خاص العهد
أسباب الدعم الأميركي المُطلق لـ"إسرائيل"
فاطمة سلامة
ما سرّ الدعم الأميركي المُطلق واللامحدود لـ"إسرائيل"؟. يطرح كثيرون هذا السؤال في سياق فهم المساندة المتنوّعة والنادرة في خريطة العلاقات الدولية. لم يحدُث أن ثبتت دولة على تقديم دعم مماثل امتدّ لأكثر من سبعة عقود. إطلالة سريعة في محطات من حياة هذا الكيان تُبيّن كيف أمّنت واشنطن كل وسائل الدعم منذ إنشائه عام 1948. كيف كانت "عرّابة" الاعتراف بقيام الاحتلال الإسرائيلي، ليشهد التاريخ منذ ذلك الوقت على مدّ طويل من الدعم المتنوّع واللامتناهي السياسي والعسكري والاقتصادي وما الى هنالك من المجالات.
محطّات القرنين العشرين والواحد والعشرين تزخر بأمثلة كثيرة عن هذا الدعم، أمثلة لا يتّسع المقال لإدراجها. يكفي استحضار حرب "أكتوبر 1967" التي كانت واحدة من تلك المحطات التي مدّت فيها الولايات المتحدة الأميركية "إسرائيل" بكل وسائل الدعم بوجه الجيوش العربية. القمر الصناعي الأميركي كان يوصل المعلومات لـ"إسرائيل" ساعة بساعة. الجسر الجوى الأميركي امتدّ لنجدة "إسرائيل". الحروب "الإسرائيلية" على لبنان شاهد آخر، حيث زوّدت الولايات المتحدة الكيان بكل وسائل الدعم العسكري لارتكاب المجازر والإمعان في الوحشية. أما فلسطين، فهي شاهد حيّ إذ لم تسلم من شرّ أميركا المطلق منذ النكبة حتى تاريخنا الحاضر. وبالأرقام، تعدّ "إسرائيل" أكبر متلقٍّ للمساعدات الخارجية الأميركية، اذ وفقًا للمؤشرات الرسمية الأميركية، بلغت المساعدات الإجمالية بين عامي 1946 و2023 نحو 158.6 مليار دولار.
واذا كان عامل الجغرافيا والذي يُعدّ من أهمّ العوامل المؤثرة في العلاقات الدوليّة حيث يؤثّر قرب المكان بين جهتين في تطوير العلاقات الدبلوماسيّة بينهما، فهذا العامل غير موجود نظرًا للبعد المكاني بين الولايات المتحدة وفلسطين التي تحتلها "إسرائيل". إسقاط هذا العامل من قائمة الحسابات والأسباب يدفعنا للبحث في عوامل أخرى تكشف خفايا الدعم "الأعمى" كما وصفه كُثر ممّن قرأوا في السياسة الخارجية الأميركية. عوامل يتحدّث عنها لـ"العهد" رئيس المرصد اللبناني للعلاقات الدولية والاستراتيجية الدكتور وليد عربيد الذي يُقدّم قراءته للأسباب، فيعود بالذاكرة بداية الى سؤال وجّهه عام 1985 لرئيس الحكومة الفرنسية الأسبق في عهد شارل ديغول موريس كوف دي مرفيل حين كان يُلقي خطابًا عن الشرق الأوسط في منطقة مركز الصناعات الدولية. سأل عربيد دي مرفيل حينها: كيف ترى العلاقات الأميركية - العربية؟ فأجاب سريعًا وبدون تفكير: "ما تريده الولايات المتحدة الأميركية من العلاقات العربية هو تطويق الاتحاد السوفيتي ووضع يدها على الطاقة والبترول وتأمين أمن "إسرائيل"". وقد جرى فعلًا تطويق الاتحاد السوفيتي في عهد وزير الخارجية الأميركية جون فوستر دالاس، يضيف عربيد، عبر حلف بغداد أو حلف "سنتو" عام 1980 لينهار الاتحاد السوفيتي وتصبح الولايات المتحدة الأميركية قوة عظمى بقواتها العسكرية والقواعد المتواجدة في الخليج.
حاملة طائرات برية
يشدّد عربيد على أنّ إجابة دي مرفيل كانت من منطلق الدبلوماسي والسياسي المخضرم الذي خبر العقلية الأميركية حين كان وزيرًا للخارجية أي أوائل الستينيات، وهي بلا شك، تختصر، من وجهة نظر المتحدّث، الأسباب التي دفعت واشنطن الى تقديم كل هذا الدعم للولايات المتحدة الأميركية. يتوسّع عربيد في الحديث فيصف "إسرائيل" بالقاعدة المتقدّمة لواشنطن. هي بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية كحاملة الطائرات البرية. كل حاملة تُكلّف ثلاثة مليارات دولار سنويًا، وهو ثمن الأسلحة المتطوّرة التي تعطيها الولايات المتحدة الأميركية لـ"إسرائيل"، وهي نفس الأسلحة التي يستخدمها الكيان بحال نشوب أي نزاع أو حرب حيث تكون "اسرائيل" القاعدة المتقدّمة واليد العسكرية للولايات المتحدة.
يغوص عربيد في التاريخ فيؤكّد أنه لم يسبق أن دعمت دولة دولة أخرى أو كيانًا أو جهة بالحد الذي رأيناه. يستحضر حرب عام 1956 أو العدوان الثلاثي حين تم تأميم قناة السويس، وكانت الولايات المتحدة تقف جانبًا لتوريط الاستعمار البريطاني والفرنسي الى جانب "إسرائيل" في الصراع مع العرب. حينذاك، رفضت الولايات المتحدة بإمرة الرئيس دوايت آيزنهاور كل الاقتراحات لوقف العدوان، فيما كانت تساعد الدولة العبرية. الأمر ذاته حصل في نكسة عام 1967، وحرب عام 1973، وفي كافة الحروب التي شنتها "إسرائيل". وهذا إن دل على شيء ــ من وجهة نظر عربيد ــ إنما يدل على أن "إسرائيل" هي ربيبة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
اللوبي الصهيوني
من السبب الأول المتمثّل باستخدام الولايات المتحدة لإسرائيل كقاعدة متقدّمة وأداة عسكرية لخوض حروب بالوكالة، ينتقل عربيد الى السبب الثاني المتمثّل باللوبي الصهيوني داخل المجتمع الأميركي حيث سعت "الحركة" الصهيونية إلى تقوية حضورها وتأثيرها لدى صنّاع القرار الأميركيين. بات هذا "اللوبي" أحد أشهر وأقوى جماعات الضغط تأثيرًا في السياسة الأميركية. عملت هذه الجماعات
الصهيونية على دعم المرشحين في الانتخابات الرئاسية الأميركية لحماية "إسرائيل" ضد الشعب الفلسطيني الذي يعاني رغم صدور قرارات أممية لصالحه ضد "إسرئيل"، لكنها لم تنفذ بعد. وهذا ــ برأي عربيد ــ أمر بديهي في ظل سيطرة الولايات المتحدة على منظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، خلال إقامة مؤتمر "يالطا" عام 1945 والذي اجتمع فيه ثلاثة قادة (جوزيف ستالين الذي قاد الاتحاد السوفيتي، ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني، فرانكلين روزفلت الرئيس الأميركي آنذاك).
سيطرة يهود على شركات كبرى
يتابع عربيد في الأسباب، فيُدرج وجهة نظر بعض الخبراء في القانون الدولي والتي تقول إنّ الدعم القانوني والسياسي والإعلامي والعسكري، وما الى هنالك يعود الى سيطرة يهود على شركات كبرى في العالم. تلك الشركات تمثل القوة الثانية في العالم بعد المجموعات المالية الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية. وهنا يشير عربيد الى أنّ من يسيطر على القرار الأميركي ليس الحزبان الديمقراطي والجمهوري بل جهات تدير السياسة وهي الشركات الكبرى التي يسيطر عليها يهود.
رأس حربة للسيطرة على المنابع والثروات
ومن الأسباب أيضًا، يقول عربيد، سعي الولايات المتحدة الأميركية لزرع كيان يزعزع قوّة ومتانة المنطقة الممتدة من تركيا حتى اليمن. يهم الولايات المتحدة وضع كيان في قلب هذه المنظومة لتفقد قوتها وتماسكها. وفي هذا السياق، يشير عربيد الى أنّ "إسرائيل" الموجودة في نطاقنا الإقليمي تعلم أنها بلا ثقل، ولا تستطيع الصمود أبدًا بدون الولايات المتحدة الأميركية. برأيه، ثمة زوايا إقليمية في الشرق الأوسط ترتكز الى البعد والعمق التاريخي. إيران على سبيل المثال ليست دولة فقط، بل إمبراطورية، حيث وصلت هذه الإمبراطورية الفارسية في حقبة من الحقبات الى اليونان. الأمر ذاته ينطبق على تركيا والسلطنة العثمانية ذات العمق الاستراتيجي. كما ينطبق على مصر بلد الفراعنة وصاحبة العمق الاستراتيجي في أفريقيا. وعليه، فالكيان الغاصب منذ تأسيسه لا يُساوي شيئًا بلا الولايات المتحدة، كما يُعد رأس حربة من أجل السيطرة على المنابع والثروات في منطقة الشرق الأوسط.
في ختام مقاربته، يشدّد عربيد على أنّ ما يجري في غزة اليوم هو أنّ الولايات المتحدة التي تملك قوة عسكرية تُساند الجيش الإسرائيلي ليقاتل باسمها بمنطقة الشرق الأوسط. هذا الأمر يصبح جليًا حين نرصد الخطاب السياسي الصادر عن صهاينة ضد جهات إقليمية. على سبيل المثال، يقول قادة صهاينة: "يجب ضرب إيران والقوة العسكرية لها". وفق عربيد، يخشى الغرب من قوة إيران العسكرية بعد أن باتت قوة مهمة تُصنّع أسلحتها بيدها، فيما سلاحها أثبت جدارته في حرب أوكرانيا. لذلك، تستخدم أميركا "إسرائيل" كأداة عسكرية لتشن الحروب باسمها. للأسف، تضرب الولايات المتحدة الأميركية عرض الحائط بكل القرارات الأممية ما يوصل الى قناعة تامة بأنّ الرد على كل الانتهاكات لا يكون الا بسياسة القوة وموازين القوى، اذ لم يعد القانون الدولي نافعًا في هذا الإطار، يختم عربيد.