معركة أولي البأس

خاص العهد

سلامة الغذاء.. "التفلُت" يتوسّع 
14/09/2023

سلامة الغذاء.. "التفلُت" يتوسّع 

فاطمة سلامة

تنتشر بين الفينة والأخرى أخبار عن إقفال ملحمة بالشمع الأحمر أو محلّ تجاري أو منشأة غذائية ما على اختلاف أنواعها. في الأسباب الموجبة، يتبيّن أنّ العينات المسحوبة من موادها الغذائية "فضحت" عدم مطابقتها للمواصفات. هذه القضية ليست جديدة، فأزمة الفساد الغذائي في لبنان تعود إلى سنوات طويلة. لكنّ الأزمة الاقتصادية التي يرزح تحتها لبنان فاقمت تلك الأزمة حتى باتت الجودة عملة نادرة وغالية الثمن. البعض "يسترخص" المواد الأولية لمضاعفة أرباحه، مستغلًا الوضع الاقتصادي الصعب. وفي المقابل، تغيب الشروط السليمة للتخزين والتبريد ما يجعل السلع عُرضة للتلف من دون أن تُتلف فعلًا، حيث تُباع للمواطن من دون أي رادع إنساني. والنتيجة، تعريض صحّة المواطنين وسلامتهم للخطر عبر تسمُم غذائي، قد تكون عواقبه دخول مستشفى في أحسن الحالات، هذا إن لم يتدهور وضعه كثيرًا ويصل الى الموت لا قدّر الله. 

أبو حيدر: كلّما تشتدّ الأزمة الاقتصادية يزداد التفلت

هذا الواقع يطرح كثيرًا من علامات الاستفهام حول دور الأجهزة الرقابية في الدولة، وغياب العقوبات الرادعة التي تجعل المرتكب يحسب ألف حساب لفعلته. تمامًا كما يُطرح السؤال حول "قانون سلامة الغذاء" الذي أقرّ صوريًا قبل سنوات من دون أن يجد طريقه للتطبيق؛ لتبقى "الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء" اسمًا فقط من دون تشكيل. مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد أبو حيدر، ولدى سؤاله عن ملف سلامة الغذاء في لبنان، يستهل حديثه بالقول: "للأسف، كلّما تشتدّ الأزمة الاقتصادية يزداد التفلت في العديد من الأمور؛ وأبرزها سلامة الغذاء". يُناشد أبو حيدر الدولة أن تسرّع بتشكيل "الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء"؛ لأنّها المعنيّة الأولى والأخيرة في هذا الإطار. وبالموازاة، يؤكّد أنّ وزارة الاقتصاد تزاول صلاحياتها على الأرض لمراقبة مدى الالتزام بالشروط والمواصفات الغذائية السليمة. 

وفي معرض حديثه، يلفت أبو حيدر لموقع "العهد" الإخباري إلى أنّ وزارة الاقتصاد، وفي جولاتها المتعدّدة، تعاين موادًا غير مستوفاة للشروط نتيجة سوء تخزين بعض المواد غير المطابقة للمواصفات واستهتار في طرائقه. والواقع الذي يدفعنا، بصفتنا وزارة اقتصاد، إلى اتخاذ الخطوات اللازمة بإقفال المحلاّت المخالفة مباشرة وبالشمع الأحمر بعد إشارة القضاء المختصّ. بالنسبة إلى مدير عام الوزارة تسقط كلّ الخطوط الحمراء أمام الحفاظ على صحّة الناس، وهذا ما دفعنا الى إقفال العديد من الملاحم وبعض المحلاّت التجارية و"الميني ماركت" الموجودة في القرى، والتي كان سوء التخزين واضحًا فيها، تمامًا كما أنّها احتوت على بضائع منتهية الصلاحية. وفي هذا السياق، يشدّد أبو حيدر على أنّ: "جولاتنا الرقابية ستُكمل، ونعمل على ملاحقة بعض المصانع بمجهود مشترك مع وزارة الصناعة، وقد بدا ذلك جليًا في ملفّ الأجبان والألبان."

"نعمة":  الأزمة الاقتصادية زادت الطين بلّة

نائب رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتورة ندى نعمة تلفت الى أنّ قضيّة سلامة الغذاء في لبنان لم تتحسّن، وأتت الأزمة الاقتصادية لتزيد الطين بلّة. فقانون "سلامة الغذاء" أقرّ منذ العام 2015 لكنّه بقي بلا تطبيق. بنظرها، الواقع يتطلّب إدخال نظام حديث للمراقبة وتطوير القوانين وسبل المراقبة، فضلًا عن تعزيز الإدارات التسعة المسؤولة عن الرقابة و"تشبيكها" ببعضها البعض للوصول الى نتيجة، كل هذه الخطوات لم نقم بها ليبقى القانون صوريًا فقط.

تدخل "نعمة" في تفاصيل القانون الذي لو طبّق لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. وفقًا لما هو مُقرّ، يقوم على إنشاء "هيئة وطنية لسلامة الغذاء" تضمّ الإدارات المعنيّة كلّها بسلامة الغذاء وتكون في مكان واحد. فكلّ وزارة يصبح لديها صلاحيات ومراقبين، لكن للأسف عُيّن رئيس لهذه "الهيئة" من دون تعيين مجلس لتصبح فاعلة، ما أبقاها حتى هذه الساعة خارج التغطية. وتشدّد "نعمة" على أهمية تطوير القوانين مدخلًا للوصول إلى نتيجة في هذا الملف. فبرأيها، لا يُعقل، ونحن في العام 2023 أن نعمل بقانون العام 1963، هذا الأمر غير مقبول. وهنا هي توضّح أنّ ظروف وشروط تراخيص تنظيم إنشاء المنشآت الصغيرة ليست موجودة سوى في قوانين "أكل الدهر عليها وشرب". فشروط ترخيص ملحمة، على سبيل المثال، ما يزال وفقًا لقانون قديم. البلديات ما تزال تعمل وفقًا لمواصفات قديمة؛ إذ إنّ التراخيص لا تراعي الشروط الحديثة التي يجب أن تتوفر اليوم. 

في هذا الإطار؛ تلفت "نعمة" الانتباه الى أنّ الظروف تغيرت كثيرًا ما بين اليوم والأمس، ففي الملحمة مثلًا لا يوجد لحمة فقط، بل باتت الملحمة بمثابة مصنع تحتوي على دجاج وسمك، وما الى هنالك. وعليه؛ بات لدينا فوضى وبات اللحم الى جانب السمك والدجاج. وهذا أمر غير سليم. تمامًا كما تحوّل الفرن ‘لى "سوبر ماركت" وكافيتريا. وأكثر من ذلك، بتنا نشاهد محالًا لتصليح السيارات بجانب منشأة غذائية، وهذا أمر غير صحي وغير سليم، أيضًا.

إلى جانب أزمة التراخيص غير المراعية للشروط الحديثة، تتحدّث "نعمة" عن أزمة قطاع الرقابة المدمّر والموظفين الذين لا يُداومون. وفقًا لحساباتها، ليست وزارة الاقتصاد فقط مسؤولة عن الرقابة، فالأخيرة مسؤولة عن المراقبة في السوق فقط، لكنّ ثمّة وزارات كثيرة مسؤولة؛ مثل: الزراعة، الصناعة، السياحة والصحة. هذا بالإضافة الى مسؤولية البلديات؛ فللأخيرة دور مهم، فهي مسؤولة عن المنشآت الغذائية كلّها بغض النظر عن نوعها، لكن اليوم البلديات لا تعمل كما يجب نظرًا إلى غياب موظفيها.

تتفق "نعمة" و"أبو حيدر" لجهة ضرورة الإسراع بتشكيل "الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء". فبرأي "نعمة" لا حلّ إلا بتعيين هيئة وتطبيق قانون حديث ينتج عنه نظام رقابي يومي. فالرقابة الحديثة لا تعتمد على الأشخاص؛ بل تجعل المنشآت الغذائية مجبرة على تطبيق القوانين عبر الالتزام بالشروط الحديثة للتراخيص وشهادات الجودة، ما يعني أنّنا نقوم بخطوة استباقية نشدّد فيها إجراءات الترخيص والرقابة. أضف إلى ذلك ضرورة تشديد العقوبة؛ لأنّ القوانين غير رادعة، والقضاء أحيانًا لا يرى هذه القضية ذات أهمية، رغم أنّها قد تؤدي إلى تسمُم، فلا أحد يضمن تداعياته التي قد تكون "مميتة". وفي هذا السياق، تستشهد "نعمة" بكلام نقيب الأطباء حول نسبة الأمراض السرطانية التي ارتفعت في لبنان، والتي بدا التلوث الغذائي أحد مسبّباتها، حيث يبدو لبنان غير محمي في هذا السياق.

أنواع الشكاوى 

أمّا الشكاوى، فتلفت "نعمة" إلى أنّها متنوعة، لكن جُلها فساد غذائي. ولا تنكر أنّ أزمة انقطاع الكهرباء المتكرّرة أثرت كثيرًا على حفظ الأكل وجودته. وفي هذا السياق، تطلب من كلّ "سوبر ماركت" غير قادرة على تأمين الكهرباء 24/24 ألا تخزّن أطعمة "مثلجة". كما تلفت "نعمة" إلى أنّ ثمّة شكاوى كثيرة تتعلّق بشراء مواد منتهية الصلاحية، لكن جُل الشكاوى تتعلّق بشراء مواد غذائية "تالفة" وغير صالحة للتناول، رغم أنّ تاريخ الصلاحية غير منته، إلا أنّ ظروف التخزين لم تكن سليمة. مع الإشارة الى أنّ البعض قد يعمد الى التلاعب بالتاريخ. كما تلفت الى أنّ محال بيع المياه، أيضًا، تعاني فوضى وسط توسع هذا القطاع، بينما الشركات المرخصة والمستوفاة للشروط تُعدّ على الأصابع.

حول نسب الشكاوى التي تتلقاها الجمعية، تلفت "نعمة" إلى أنّها ازدادت في الأزمة، وزاد الشكّ لدى الناس لناحية ما اذا كانت المنتجات الغذائية تُراقب أم لا. فالقوانين اليوم لا تحمي المواطن كما يجب، وطوال الوقت ثمّة قلق لدى الناس حول سلامة الغذاء في هذه المنشأة وتلك، فضلًا عن أن وزراة الاقتصاد لا يمكنها العمل بمفردها وسط غياب تطبيق القانون.

القضاء معطّل 
 
تلفت "نعمة" إلى أنّ جمعية حماية المستهلك ترسل بدورها الشكاوى إلى وزارة الاقتصاد التي تبدو متعاونة، وتسطّر محاضر ضبط، تذهب الى القضاء. لكن للأسف لا يُبت بها بسبب القضاء المعطّل. وهنا، تشير "نعمة" إلى عدم رضى عن هذه الآلية التي تحتاج إلى تعديل لتصبح سريعة ورادعة وبحجم الخطر الذي تسبّبه هذه القضية على المستهلك. وفي هذا السياق، تشجّع "نعمة" أي مواطن لتسجيل شكاوى، حتى ولو بقيت سنوات بلا بتّ، فالشكوى ضرورية لتحسين المنتجات/  حتى ولو كان ثمّة خلل في الإدارة وانهيار في المؤسسات، إلا أنّ النَفَس في التعاطي مع هذا الملف يجب أن يكون طويلًا.

في ختام مقاربتها، تشدّد نعمة على أنّ تداعيات الفساد الغذائي تبدو جليّة على صحة الناس. فتدعو المعنيين إلى التفكير بالعكس؛ فبدل السعي لدعم الأدوية يجب العمل على تحسين غذاء الناس لتفادي الأمراض. هذا الموضوع أساسي، برأي "نعمة"، وعلى المعنيين التشدُد في عملية استيراد المواد الغذائية كي لا نحتاج إلى دواء.

الغذاء

إقرأ المزيد في: خاص العهد