طوفان الأقصى
المصير المشؤوم لنتنياهو بعد "طوفان الأقصى"
عبير بسّام
لم يستطع الضغط الكبير في الشارع الصهيوني حتى اليوم دفع رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو للقيام بأي تحرك من أجل إنقاذ الأسرى الذين تمكنت قوات المقاومة الفلسطينية من احتجازهم خلال عملية طوفان الأسرى. ولم تنفع الوساطات ولا ما سمي بمؤتمر السلام، الذي عقد في القاهرة في وضع خطط بحسب المزاج الأميركي والصهيوني من أجل وقف الحرب التي تتسع رحاها في كل يوم. وباتت عملية تحرير الأسرى بالذات هاجساً يهدد نتنياهو ومصيره وسيلحقه بسلفه إيهود ألمرت الذي قضى بضع سنين في السجن، آخذين بعين الإعتبار ما فعلته الولايات المتحدة في العام 2006 من أجل إطالة أمد الحرب، ووضعت خططاً من اجل القضاء على المقاومة في لبنان. اليوم توجهت أميركا لاستلام دفة الأمور مرة ثانية في إدارة الحرب من أجل القضاء على المقاومة في فلسطين. الأمر لا يتعلق فقط بشك الأميركي بقدرة الإسرائيلي على قيادة الحرب، بل بشك الأميركي ومنذ سنوات بقدرة نتنياهو على إدارة الكيان، ناهيك عن إدارة الحرب، خاصة وأن أمريكا لا تريد أن ترى كرة النار وقد تدحرجت وكبرت وابتدأت تأكل الأخضر واليابس.
الولايات المتحدة تسعى لتحجيم هذه الحرب، خاصة أنها إذا ما توسعت فقد تتحول لتصبح حربًا إقليمية، وقد تتدحرج الأمور لتصبح حربًا عالمية أو شبه عالمية مع توجه المدمرات الصينية وتواجد الروس في منطقة البحر المتوسط من أجل الحفاظ عن مصالحهم والمراقبة عن كثب. وبدء حرب في المنطقة، هو آخر ما كان يخطر في بال الأميركيين المتكئين على قوة حضورهم العسكري والإقتصادي فيها، وهنا لا يمكننا أن نحدد حجم انخراط الناتو او الأوروبيين في أية معركة قد يتوسع إطارها، مع العلم أن هناك أخبارًا عن وجود قوى "أجنبية" على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولو بصفة مستشارين على الأرض لدعم جيش الإحتلال من أجل إعادة ضبط الأمور، لأنه بالنسبة للولايات المتحدة هناك أولويات يجب التركيز عليها في أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي وخاصة في تايوان. وأخيراً لن تسمح الولايات المتحدة لا لنتنياهو ولا حتى لأي من قادة الصهاينة اليمينيين المتطرفين وضع مصير الكيان على المحك، لأن الكيان في أصله هو استثمار بريطاني- أميركي- أوروبي وضعت فيه إمكانيات ضخمة ولن يسمح لنتنياهو منفرداً اللعب بمصيره.
من هذا المنطلق بالذات لا يسمح للكيان التصرف لوحده بشأن مصيره أو تقرير إذا ما كان سيدخل في اجتياح لغزة أم لا. ويحاول الأميركي منذ بداية المعركة البحث عن مخرج لحل قضية الأسرى دون الحاجة للإجتياح: إما عن طريق، أولاً، المفاوضات: الأسرى مقابل الغذاء والدواء ومقابل فتح جزئي للمعابر، وهنا يمكننا الجزم أن الأميركيين لن يسمحوا بفتح المعابر بشكل كامل، لأن الموارد مهما قلّت ستسمح بتخفيف وطأة الحصار على الفلسطينيين، وهم بالتأكيد لن يوقفوا العدوان الهمجي بشكل نهائي، ويفهم ذلك من خلال إصرارهم على مشروع قرار، لجمه الروسي بالفيتو، من أجل وقف نار مؤقت في مجلس الأمن. و/أو عن طريق عملية كوماندس، ثانياً، تسمح بإنقاذ الأسرى الأمييركيين/ الصهاينة، والتي يبدو أن قيادة جيش الإحتلال لا تملك حتى الساعة وضع خطة عملية لها، لأنه ليس لديها أية معلومات استخبارتية أو لوجستية حول ما تستند المقاومة إليه من قوة، من أجل بدء عملية إنقاذ محدودة، مما يضع نتنياهو وإدارته في موقف أصعب.
في هذا الإطار، ما لا يمكن إهماله هنا، هو المؤتمرات الصحفية التي يعقدها أهالي الأسرى الصهاينة ودورها في تحديد مصير رئيس وزرائهم، والتي يتهمونه فيها بعدم القدرة على إعادة أبنائهم، خاصة مع استمرار المقاومة بالقيام بعملياتها وإطلاق الصواريخ في "تل أبيب" والنقب وغيرها من المدن الفلسطينية التي استولى عليها الصهاينة. وقد فضحت التعليقات والتحليلات الصحافية عدم قدرة نتنياهو على التوافق على خطة غير موجودة من أجل اجتياح غزة. مبدئياً، يهدف الإجتياح الى إطلاق الأسرى وإذا ما فشلت الأميركيون والإسرائيليون في تحقيق هذا الهدف، والذي يعد عاملاً مهماً طارئاً قد يتسبب بخسارة جو بايدن الإنتخابات، وبخسارة نتنياهو لمستقبله السياسي، آخذين بعين الإعتبار ما فعله الإنسحاب الصهيوني من جنوب لبنان دون قيد أو شرط في العام 2000 بإيهودا باراك، وخسارة الحرب بإيهود أولمرت في العام 2006.
فما حدث من طوفان في محيط غزة منذ بدء العملية الفلسطينية الاسطورية سيستدعي دون أي شك تشكيل لجنة تحقيقات في الكيان الصهيوني والتي لن تبقي بنيامين نتنياهو على رأس السلطة، خاصة وأن هناك مطالبات ترتفع وتيرتها في الشارع الصهيوني تطالب باستقالته، والتي يخشى دنو أجلها، لأن هذا معناه أنه سيقدم للمحاكمة بسبب قضايا الفساد المتراكمة ضده وضد عائلته، وبالتالي ما جرى على سلفه سيجري عليه بالتأكيد.
هذه الخشية من المصير شبه المحتوم، جعلت نتنياهو في حالة استسلام تام لإرادة وتوجيهات الرئيس الأميركي جو بايدن. لا شيء بين يدي نتنياهو يمكنه من خلاله إتخاذ أي قرار وخاصة مع تأكيد قادته عدم جدوى الإجتياح وعدم قدرة جيشه على القيام بأي إنجاز. كما أن الولايات المتحدة لا تريد أن يتدخل أحد في القرارات المتعلقة بفلسطين، وقد صرحت الخارجية الأميركية في اليوم التاسع عشر لطوفان الأقصى، وبعد اجتماع مجلس الأمن بأن "ليس لدى روسيا أي دور بناء تقوم فيه في الحرب ما بين حماس واسرائيل". لذلك لن تترك أمريكا أي مساحة يستطيع فيها نتنياهو أو غيره الخروج عبرها عن قراراتها.
إن الإدارة الأميركية ليست معنية في الوقت الحالي بالدخول في أية مواجهة في المنطقة، في وقت حطم فيه "طوفان الأقصى" الحلم الأميركي، أو على الأقل يهدد بذلك جوهرياً، بإنشاء ممر بايدن وباقي المشروعات التي تعني أمريكا بسبب نقص عامل الأمن والإستقرار المرجوَين في فلسطين، ومن هذه المشروعات السيطرة التامة على غاز بحر المتوسط في حقلي تمار وليفياثان عبر شركة شيفرون العملاقة، والتي توقفت عن العمل في غربي غزة منذ اليوم الثالث لطوفان الأقصى. وهذا ما يمكنه أن يفسر ولو جزئياً أسباب زيارة بايدن المباشرة إلى فلسطين المحتلة، ولقاء نتنياهو لبضع ساعات، أعطى فيها التعليمات ورسم الخطوط العريضة وضمن على الأقل عدم تضرر مصالح الشركات الأميركية العملاقة بشكل أولي وهذا واحد من أهم الخطوط الحمر التي لا يمكن المس بها بالنسبة للأميركي، والتي لن تبالي بتقديم نتنياهو كبش محرقة على مذبح المصالح الأميركية.