نقاط على الحروف
الكذب الإعلامي حرفةٌ صهيونية
ليلى عماشا
حين اعتمد الإعلام المتصهين الناطق بالعربية قاعدة "اكذب ثمّ اكذب…"، كان بدون أن يدري يقرّ بأنّه أنهى تتلمذه في صفوف المدرسة الصهيونية في الدعاية والإعلام، واحترف كي يثبت لأساتذته أنّه اكتسب منهم كلّ ما يجب، وأنّه أصبح مثلهم، معتمدًا لنفس منهجياتهم ومواظبًا على نفس خططهم في صناعة الخبر الكاذب، ومثلهم، لا يخجل ولا يتراجع حين يتبيّن كذبه أمام الجمهور. ولعل في المشهد اللبناني عددًا لا يستهان به من إعلاميين وسياسيين ومؤثرين ممّن حفظوا هذا المنهج جيّدًا واعتمدوه أسلوبًا في مقارباتهم للشأن العام، في خدمة معلّمهم طبعًا.
منذ السابع من أوكتوبر، صباح طوفان الأقصى، والصهيوني يكذب، على كلّ المستويات. يكذب بشأن خسائره في غزّة ولبنان، يكذب بشأن الأهداف التي يدّعي تحقيقها، يكذب بشأن المجازر التي يرتكبها، يكذب بشأن العملية البريّة التي يهدّد بالقيام بها منذ صباح ٧ أوكتوبر ويؤجلها تارة بسبب الأحوال الجوية وطورًا بسبب زيارات رسمية، يكذب بتسمية محاولات التوغل التي انتهت بهزائم مرّة، ويكذب بتعداد قتلاه، وبوعوده لعائلات أسراه. ولعل الكذبة التي أضحكت الناس بالأمس كانت أكثر أكاذيبه غباء، بحيث لا يرتكبها إلّا مختلٌّ أو منهار! وهو في الواقع الاثنان معًا.
بعد انتشار فيديو الأسيرات الصهيونيات، غريبات الأطوار، الذي يناشدن فيه نتنياهو تحريرهن ويقرعنه ويوبخنه، نشر الصهاينة خبرًا يقول إن قوّة "اسرائيلية" تمكنّت من دخول غزّة وتحرير إحدى المجندات. بداية، وعلى فرض صحّة الخبر، لا إنجاز في الأمر. فالأسرى الصهاينة يملأون غزّة، وبعضهم قُتل في الغارات والقصف المتوحش الذي يرتكبه الاسرائيلي منذ بداية العدوان. وتحرير واحد منهم ليس بالإنجاز العظيم كي يباهي به "الجيش المتفوّق" على حد وهم وزعم المتصهينين، فالصهاينة الاسرائيليون باتوا يدركون جيّدًا وهن جيشهم وكيانهم.
المضحك في الأمر، أنّ الخبر الكاذب هذا، والذي لو صحّ ليس انجازًا، انكشفت حقيقته بشكل سريع جدًا، ومخزٍ جدًا! فالمجندة التي يزعم تحريرها بعملية عسكرية معقّدة، هي في الواقع بائعة خضار كانت تنشر وتعلن عن بضاعتها على موقع فايسبوك، واستمرّت في ذلك حتى بعد طوفان الأقصى، ما يثبت أنّها لم تكن أصلًا في عداد الأسرى، وغالبًا لم تكن معنية بكلّ ما يجري، فقد كانت تتابع عملها كالمعتاد. لم يمسح الأغبياء منشورًا يثبت كذبتهم من شدّة استعجالهم لإنجاز ما، وهمي، يقولون فيه للعالم أنّهم حقّقوا شيئًا ما، ولو كان تافهًا كهذا!
هل خجلوا من انكشاف الكذبة؟ طبعًا لا. وهذا نعرفه جيّدًا، فهي سمة ينقلونها دائمًا لكلّ العاملين في فلكهم، فكم رأينا أمثلة مشابهة من اعلاميين وناشطين وسياسيين لبنانيين، ممّن يكذبون، ثم يتابعون البناء على كذبتهم حتى بعد انكشافها، بوقاحة كدنا نقول نادرة أو هي حالات فردية لو لم نرَ ألف مرّة رأسهم المدبّر وهو يفعلها.
والآن أيضًا، سيبني الصهاينة على "انجازهم" الوهمي هذا سرديات مختلفة، وخطًطًا عديدة، وسيروون أنهم "حرّروا" أسيرة وأن عدوانهم الهمجي بدأ بتحقيق أهدافه. سيصفّق لهم العالم الذي يعرف أنّهم يكذبون، وسيتحدّث اعلاميوهم والناطقون باسمهم وبرغباتهم في بلادنا بالأمر كأنّه حقيقة، وسيبنون على الكذبة ويستنتجون منها، وحين يذكّرهم الناس أنّهم يكذبون، وأن الكذبة كُشفت، سيقولون إن صحّة هذا التفصيل من عدمها خاضعة لوجهات النظر. ثم ينشدون في الإنسانية نشيدًا ركيكًا، وفي حب فلسطين قصيدة حزينة، ويوجهون التحايا لـ"ديمقراطية" الكيان الصهيوني، وينبطحون مجدًّدا عند أعتاب مشغّليهم، عسى يجدّد لهم عقود استثمارهم في مستنقع الكذب الآسن.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024