خاص العهد
ما هي خلفيات الهجوم الأعنف لـ"النصرة" باتجاه غرب حلب؟
محمد عيد
شنت "هيئة تحرير الشام" - "جبهة النصرة" هجومها الأعنف على مواقع الجيش السوري، بهدف الوصول إلى المناطق الآمنة غرب حلب، مستخدمة عددًا كبيرًا من الانغماسيين الذين يحملون جنسيات غير سورية. لكن الجيش السوري عرف كيف يمتصّ الهجوم ويردّ المعتدين على أعقابهم، فيما طرحت تساؤلات حول حجم العملية وتوقيتها والغاية التي أرادها الجولاني من ورائها.
يقظة الجيش تفشل الهجوم
في هذا الإطار؛ أكد الخبير العسكري والاستراتيجي العميد قاسم قنبر أنّ: "سلاح الانغماسيين المضلّلين يبقى الأمضى بالنسبة إلى جبهة النصرة، والذي يسبق أي هجوم كبير تنوي الميليشيا التكفيرية شنّه، وهو ما حصل في الهجوم الأخير على مواقع الجيش السوري في ريف حلب الغربي".
وفي حديث خاص لموقع "العهد" الإخباري؛ أشار قنبر إلى أنّ: "الهجوم انطلق من مواقع الإرهابيين المنتشرة في ريف حلب الغربي، خلال قيام عناصر الهيئة بالتسلّل عبر مجموعات متفرقة تجمعت فوق إحدى التلال القريبة من مقرّ الفوج ٤٦، بالتزامن مع تحرك عناصر أخرى نحو محاور قرى كفر تعال - كفر عمة - الابزمو - الأتارب"، مضيفًا أنّه: "عند هذه اللحظة جاء دور الانغماسيين الذين أرسلتهم الهيئة باتجاه نقاط، كان الجيش السوري قد سيطر عليها قبل نحو أسبوعين في أثناء تصدّيه لهجوم نفذه المسلّحون، لكن يقظة مجموعات الرصد في الجيش السوري أسهمت في كشف هؤلاء والاشتباك معهم قبل وقوع المحظور".
ولفت الخبير العسكري والاستراتيجي إلى أنّ: "المعارك اشتعلت على طول جبهات القتال الممتدة من الفوج ٤٦ إلى "أورم الصغرى والكبرى"؛ حيث زجّت "هيئة تحرير الشام" - "جبهة النصرة" بأعداد كبيرة من مسلّحيها في هجوم يمكن وصفه بأنّه الأعنف على محاور غرب حلب منذ عامين". وبيّن الخبير أنّ: "قوات الجيش السوري المتمركزة هناك كانت على علم مسبق بتحركات الإرهابيين، فاختارت اللحظة المناسبة لإطلاق النار عليهم، فيما كان لمدفعية الجيش السوري المتمركزة على أطراف مدينة حلب الدور الكبير في ضرب خطوط التقدّم كافّة إلى جانب خطوط الإمداد لمسلّحي الهيئة على طول المحور الغربي، حيث سُمعت أصوات المدفعية بوضوح في الأحياء الغربية والشمالية من المدينة".
العميد "قنبر" شدّد على أنّ: "جبهة النصرة" تكبدت خسائر كبيرة جدًا، في العنصر البشري على مستوى العدد الضخم من القتلى والجرحى، فضلاً عن خسارة عدد كبير من الآليات والمدافع والذخائر ومرابض الهاون التي تمكّن الجيش السوري من تدميرها، وخاصة على محوري قريتي "كفر عمة" و"كفر تعال". وأشار العميد إلى أنّ: "قوات الجيش السوري تمكّنت من صدّ هجوم الإرهابيين الأعنف على مواقعها، في ريف حلب الغربي، وتكبيدهم الخسائر الأكبر منذ قرابة عامين، في حين بقيت خريطة السيطرة في هذه المناطق على حالها مع حدوث انتكاسات معنوية كبيرة في صفوف المهاجمين على خلفية فشل الهجوم والخسائر الكبيرة التي تكبّدوها".
ماذا وراء العدوان؟
من جهته؛ رأى المحلّل السياسي خالد عامر أنّ هجوم "جبهة النصرة" على مواقع الجيش السوري، في ريف حلب الغربي، لم يكن عبثيًا من ناحية التوقيت؛ بل ارتبط بشكل كبير بارهاصات المفاوضات في المنطقة والانصياع المباشر للأوامر التركية والأمريكية في مشاغلة الجيش السوري، والتشويش على أداء الحكومة السورية. ففي تصريح خاص لموقع "العهد" الإخباري؛ أكّد عامر أنّ "تصعيد "جبهة النصرة" وقع في منطقة الإتفاق الروسي - التركي التي تمتدّ من جبل التركمان غربًا وصولًا إلى قرى ريف حلب الغربي المتاخمة لمنطقة عفرين. الأمر الذي يشكّل خرقًا تركيًا للإتفاق مع "جبهة النصرة" المرتبطة عسكريًا واستخباراتيًا بأنقرة، والتي تهدف إلى تذكير دمشق بأنّ قدرتها ورغبتها في إشعال الميدان مجددًا ما تزال ممكنة ومرتبطة بشكل كبير مع تحفّظ الرئيس بشار الأسد على دعوات أردوغان المتكررة للقائه، قبل أن يبادر هذا الأخير إلى سحب قواته من الأراضي السورية ووقف دعم المجموعات الإرهابية التي تأتي "النصرة" على رأسها".
بحسب عامر، أراد زعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني كذلك، من وراء عدوانه الأخير، التأكيد على أنّه رقم صعب، ولا يمكن تجاهله، وهو راغب في صرف خدماته الميدانية في السياسة من خلال تبنيه "حزبًا سياسيًا" في المستقبل، يقدّم لأعداء سوريا في ميدان السياسة خدمات كبيرة، كتلك التي يقدّمها لهم اليوم في الميدان.