آراء وتحليلات
العلاقات السورية السعودية: لا تراجع نحو الوراء
دمشق ـ محمد عيد
كانت مشاهد الاستقبال الحار الذي حظي به القنصل السوري في السعودية، كفيلة بتبديد كل ما يشاع عن عودة الأمور إلى مربعها الأول فيما يخص الانفتاح العربي وبالأخص السعودي على دمشق وانكفاء العرب عن النهج الذي ساروا به منذ أن ايقنوا استحالة فرض شروطهم على دمشق، فيما بقي خيار التفاوض في ظل استعادة العلاقات هو الخيار الأمثل بالنسبة للجميع، رغم أن التقدم البسيط هو الذي لا يزال يسم العلاقات العربية السورية بانتظار الافتتاح المرتقب للسفارتين بين البلدين.
خطوات نحو الأمام
يرى المحلل السياسي السوري الدكتور طالب ابراهيم أن "مشاهد استقبال القنصل السوري في السعودية منذ أيام قليلة تشي بالكثير لجهة استعادة الدفء في العلاقة بين سوريا والسعودية".
وفي حديث خاص بموقع " العهد" الإخباري أكد طالب أن "العلاقات السورية ــ السعودية جيدة على المستوى القنصلي، وكان هناك بعض التريث في المستوى الدبلوماسي، وهناك اتصالات رفيعة المستوى تجري بين سوريا والمملكة العربية السعودية، وكذلك بين سوريا ومجموعة التواصل العربية لذلك فإن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح وإن كان هذا السير بطيئا".
ويضيف ابراهيم: "الإعلام السعودي يستخدم بعض العبارات غير المناسبة لكنه خفف كثيراً من حملته الإعلامية تجاه سوريا"، مشيراً إلى أنه "عندما تصل العلاقات بين البلدين إلى مستوى ما فإن هذه الحملة ستنتهي تلقائيا".
ويرفض الباحث والمحلل السياسي أن تكون العلاقة بين سوريا والسعودية محكومة بالابتزاز أو مسألة فرض الشروط، مشيراً إلى أنه "في أية عملية تفاوضية في بداياتها ترفع جميع الأطراف السقف إلى أعلى مستوى كمن يريد أن يبيع سلعة ما، فيطلب أعلى سعر ممكن وفي ذهنه ربما ستصل الأمور إلى مكان آخر، وفي جميع العمليات التفاوضية تطرح شروط مرتفعة جدا من قبل الجميع، والجميع يدعي أنه لن يتزحزح ثم عندما تبدأ الصفقات يكون هناك تنازل من هنا وتنازل من هناك".
ويلفت طالب إلى أن "هذا الأمر سيكون ملحوظاً في مسألة المبادرة العربية على اعتبار أن السعودية ومعها كل الدول العربية تعرف أن البيئة الجيوسياسية تغيرت، وأن الروسي هو صاحب الكلمة العليا في نهاية المطاف عسكرياً وأمنيا واستراتيجيا في سوريا، وأنه لا يمكن إسقاط الدولة السورية بأية وسيلة، وكذلك خبروا جيداً صلابة الموقف الايراني الداعم لسوريا، وأن مسألة إسقاط الدولة السورية أصبحت من الماضي وأن موضوع القرار ٢٢٥٤ لن يكون له ذلك الصدى، وما يحتاجه العرب من دمشق حالياً ليس أكثر من جائزة ترضية من قبيل إطلاق حوار وطني أو تنفيذ شيء من شروط القرار ٢٢٥٤ والمساعدة في ضبط الحدود"، مشيراً إلى أن "هذه أمور يمكن لدمشق أن تتناغم معها ولكن في نهاية المطاف لن يفرض أحد على أحد شيئا ولن يتمكن أحد من ابتزاز أحد".
ويشدد إبراهيم على أنه "إضافة إلى العرب، هناك صينيون سيحضرون إلى سوريا اقتصاديا وسياسياً، وربما عسكرياً واستراتيجيا بقوة، إضافة إلى الروس والايرانيين، واللعبة ستكون بالنسبة للعرب والإسرائيليين والأمريكيين وللاتراك اسمها "شاه مات"، فلن يكون بالإمكان اللعب في الساحة السورية من دون مخاطر صراع هائل جدًّا بين هذه الأطراف وتلك التي تتدخل لذلك فإن الأمور يجب أن تسير إلى انفراج إذا كان العرب يريدون أن يكون لهم دور في سوريا".
ويشير ابراهيم إلى أن "سوريا تريد العرب وهي جزء من العالم العربي، وسوريا غفرت للعرب كل الموبقات التي ارتكبت فيها من تكفير وقتل وفتاوى، وكانت الأموال تجمع بالعلن في كل دول الخليج، وسوريا تناست كل هذا، وهو ثمن كبير يجب على العرب أن يقدروه وأن يعترفوا به، فسوريا تريد من العرب وقف التآمر عليها ووقف الإرهاب ومساعدتها على استمرار تحرير أراضيها من الاحتلال التركي والأميركي وتواجد الجماعات الإرهابية في إدلب وغيرها، وهي في النهاية تتلقى دعما لوجستيا تركيا وتمويلا قطريا وربما من أطراف أخرى ووقف هذا الأمر سيؤدي إلى نهاية القسم الأكبر من المشكلة في سوريا وهذا هو المطلوب عربياً لأن إعمار سوريا سيتم بأيدي ابنائها وأموالهم وبأيدي الصينيين والايرانيين، والعرب عندما يبادرون فهم الذين يكسبون والسوريون كذلك وفي هذا خير للجميع".
ويلفت ابراهيم إلى أن "السعودية تتعرض الآن لضغوط أمريكية كبيرة ولهذا السبب هربت جزئيا إلى مسار التطبيع ولم توقفه مع الكيان الصهيوني، كي لا تشعر الولايات المتحدة الأمريكية بأن السعودية ستوقف هذا المسار إذا تمت معاقبتها على خلفية وصل ما انقطع مع سوريا"، مشيراً إلى أنه "وفي نفس الوقت فإن السعودية تسير خطوات جيدة جدا في العلاقة مع سوريا، وربما ستكون هي قادرة على فرض شروطها على الأمريكيين، ولكن هناك حالياً ضغوط أمريكية شديدة جدا تمارس على المملكة وعلى الأمير محمد بن سلمان من أجل وقف التطبيع مع سوريا من أجل وقف فتح السفارات ووقف التعاون الاقتصادي والسياحة، لأنه وبمجرد أن تفتح الحدود بين سوريا والأردن والسعودية أمام السياح ودخول البضائع، وتعود سوريا إلى المنظومة الاقتصادية العربية تلغى العقوبات، وبالتالي يصبح قانون قيصر من الماضي. الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تضغط في هذه الجزئية والأمير محمد بن سلمان يدرك ذلك جيدا ويعرف كيف يتعامل معه، ولعل هذا ما يفسر "البطء والتريث" وربما سيقدم للأمريكيين "جزرة ما" في مكان ما كي يصمتوا عن مسألة التطبيع مع سوريا. هذا الأمر سيتم خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر كما هو متوقع".
ويختم الباحث والمحلل السياسي طالب ابراهيم حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن "امريكا على موعد قريب مع الانتخابات، وستدخل مرحلة تسمى "البطة العرجاء" في السياسة الأمريكية، وهنا ستنخفض قدرتها على ممارسة الضغوط على الآخرين وستكون فرصة السعوديين والسوريين متاحة لاستكمال العلاقات فيما بينهم".
نسامح ولكن لا ننسى
المحلل السياسي محمد علي أكد أنه "لا خيار أمام السعودية سوى المضي قدماً في العلاقة مع دمشق، فالنكوص بعد التقدم في هذا الشأن بالنسبة للمملكة هو عبارة عن افلاس سياسي وخواء تكتيكي".
وفي حديث خاص بموقع " العهد" الإخباري يؤكد علي أن "المملكة العربية السعودية تمضي في مسارها التطبيعي مع الكيان الصهيوني، وقد قطعت شوطا كبيرا في استعادة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية فلا يمكن لها أن تسوق امتناعها عن استعادة العلاقات مع بلد شقيق هو سوريا تحت أية حجة كانت".
ويضيف علي "أن صلابة الموقف السوري في هذا الشأن تستند إلى عجز العرب عن انتزاع أي تنازل من سوريا عندما كانت المجموعات الإرهابية المرتبطة بالسعودية وقطر وتركيا تحيط بالعاصمة، فكيف اليوم وقد تراجع هذا الخطر الإرهابي إلى الأطراف الأمر الذي يجعل من عملية التفاوض تحت النار من الماضي، وإن كان هناك في العرب من لا يزال يطرح فكرة التفاوض مع سورية بالتجويع وليس بالنار. هذه السياسة لن تأتي بجديد والعرب يدركون أن التوجه السوري شرقا قد يبطل مفعول هذه الخطة".
وتمنى علي على "المملكة العربية السعودية وبقية الأشقاء العرب أن يدركوا أن الخطاب الرسمي السوري الهادئ تجاههم لا يطوي من الذاكرة ما فعلوه بحق سوريا وشعبها حين انغمست أيديهم بالدم السوري إلى أبعد مدى، وأنهم سيرتكبون خطيئة جديدة إذا اعتقدوا بأن دمشق التي تسامح ولا تنسى ستتوسل عودتهم وأن الخيارات بيدها معدومة فإذا ما رفضوا أن يكونوا جزءا من الحل فالأليق بهم ألا يكونوا جزءا من المشكلة".
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024