نقاط على الحروف
تحولات السياسة الأمريكية... واحتضان ترامب وأنصاره لسياسة العنف والرعب والتهديد
د. علي دربج ــ باحث وأستاذ جامعي
المتابع للسياسة الأمريكية هذه الأيام، يدرك سريعًا انحدارها نحو اعتماد أساليب رجالات العصابات والمجموعات الخارجة عن القانون والنظام العام، التي تلجأ عادة الى أعمال القتل والبلطجة، بهدف فرض سطوتها وهيبتها على الآخرين.
السيناتور ميت رومني (جمهوري عن ولاية يوتا)، أحد أبرز السياسيين الأمريكيين، قدّم مؤخرًا شهادة بالغة الأهمية عن الرعب الذي ينشره اليمين العنصري المتطرف في أوساط المواطنين، والذي يشبه إلى حد ما أفلام الغرب القديم "الكاوبوي"، حينما كان رعاة البقرة يرهبون الناس بقوة السلاح.
ما يميز كلام رومني الذي كان مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة في عام 2012 ـــ حاليًا تم طرده من قبل دونالد ترامب وأنصاره ـــ ليس فقط إعلانه في 13 ايلول/ سبتمبر الجاري أنه لن يسعى لإعادة انتخابه لمقعده، بل أنه أضفى الطابع الرسمي على التحول في السياسة الجمهورية على مدى العقد الماضي.
أكثر من ذلك، عدا عن أن السيناتور رومني كان ممثلاً للمؤسسة الجمهورية قبل ظهور جماعة "اجعل أمريكا عظيمة مرة اخرى" MAGA، فهو اشتهر بالجرأة لتبني هذا الدور، وتحدى الرئيس دونالد ترامب، رغم انه دفع ثمن ذلك لاحقا، بفشله في حكم حزبه.
كيف وصف رومني علامات التحول في السياسة الأميركية نحو الارهاب المكشوف؟
رافق إعلان رومني عزوفه عن خوض معترك الانتخابات المقبلة، نشر مقتطف من السيرة الذاتية له، والتي كتبها الصحفي ماكاي كوبينز في مجلة "أتلانتيك". حيث تحدث عن اتجاه بلاده نحو اليمين، وتغلغل العنف السياسي والتهديدات بالعنف.
اللافت للانتباه هو اعتراف رومني بأن الارهاب ــ الذي ولد في الولايات المتحدة ــ أصاب الخطاب السياسي بعد المحادثات المتعلقة بإقالة الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي أعقبت أعمال الشغب في مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/ يناير2021.
يكتب كوبينز: "أخبر أحد أعضاء الكونغرس الجمهوريين رومني بأنه يريد التصويت لصالح عزل ترامب للمرة الثانية، لكنه اختار عدم القيام بذلك خوفًا على سلامة عائلته". واعتبر عضو الكونغرس نفسه أن ترامب سيتم عزله من قبل الديمقراطيين في مجلس النواب معه أو بدونه، وبالتالي تساءل عن السبب الذي يدفعه الى تعريض زوجته وأطفاله للخطر إذا لم يكن تصويته سيغيّر من النتيجة؟
وفي واقعة ثانية، وأثناء المحاكمة في مجلس الشيوخ، سمع رومني نفس الحوار أثناء حديثه مع مجموعة صغيرة من زملائه الجمهوريين. يومها قال أحد أعضاء مجلس الشيوخ، وهو عضو في القيادة، إنه يميل إلى التصويت للإدانة، فحثه الآخرون على إعادة النظر بالخطوة. ثم يتذكر رومني أن أحدهم قال: "لا يمكنك فعل ذلك". فيما أضاف آخر: "فكّر في سلامتك الشخصية. وفي أطفالك. وفي النهاية قرر السيناتور الامتثال لهم".
ماذا عن قصص التهديد والبلطجة الاخرى التي رواها رومني؟
في الحقيقة، ظهرت عدد من القصص المماثلة التي نقلها رومني، وإحداها تتحدث عن عضو كونغرس سابق عن ولاية أوهايو، يدعى أنتوني جونزاليس (محسوب على اليمين) ــ لاعب كرة قدم محترف سابق ــ اعتبر أن العداء الذي واجهه بعد معارضته لترامب يشكل خطرًا كبيرًا على عائلته.
وبالمثل وصفت ممثلة ولاية وايومنغ (غرب الولايات المتحدة) السابقة، ليز تشيني (يمينية) مخاوف مماثلة لدى المشرعين الآخرين، كما فعل ممثل ولاية ميشيغان السابق بيتر ميجر (يميني). وعليه، إن كون هؤلاء الثلاثة جميعهم مشرعين سابقين ليس من قبيل الصدفة: فقد استقالوا أو تعرضوا للهزيمة في الانتخابات التمهيدية إلى حد كبير لأنهم رأوا كيف انقلب الحزب ضدهم.
ليس هذا فسحب، يشير رومني في سيرته الذاتية، الى أنه كان من الواضح أن هناك سببًا وجيهًا في منتصف كانون الثاني/يناير 2021 للقلق بشأن المخاطر من العنف السياسي. فأعمال الشغب في مبنى الكابيتول لم تكن عرضًا منعزلاً للخطر ولا ذروة له.
شرطة الكابيتول الأمريكية، التي أصيب العشرات منها أثناء الدفاع عن مبنى الكابيتول في ذلك اليوم، أبلغت عن زيادة في التهديدات الموجهة إلى الأشخاص الذين تحميهم خلال الفترة التي كان فيها ترامب في البيت الأبيض. ومع أنها أكدت انخفاض عدد التحقيقات في التهديدات التي أجرتها الوزارة في عام 2022، لكنها بقيت ضعف عدد التهديدات في عام 2017 تقريبًا.
وتعقيبًا على ذلك، قال ماريو سكالورا، عالم النفس الاستشاري في شرطة الكابيتول الأمريكية، في بيان صدر هذا العام: "بشكل عام، خلال العقدين الماضيين، زاد عدد القضايا في قسم تقييم التهديدات لأن الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي لديهم شعور زائف بأن هويتهم غير مكشوفة وبالتالي هذا يدفعهم الى مزيد من الجرأة".
ما علاقة العنف باليمين الجمهوري المتطرف؟
تظهر البيانات أن احتضان العنف السياسي وتفشّيه، أكثر شيوعّا في الولايات المتحدة بأوساط اليمين. إذ وجد التحليل الذي أجرته رابطة مكافحة التشهير (نشر هذا العام) أنه في السنوات الخمس الماضية، كانت هناك أكثر من 170 حالة وفاة مرتبطة بالتطرف اليميني. وقد تم ربط ثلاثة منهم، بالتطرف على اليسار.
وفي عام 2022، سألت منظمة (PRRI Public Religion Research Institute) ـ المعهد العام لأبحاث الدين الأمريكيين ـ عن آرائهم حول فائدة العنف كتكتيك سياسي، فقال ثلاثة من كل 10 جمهوريين إنهم متفقون على أنه "نظرًا لأن الأمور خرجت عن المسار الصحيح، فقد يضطر الوطنيون الأمريكيون الحقيقيون إلى اللجوء إلى العنف من أجل إنقاذ بلدنا"، وهذه النسبة تساوي حوالي ثلاثة أضعاف نسبة الديمقراطيين الذين وافقوا على نفس المشاعر.
الأكثر أهمية في هذا المحور، أن الرئيس دونالد ترامب يشكل نقطة محورية للتهديدات بالعنف السياسي. في أواخر آب/ أغسطس 2022، خرج السيناتور ليندسي جراهام (الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا) على قنوات الأخبار ليحذر من أنه إذا تم توجيه الاتهام إلى ترامب بتهم تتعلق باحتفاظه بوثائق الأمن القومي، فستكون هناك "أعمال شغب في الشوارع"..
اللافت للانتباه أن هذا التصريح، مع أنه يعد يعتبر اعترافًا بتيار العنف الذي لا يزال موجودًا، إلا أنه في نفس الوقت كان مفيدًا لترامب، كونه يزيد من التكلفة المتصورة لتوجيه الاتهام إليه.
أكثر من ذلك، وفي أعقاب تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزل ترامب في مارالاغو، هوجم رجل مكتب التحقيقات الفيدرالي في ولاية أوهايو، وقُتل في النهاية على يد سلطات إنفاذ القانون.
في الختام، يبدو أن الخط العام للعنف السياسي في الولايات المتحدة، سيستمر بالصعود، لا سيما في ظل التسويق والخطابات التحريضية لترامب المرافقة للوائح الاتهام الموجهة اليه، والتي أدت بدورها الى تضخيم مشاعر الكراهية لكل ما يخالف الحزب الجمهوري.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024