طوفان الأقصى
"طوفان الأقصى" مستمر.. ماذا ينتظر جيش العدو على أبواب غزة؟
شارل ابي نادر
بعد أن عرض المتحدث العسكري باسم "كتائب القسام" الجناح العســكري لحركة "حماس"، أبو عبيدة في كلمة متلفزة مساء الخميس 12 أكتوبر لآخر تطورات معركة "طوفان الأقصى"، وتوضيحه بأن فكرة العملية بدأت في أعقاب معركة "سيف القدس" عام 2021 التي وحدت الساحات وحشدت الأمة حول أهمية الدفاع عن مقدسات ومستقبل الشعب الفلسطيني، وأن قيادة "القسام" و"الحركة" اتخذت القرار بأن المعركة القادمة يجب أن تحدث الفارق الكبير في مستقبل الصراع مع الاحتلال، وبعد أن فنّد كل مراحل التخطيط والدراسة والتحضير والتنفيذ لاحقًا على كافة المستويات، يمكن القول إن ما حققته "كتائب القسام" خلال كل هذه المراحل تجاوز في كافة الأبعاد الاستراتيجية والاستعلامية والعملياتية واللوجستية والتنظيمية ما يمكن أن يحققه جيش متطور، قادر ومجهز بأحدث تقنيات القتال والمواجهة والعمليات الخاصة، وغير محاصر، وهذا هو الأهم الذي ميّز هذه الحركة من نقاط قوة وبأس.
اليوم مع وصول المواجهة إلى ما وصلت إليه، بعد ردة الفعل الهستيرية للعدو الاسرائيلي على العملية التاريخية وغير المسبوقة وعلى الصفعة الصادمة التي تلقاها وعلى كافة المستويات، والتي يترجمها على أرض فلسطين المحتلة وخاصة على ارض غزة، دمارًا وقتلًا وتجاوزًا لكل القوانين الدولية والانسانية وقوانين الحرب والقانون الانساني، تتركز مناورته الحالية على محاولة تحقيق أي انجاز يخفف ولو بالحد الأدنى ما تعرض له معنويًا وما سقط له من قتلى ومصابين وما وقع له في الأسر من عسكريين ومستوطنين، وذلك من خلال تحقيق أحد أكثر أهدافه حساسية اليوم وهو تدمير كامل للبنية العسكرية والتنظيمية للمقاومة الفلسطينية في غزة وخاصة لحركة "حماس"، وحيث يبقى عبر التدمير وقتل المدنيين والمجاهدين عاجزًا عن تنفيذ ذلك، ولم يتبق له إلا تنفيذ هجوم بري واسع على غزة، يعتبر من خلاله أنه يحقق هذا الهدف الصعب والبعيد.
فهل يمضي العدو في هذا الهجوم البري الذي أصبح اجباريًا وممرًا رئيسًا ووحيدًا بالنسبة اليه لتحقيق أهدافه العدوانية في غزة؟ وما هي أفق نجاحه؟ وماذا عن مناورة الدفاع التي سوف تعتمدها وحدات وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة؟
بداية، لا بد من التنويه الى أن الانجاز الرئيسي العسكري الذي حققته وحدات القسام في عملية طوفان الاقصى، تمثّل تحديدًا في نجاحها بتدمير فرقة غزة في جيش العدو، من خلال تنفيذ هجوم مركز ومتزامن على جميع مواقعها وعددها 15 موقعًا عسكريًا، الأمر الذي أسس عملانيًا إلى تطوير الهجوم داخل منطقه العدو الجنوبية، وتحقيق ما تحقق على صعيد أسر وتحييد العدد الأكبر من الجنود والمستوطنين بعد أن نجحت "القسام" في التمدد داخل أغلب مستوطنات الغلاف، والتي هي أساسًا أقرب إلى كونها مواقع عسكرية منها مدنية، نظرًا لما تتجهز به من بنية شبه عسكرية كاملة.
ننطلق من هذه النقطة: "تدمير فرقة غزة"، والتي تعتبر من أكثر فرق العدو تجهيزًا وتنظيمًا وتدريبًا، خاصة أنها متمركزة بمواجهة المنطقة الأكثر قدرة للمقاومة، والتي تحتضن الفصائل الأكثر تمرسًا وتجهيزًا، وصاحبة الخبرات التاريخية في مواجهة جيش الكيان، وأهمها حركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي"، أو "وحدات القسام" و"سرايا القدس"، وان يتم تحقيق هذا الهدف من خلال الهجوم على مواقع الفرقة المذكورة، وهي تدافع في مراكز محصنة ومستعدة، ويتم تدميرها بنجاح، فكيف يمكن أن يكون مستوى القتال فيما لو حاولت وحدات العدو الهجوم على هذه الوحدات نفسها من فصائل المقاومة التي ستدافع عن غزة باللحم الحي وبكل ما أوتيت من قوة ومن بأس ومن مواقع مجهزة بكل نماذج الدفاع المتماسك والانفاق المتعددة المداخل والمخارج وحقول وتشريكات الالغام ضد الاشخاص وضد الاليات؟ وفيما تنتظر هذه الفصائل المقاوِمة بفارغ الصبر وحدات العدو على ابواب غزة الحصينة، حتما، سيكون بانتظار وحدات العدو الكثير من الويلات والخسائر على تلك الأبواب.
أمام هذه المعضلة: صعوبة "الهجوم البري على غزة"، وبنفس الوقت، أمام ضرورة والزامية تنفيذ هذا العمل العسكري بالنسبة للعدو، سارع بنيامين نتنياهو الى طلب الدعم الفوري من الأميركيين، والذين لبوا فورًا نداء الإحتلال بارسال حاملة طائراتهم الأكثر تطورًا وتجهيزًا: "جيرالد فورد"، والتي وصلت إلى شرق المتوسط وفي منطقة قريبة من منطقة عمليات جيش العدو جنوب فلسطين المحتلة.
بالرغم مما تحمله حاملة الطائرات الأميريكة جيرالد فورد من السفن والمدمرات المرافقة لها من قدرات (90 قاذفة اف 35 واف16 ومروحة واسعة من الصواريخ الباليستية: بحر – بحر وبحر - ارض وبحر - جو ومن منظومات الدفاع الجوي والمسيرات وطوافات القتال)، يمكن الاستفادة عمليًا من هذه القدرات، فقط في دعم وحدات الجو الاسرائيلية بصواريخ موجهة وقنابل ذكية شديدة القدرة على التدمير، نظرًا لحتمية الحاجة لها بسبب ضخامة ما رمته وسوف ترميه من اطنان القذائف والصواريخ على غزة، وقد تمتد هذه الاستفادة الى امكانية استعمال القاذفات الاسرائيلية سطح هذه الحاملة كمدرج للاقلاع وتنفيذ عمليات التدمير والقصف، في حال خرجت مطاراته داخل الكيان عن الخدمة، وهذا أمر وارد جدًا كون المقاومة الفلسطينية تملك القدرة على تحقيقه بصواريخها الفعالة، والمعروفة والمجرَّبة سابقًا في هذا الاطار.
ويبقى ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة الاميريكة من دعم مباشر للكيان، بعيدًا عن ما يحتاجه الأخير فعلًا لتحقيق النجاح في الدخول البري الى غزة، وهدف العدو في تدمير بنية المقاومة الفلسطينية في غزة حلمًا بعيدًا ومستحيلًا، وليبقى - وبعد ملحمة "طوفان الاقصى" - زوال "اسرائيل" هو الحلم الاقرب الى التحقق باذن الله.