آراء وتحليلات
المقاومة كسرت الرمح الاسرائيلي واخترقت جدار درعه
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
طوال يوم 7 تشرين الاول/اكتوبر أعادت المقاومة الفلسطينية بوصلة التاريخ نحو القدس، ايذانًا ببدء العدّ العكسي لزوال هذا الكيان الغاصب، بعدما نفذ المقاومون عملية "طوفان القدس" كبروفة أولية بالدم والنار، لسيناريو التحرير الكامل لأرض الأنبياء وأثبتوا عمليًا بالصورة الحية المباشرة، أنه ليس ببعيد.
فمقاطع الفيديو التي التقطها المقاومون وحتى المدنيون خلال العملية، وتم توزيعها على الفور على وسائل التواصل الاجتماعي ونشرتها الفضائيات العالمية، أظهرت المؤسسة الأمنية والعسكرية والاستخبارية الإسرائيلية مهزومة ضعيفة، منعدمة القوة، قليلة الحيلة، ومتهالكة ومذلولة ومذهولة، خصوصًا عندما تمكنت المقاومة من تحطيم نظرية الرمح والدرع التي قام عليها الكيان لعقود طويلة.
والمثير أن عنصر المفاجأة هذا لم يقتصر على الكيان بل امتد إلى غرف البنتاغون الأمريكي الذي عبرّ بعض المسؤولين فيه عن احباطهم من الفشل الاستخباراتي الذريع امام قدرات "حماس" و"الجهاد".
كيف أدت عملية طوفان الأقصى إلى تهشيم عقيدة "الدرع والرمح" لـ"اسرائيل"؟
مخطئ من يظن أن القيادات الاسرائيلية السياسية منها والعسكرية والامنية، ستستعيد وعيها عما قريب بعد صاعقة المقاومة التي نزلت على قيادات وعناصر الجيش الاسرائيلي، وشلت حركتهم لساعات، واصابتهم بالفزع والجزع والهلع والرعب الذي دبّ في نفوسهم، وهم يشاهدون بأم العين صور ذل وجُبن جيشهم، وهشاشة تحصينات مستوطناته ومواقعه بعدما أحكمت المقاومة السيطرة عليها بسرعة خاطفة وكأنها في نزهة، بينما كان عناصر الاحتلال يتساقطون أو يفرون أو يستسلمون أمام زحف المقاومة واحدًا تلو الآخر.
ما تجدر معرفته في هذا السياق أن "اسرائيل" بنت وخاضت جميع حروبها بناء على العقيدة القتالية المعروفة باسم الدرع والرمح، وهي قامت على الاتي: "الجندي في الميدان يقاتل، والفلاح يحرث الارض بسلام". لكن حرب تموز 2006، غيرّت مفهومها، فأصبحت "الجندي يتعرض للموت، والفلاح يتعرض للانهيار أو الموت أيضًا"، خصوصًا بعدما تمكن عناصر حزب الله من قتل العدو في ساحة المعركة، واستهدافه في جبهته الداخلية بواسطة الصواريخ التي لم تتوقف طيلة 33 يومًا.
واليوم وجهت عملية "طوفان الاقصى"، ضربة قاسمة وكبيرة لهذه العقيدة، أدت الى تهشيمها وخلخلة القواعد التي قامت عليها، وجعلها بالتالي موضع شك بنظر القادة الصهاينة الذين سيعكفون لا شك على دراستها وتدارك سقوطها النهائي إن أمكن.
كيف حصل ذلك؟
سبق لأحد الشهداء الكبار في المقاومة أن عرف عقيدة الرمح والدرع بالقول:
الدرع هو عبارة عن المستوطنات والمواقع الأمامية والأنظمة الالكترونية الأحدث في العالم (البصرية والسمعية والحرارية) وحقول الألغام وجدران العزل والأسلاك الشائكة، والدوريات العسكرية، وفي كل مستوطنة يوجد فصيلة وسرية، مهمة عناصرهما حمايتها مع قاطنيها المغتصبين.
مع الاشارة الى أن عمق الدفاع عنها (أي المستوطنة) لا يتجاوز 22 كلم، ولا يمتلك حاميتها أي قدرة على الثبات إلا لفترة قصيرة نسبيًا. والمضحك أن في عملية طوفان الاقصى لم يصمد الدرع طويلا، وهذا ما أخبرتنا به الصورة الحية، فرأينا جثث عناصر وحامية المواقع والمستوطنات متناثرة، بينما هرب أو استسلم الآخرون في زمن قياسي لم يتوقعه حتى المقاومون في غزة.
بالمقابل، يشمل الرمح استنادًا للشهيد القيادي سلاحي المدرعات، والجو. ليس هذا فحسب، فالدرع ظرفي ومؤقت، ومهمته محددة لمدة زمينة مؤقتة بانتظار تدخل الرمح. وفي حال كان الرمح مكسورًا يتهاوى الدرع تلقائيًا، لأنه لا يملك القدرة على المواجهة.
وعليه، فإن الدرع هدفه امتصاص الصدمة، في حين، يقوم الرمح بدور الهجوم وتوجيه ضربات للخصم، وهنا في هذه الحالة يتمثل بالمقاومة بشقيها اللبناني أو الفلسطيني.
وأضاف القيادي الشهيد لا قيمة للدرع إذ انكسر الرمح، فهو وفقا لهذه العقيدة يحمي ويؤمن الهجوم المضاد.
اللافت أن ما تحدث عنه القيادي الشهيد فيما يتعلق بتلك العقيدة حدث بالضبط وبشكل دقيق في عملية طوفان الاقصى، إذ جرى اختراق الدرع بسهولة من قبل عناصر "حماس" و"الجهاد"، فعطلّوا جميع أجهزة الانذار والرصد المبكر، ودكّوا في ذات الوقت مستوطنات غلاف غزة بأكملها بالآلاف الصواريخ (في خطوة هدفها صرف انتباه العدو للعملية الرئيسية على الأرض".
وبموازاة ذلك، نجحت المقاومة بتجميد قدرة الرمح على التحرك، وتنفيذ هجوم مضاد ضد المقاومة الفلسطينية، والنتيجة كانت دخول المقاومين إلى 22 مستوطنة والسيطرة وإجبار العدو على إخلاء عدد منها، فضلًا عن قتل المئات وأسر العشرات من المستوطنين، إضافة إلى أخد كميات كبيرة من العتاد العسكري من ذخائر وآليات ومركبات كغنائم، والتوجه ببعضها الى غزة، وسط أجواء احتفالية غير معهودة.
ماذا عن الفشل الاستخباراتي والانتقاد الأمريكي لهذا التقصير؟
أقرّ مسؤول دفاعي أمريكي كبير (مطلع على المعلومات الاستخبارية المتعلقة بحماس)، بأن هجوم المقاومة الفلسطينية فاجأ مسؤولي المخابرات الإسرائيلية، ولا سيما الأساليب المختلفة التي استخدمها المقاومون للدخول إلى "إسرائيل" والخروج منها.
وأشار المسؤول الى أن الهجوم الواسع الذي كان ناجحًا في معظمه، كشف عن بعض الإخفاقات الكبيرة لمؤسسة الحرب الإسرائيلية، وقد يغير تصور "إسرائيل" الاستراتيجي العام لـ"حماس" وقطاع غزة. ومن الممكن أن يكون لذلك تأثير بعيد المدى على الشرق الأوسط بأكمله.
فالاستراتيجية الاسرائيلية وفقًا لرؤية البنتاغون، تعتمد على شبكة استخباراتية قادرة على التحذير من تحركات "حماس"، وعلى القوة العسكرية للجيش الإسرائيلي لصد الغزو البري الذي تشنه الحركة. وفي هجوم طوفان الأقصى، فشلت هاتان الضمانتان، والأكثر إثارة للدهشة برأي المسؤولين العسكريين الأمريكيين أن "إسرائيل" لم تكن على علم بأن هذا على وشك الحدوث.
وما يزيد الطين بلة بحسب القيادات الامريكية، أن "اسرائيل" استثمرت موارد هائلة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاختراق الاستخباراتي لنظام "حماس" في غزة، والسعي للحصول على كميات كبيرة من المعلومات حول معظم مبادرات "حماس"، وفي بعض الأحيان نجحت في تحديد أماكن العديد من قادتها واغتيالهم. لكن اليوم باءت كل هذه الجهود بالفشل.
وبالمثل أكد النائب السابق لرئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي ومستشار الأمن القومي لحكومتين سابقتين عوزي ديان، أن الهجوم الذي شنته "حماس" يعكس فشلاً على جميع مستويات القيادة الإسرائيلية. وقال إن البلاد فشلت في مهمة أساسية: "الدفاع عن حدود الدولة، سواء السياج الأمني أو اختراق المجتمعات الإسرائيلية".
الجدير بالذكر ان حدود إسرائيل مع غزة، تعد واحدة من أكثر الحدود تحصينا في المنطقة، وهي محاطة بسياج حاجز عالي التقنية وتحرسها مواقع عسكرية.
ماذا عن نية "اسرائيل" الإقدام على غزو بري لغزة؟ وما هي مقومات نجاحه؟
لطالما اعتقد قادة الإحتلال أن بإمكانهم القضاء على القدرات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية أو خفضها إلى مستوى مقبول، بالاعتماد على نظام الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية"، أو من خلال الغارات على مواقع المقاومة ومحاولة تدمير بنيتها العسكرية التحتية، أو باللجوء الى اغتيال قادتها أو عبر الإجراءات الأمنية على الحدود (منطقة غلاف غزة).
وراهنت "اسرائيل" على أن ارتكاب المجازر واستعراض القوة يمكن أن يردع "حماس" عن التصعيد أكثر من اللازم، وقد أطلق على هذه الضربات الدورية اسم "قص العشب"، في إشارة إلى فكرة مفادها أن تهديد المقاومة لا يمكن القضاء عليه ولكن يمكن تقليله إلى مستوى مقبول.
غير أن الفاجعة العظيمة بالنسبة لـ"اسرائيل" أن عملية "طوفان الأقصى" كشفت عجز وفشل كافة هذه الافتراضات وأكدت أنها كانت خاطئة إلى حد كبير وفقًا لقادتها.
إذ اخترقت "حماس" مستوطنات الغلاف عن طريق البر والبحر والجو، وتجولت قواتها في شوارع سديروت بثقة.
"اسرائيل" حاليًا أمام مأزق استراتيجي وخيارات ضيقة ومحدودة جدًا بشأن ردها، وهذا يعود الى العوامل التالية:
أولًا: قدرة المقاومة على كسر الرمح الاسرائيلي وتخطيه، وفتح كوة غير قابلة للسدّ في جدار الدرع، وبالتالي أصبح الكيان يواجه خطرًا وجوديًا لا يمكن تداركه بسهولة.
ثانيًا: إن الجيش العدو ليس معتادًا على الالتحام المباشر.
ثالثًا: تفوق المقاومة الدائم (في جميع المواجهات سواء في لبنان أو فلسطين) أثناء الالتحام المباشر، ما يؤدي ايضًا الى تهاوي فعالية الأدوات التكنولوجية المستخدمة في المعركة، وتصبح عديمة الفائدة، حيث يفقد الصاروخ والدبابة والطائرة قدرتها.
في المحصلة، إن نمط القتال لدى المقاومة كمدرسة متفردة في العالم جعلت أساليب القتال التي رسمها العدو ــ منذ تأسسيه كيانه الغاصب ـــ وانتصر به في معاركه، غير صالحة للعمل في غزة في أية عملية بري. وهذا يضع "إسرائيل" أمام خيارين لا ثالث لهما، إما اعتبار المقاومة غير قابلة للمس وهناك ردع متقابل، وبالتالي يسلّم بذلك بما يحفظ ماء وجهه المهدور اقله، او الذهاب بالكيان نحو تجربة جديدة تأخذ به نحو المجهول، والأقرب للمنطق هو الرأي الاول، خصوصًا أن "إسرائيل" بدأت تدرك ان نظرية الدرع والرمح في خطر إن لم تكن سقطت نهائيًا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024