آراء وتحليلات
الشيفرات الخمس
د. علي أكرم زعيتر
خمس شيفرات رئيسية تضمنها خطاب سماحة السيد حسن نصر الله، يوم الجمعة الفائت، من تلقفها فقد أدرك النصر، ومن لم يتلقفها فقد فاته الشيء الكثير.
الشيفرة الأولى: أبواب الجحيم
ما تقوم به المقاومة الإسلامية حالياً في الجنوب لم يعد يفي بالغرض، ما يعني أن الأيام المقبلة ستشهد تغييراً دراماتيكياً، في طبيعة ونوع العمليات العسكرية التي تشنها المقاومة الإسلامية، فهل يكون ذلك مقدمة لفتح أبواب الجحيم على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة؟
إن دخول أسلحة جديدة إلى الميدان للمرة الأولى منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى، يعد بحسب الخبراء العسكريين تحولاً لافتاً في إدارة المعركة.
من يقارن بين ردود أفعال جيش الاحتلال على الجبهة الجنوبية وردود أفعاله على الجبهة الشمالية يدرك أن هناك تفاوتاً كبيراً، فهل مرد ذلك إلى خشيته من توسعة دائرة المواجهات بينه وبين حزب الله؟
قالها سماحة الأمين العام قبل أيام: إن ما يقوم به حزب الله على الجبهة الشمالية للعدو الصهيوني ــ حتى الآن ــ هو محاولة إشغال أو إلهاء بغرض تشتيت قوة الجيش الإسرائيلي، وبالتالي تخفيف وطأة الضغط عن غزة. فإلى متى تستمر حالة الإلهاء هذه؟
الشيفرة الثانية: تسجيل النقاط
في الحرب التي تخوضها المقاومة حالياً، لا يكون النصر بالضربة الحاسمة، وإنما بتسجيل النقاط، وعليه فإن التصعيد في الجنوب لن يكون دفعة واحدة أو فجائياً، وإنما بوتيرة متفاوتة، بحيث يبدو الأمر وكأن الأوضاع في المنطقة تذهب تدريجياً نحو مرحلة اللاعودة.
الشيفرة الثالثة: الاحتمالات المفتوحة
الأوضاع في جنوب لبنان والمنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات. وهذا يحتمل عدة تفسيرات، ليس أقلها أن تنفجر الأوضاع في المنطقة، بما لا طاقة لأميركا وإسرائيل والغرب على تحمله.
إن أي خطوة ناقصة أو غير محسوبة من قبل الإدارتين الأميركية والإسرائيلية، قد تدفع المقاومة الإسلامية إلى إلقاء كل ما في جعبتها دفعة واحدة، وهذا يعني في جملة ما يعنيه تدهور الأمور وصولاً إلى حرب كبرى، قد يعرف العدو أين تبدأ، ولكن لا يعرف أين تنتهي، فهل كان يقصد سماحته تحذير ”إسرائيل“ من ٧ تشرين أول جديد ولكن هذه المرة عبر الجبهة الشمالية؟
لا نعرف صراحةً، ماذا كان يقصد سماحته بهذه العبارة، ولكن مما لا شك فيه بالنسبة لنا، أن تحرير الجليل، سيكون نزهة مقارنةً بما ينتظر إسرائيل وأميركا في حال أخطأتا الحسابات!
الشيفرة الرابعة: مثلث الموت
بطبيعة الحال، إن ثناء سماحته على دخول المقاومة الإسلامية في العراق، وأنصار الله والجيش اليمنيَّين، على خط المواجهة لا ينبغي أن نضعه ضمن خانة التشجيع والحث، فكِلا الفريقين لا يحتاجان إلى أي تشجيع في هذا الإطار.
إن مجرد إطلاق المقاومة العراقية طائراتها المسيرة باتجاه قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، وقاعدة التنف في سورية، يعني أنها قررت الانخراط في معركة الطوفان الأقصى حتى النهاية. كما أن إقدام أنصار الله والجيش اليمني على دك إيلات بالصواريخ والمسيرات، يشي بأنهما قررا دخول الحرب من بابها العريض.
إن انخراط المقاومة العراقية وأنصار الله والجيش اليمني في المعركة الدائرة حالياً، هو بمثابة مؤشر أول على استعداد كل فصائل ودول محور المقاومة لتلبية نداء الأقصى، وهو بمثابة رسالة للأميركيين والإسرائيليين وحلفائهم الغربيين مفادها: إذا أردتم الحرب المفتوحة، فمرحباً بكم في مثلث الموت.
الشيفرة الخامسة: الأهداف المشروعة
تحميل أميركا وبريطانيا مسؤولية المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة. ومؤدى ذلك وفق تصورنا، هو تحويل القواعد والمصالح الأميركية والبريطانية في المشرق العربي إلى أهداف مشروعة للمقاومات العربية، بحيث يجري استهدافها على نحو غير مسبوق، ما يجبر أميركا وبريطانيا على سحب يديهما من الحرب، وهو ما يجعل بدوره إسرائيل وحيدة في المنطقة دون ناصر أو معين.
كان سماحته واضحاً، حينما قال: لقد أعددنا لحاملات الطائرات الأميركية المنتشرة في البحر الأبيض المتوسط عدتها. ما نخال أن هناك تهديداً مباشراً أوضح من هذا التهديد.
إن مصير (uss Gerald Ford)، وآيزنهاور لن يكون مختلفاً عن مصير نيوجرسي التي حطت على شواطئ البحر المتوسط في ثمانينيات القرن المنصرم. ولكن إذا كانت نيوجرسي قد لاذت بالفرار قبل أن تتعرض للاستهداف المباشر، فإن مثيلتَيها قد لا تمتلكان الوقت الكافي للفرار من المياه الدافئة.
بهذه الثقة المفرطة هدد وتوعد سماحته، فهل يدرك الأميركيون والبريطانيون وحلفاؤهم الغربيون مغبة تحريك أساطيلهم البحرية باتجاه المياه الدافئة؟
بالطبع، هم يعرفون جيداً تبعات ذلك، لذا أغلب الظن أن خطوة تحريك حاملات طائراتهم لا تعدو أن تكون عرض عضلات بغرض ثني محور المقاومة عن الانخراط في المعركة إلى جانب حماس، وإلا منذ متى كانت المعارك الكبرى تحسم عبر تحريك القطع البحرية؟
هذه خمس شيفرات تخللها خطاب السيد نصر الله الأسبوع الفائت، فهل نجح العدو في فك رموزها أم لا يزال يتخبط بشأنها؟ للإجابة على سؤالنا ذا، قد يتعين علينا الانتظار حتى السبت المقبل، موعد خطاب السيد نصر الله الثاني.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024