نصر من الله

نقاط على الحروف

بين "كلّنا هادي" و"ابنكم هادي".. مسافة من وصال
12/09/2023

بين "كلّنا هادي" و"ابنكم هادي".. مسافة من وصال

ليلى عماشا

بين "كلّنا هادي يا أبا هادي" بصوتِ القلوب والحناجر التي تخاطب السيّد الأمين كلّما مرّ ذكر نجله الشهيد هادي نصر الله، وبين عبارته المقترنة ببسمة الحياء الأحنّ "ابنكم هادي نصر الله" مسافة من وصال بين قائد حسينيّ الملامح والسمات، وأبناء يتقنون العشق والوفاء.

بينهما ما يشبه نسمة محمّلة بكلّ ما في جبل صافي من ألق الوصل بين السماء الحاضنة وبين الأرض الشامخة. لقد احتضن صافي رائحة الشهداء حتى غدت النسمات فيه ناطقة بأسماء وصور وحكايات وكرامات قد لا يتسع الزمان لتدوين نثرات منها، وحوى من دروس العسكر النقيّ ما لم تحوِه كلّ المدارس الحربية والنظريات العسكرية في العالم. اختصر بالدلالة المكانية تلك العلامات التي ميّزت حزب الله في المنطقة كحركة تحرّرية قادتها في مقدّمة فرق القتال وليس في المكاتب الآمنة، وأبناؤهم في ساحات الاشتباك، لا فرق بينهم وبين أي مجاهد آخر، سوى في كونهم أكثر عرضة للصرامة الضرورية في دنيا العسكر، كي لا يظنّ أحدٌ في الدنيا أنّهم يتمتعون بامتياز ما.

"كلّنا هادي يا أبا هادي"…

لطالما شعر أهل المقاومة أنّ الرابطة بينهم وبين السيد نصر الله هي رابطة عائلية. هو الأب والأخ والشخصية الأقرب إليهم، باعتبارات العاطفة والثقة والأمان، ولذلك كان لاستشهاد السيد هادي وقعٌ عاطفي شديد في النفوس، يُضاف إلى منسوب العزّة الذي ما كفّ يومًا عن الارتفاع. بدا أهل المقاومة الحسينيون جميعهم في يومها وكأنّهم يرفعون فلذة من روحهم إلى ربّهم وهم يردّدون كما حسينهم: "أرضيت يا رب.. خُذ حتى ترضى!".

حين اكتشف الإسرائيلي أن من بين الجثامين الأسيرة بعد الاشتباك جثمان السيد هادي حسن نصر الله، ظنّ أنّه بذلك بات يمتلك ورقة ضغط مميّزة قد يكون لها قياس مختلف في صفقات تبادل الأسرى؛ صفعته حقيقة أنّ الكلّ هادي، وأنّ ليس لهادي أيّ امتياز عن سائر الأسرى والجثامين الأسيرة، بل أكثر من ذلك، وضع السيد حسن معيار الأقدمية كأولوية في التبادل، وبالتالي كان من الممكن أن لا تشمل جثمانه الصفقة التي كانت قيد التفاوض غير المباشر لتبادل الأسرى!

وهنا، لم تكن الصدمة الوحيدة التي يتلقّاها "الإسرائيلي"، وكلّ من معه، في هذا الإطار. فقد انتظر خبثاء العالم في يوم استشهاد السيد هادي رؤية أب مفجوع، أو على الأقل قائد تعلو في ملامح غضبه سمات الثأر الشخصي أو الرغبة بانتقام الأب لابنه. أبدًا! أبدًا، السيد في ذلك اليوم هو السيد في كل حين: قائد يمتلك منبره، مقاتل يحيط بكل تفاصيل المعركة، أب يعتز بدخوله "الجمع المقدّس لعوائل الشهداء"…
بعد ذلك، صارت "كلنا هادي يا أبا هادي" شعار يعكس حقيقة شعور كلّ فرد من أبناء بيئة المقاومة.

"وابنكم هادي نصر الله…"

بالمقابل، لم يبدُ على السيّد الذي صار والدًا لبكرٍ شهيد أيّ لمحة تنمّ عن شعورٍ ما بأنّه قدّم في المعركة أكثر من سواه. بقي يغلبه الحياء في محضر عوائل الشهداء، ولم يقارب مسألة مشاركة ابنه في القتال ضدّ الإسرائيلي من أيّ زاوية خاصّة، بالنسبة له، ولكلّ الذين يفهمون بالضبط معنى أن يكون المرء حسينيًا، الأمر طبيعيّ بل وضروريّ حبًّا بالأبناء، ليس فقط لضمان آخرتهم، وإنّما لأن معركة الحق سلاحها قدرة المؤمنين بالحقّ على الفداء والبذل، وعلى القرابين الفاخرة. وهل أفخر من فلذات الكبد وأغلى؟!
يتلو السيد أسماء الشهداء، يصل لاسم نجله فيبتسم بحياء نبويّ جميل، ويُسبق الاسم بلفظة "ابنكم". يُدهش الحاضرين باقتران العزّة بالحياء في بديهته النقيّة الحكيمة. يذكر اسم نجله، حبيب روحه، مستحيًا من قول ابني ربّما كي لا يسبقه الفخر الشخصي بأن أنجبَ مقاتلًا استشهد في ساحة المعركة.. وبالتأكيد كي يؤكّد على حقيقة أن كلّ الشهداء في قلبه سواسية، وأن تلك القطعة من قلبه المرفوعة إلى السماء هي للكلّ وعن الكلّ.. "ابنكم هادي"، عبارة تشكل وحدها درسًا عميقًا في العلو الإنساني الذي يجب أن يحمله القائد، ولا سيّما إذا كان قائدًا أمينًا صادقًا حكيمًا كمثل السيد نصر الله. أما حين يتحدّث عن "هادي" كأب، كوالد شهيد، كما حين يصفه أبناؤه يوم تلقّى خبر استشهاد هادي، يُمكن للقلب أن يرسم المشهد الشبيه بغالبية مشاهد تلقي الآباء المؤمنين بالله وبدورهم في معركة الحق والمدركين لمعنى "ما تركتك يا حسين" خبر ارتقاء أبنائهم… لن يُرسم المشهد بالكلمات، وحدها القلوب تستطيع ذلك..

هادي حسن نصرالله

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف