتماعي توقفوا عن النشر، وقد شملت التعليمات كل مجتمع الكيان، فالجميع مجنّد في هذه الحرب ولا يقدم أي معلومة تضر بصورة الكيان. وفق حجازي، الإعلام الإسرائيلي مجنّد حاليًا وهو جزء من المعركة والرواية والدعاية ولا يمكن فصله عن الجيش الإسرائيلي، كذلك مجتمع المستوطنين حيث أصبح الجميع مجموعة حربية واحدة، وجيشًا يتحرك بأشكال مختلفة. وعلى هذا الأساس، فإنّ الإعلام مجنّد بالكامل ويتعامل مع المعركة كأنها قضيته، يخلق مبرّرات الحرب، ولا يهتم بالقواعد الدولية وحقوق الإنسان والشرائع بالمطلق، ويبدو آخر همه استشهاد الأطفال، ما يدل على أننا نواجه عدوًا لا يفرق بين عسكري ومدني وطفل.
وفي الختام، يُجري حجازي مقارنة سريعة بين حرب اليوم وحرب عام 1967 بين "إسرائيل" والجيوش العربية. آنذاك، عمد العدو الى إخفاء خسائره رغم تكبده أكثر من 600 قتيل. رغم ذلك، لم يُعلن عن الخسائر والقتلى إلا بعد انتهاء الحرب. وعلى هذا الأساس، يطلب جيش الاحتلال من أهالي القتلى عدم الإعلان، حتى أنه عندما يتم تشييع جنود الاحتلال لا يُسمح بعرض صورة حامل النعش انطلاقًا من أنّ الطرف الآخر قد يستغل هذه المشهدية. لهذا المستوى يبدو الإسرائيلي حريصًا ولديه خوف من أن تضر المشاهد بصورته وبالجبهة الداخلية وتؤثر على "الرأي العام" الإسرائيلي.