آراء وتحليلات
لبنان بين فكّي النزوح السوري واشتباكات عين الحلوة
عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
غادر وزير الخارجية الأميركية الأسبق مايك بومبيو منصبه، لكن يبدو أن إملاءاته التي جاء بها في آذار/ مارس من سنة 2019 لا تزال حاضرة وبقوة، وقد نُفِّذ منها بعض بنودها وتنتظر البنود الأخرى اكتمال مساراتها للتنفيذ.
وللتذكير يمكن اختصار املاءات مايك بومبيو من خلال ما قاله للرؤساء الثلاثة حينها ميشال عون وسعد الحريري ونبيه بري، بخمسة بنود:
1ــ استجابة لبنان لكامل شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتي تتضمن رفع الدعم عن كل ما هو مدعوم وتحرير سعر صرف الدولار الأميركي، وعناوين فضفاضة بمسمّى الإصلاح الإداري المقصود بها صرف عدد كبير من موظفي الدولة والبدء ببيع أصول القطاع العام للقطاع الخاص الداخلي والخارجي.
2ــ الوصول الى تفاهمات مع الكيان الإسرائيلي المؤقت في موضوع الغاز والحدود البحرية تضمن للكيان نوعاً من المشاركة الاقتصادية تشكّل مدخلاً لتطبيع مقّنع يكون بمثابة تمهيد لتطبيع كامل بعد تنفيذ البند الخامس.
3ــ العمل بشكل حثيث على دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني تحت عناوين إنسانية تضمن فيما بعد توطين قسم كبير منهم في لبنان وترحيل القسم الآخر الى بلدان الغرب وهو ما يتم العمل عليه من خلال الضغط على لبنان لإبقاء النازحين عبر ما صدر من قرارات في الاتحاد الأوروبي مترافقة مع تخصيص مبالغ ضخمة بمليارات الدولارات لترغيب النازحين بالبقاء في لبنان لا بل تشجيع من هم في سورية الى المجيء بشكل شرعي وعبر التهريب.
4ــ توطين اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان بشكل نهائي.
5ــ تطويق وعزل حزب الله سياسياً تمهيداً لإضعاف تأثيره.
وفي مقاربة سريعة للبنود الخمسة نستطيع القول إنه بما يرتبط بالبند الأول فقد استطاعت أميركا عبر حلفائها من الطبقة السياسية والاقتصادية اللبنانية أن تنفذ أغلب مضمون البند الأول المرتبط برفع الدعم وتحرير سعر الصرف بانتظار إعلان لبنان دولة فاشلة، وطرح مسألة تخصيص القطاع العام وبيعه بشكل معلن كحل وحيد لاستعادة الاستقرار الاقتصادي من وجهة نظر الأميركيين وحلفائهم في لبنان، وفي حال تعثر البيع يصبح بند الاستدانة بشروط البنك الدولي هو الحل البديل، وكلا الحلّين هما بمثابة رهن للبنان ومقدراته ومصادرة لقراره السياسي والضغط لاحقاً للوفاء بالديون.
لا مواجهة لهذا البند سوى تلك التصريحات الصادرة عن مواقف حزب الله الثابتة عبر الضغط الدائم للتعجيل في عمليات التنقيب عن الغاز والبدء بعمليات الاستخراج بموازاة العمل على انشاء صندوق سيادي توضع فيه أموال النفط والغاز ضمن خطط واضحة تمنع أي هدر أو سرقة وتبدأ بالمساهمة في استعادة الاستقرار المالي والإقتصادي.
بما يرتبط بالبند الثاني لم تُبحر سفن أميركا والكيان المؤقت كما تم التخطيط لها، حيث تم قلب المشهد رأسًا على عقب بعد أن حلّقت مسيّرات المقاومة فوق حقل كاريش برسالة من سماحة السيد حسن نصر الله الذي رسم معادلة كاريش وما بعد كاريش، والتي عجّلت بالوصول الى اتفاق غير مباشر ضمنَ للبنان حقوقه دون تقديم أي تنازلات حيث جرت الأمور كما تريد الدولة اللبنانية لا كما يريد العدو.
بما يرتبط بالبندين الأول والثاني أيضًا لا بدّ من القول إن المعركة لا تزال قائمة في حين أن المعركة الأشد باعتقادي تدور الآن بما يتعلق بالبندين الثالث والرابع المتعلقين بدمج النازحين السوريين وتوطين اللاجئين الفلسطينيين، فما حصل من ضغوط أوروبية بموضوع النازحين السوريين لا تتم معالجته ومواجهته من قبل الدولة اللبنانية بشكل ملائم باستثناء الجهد الذي يبذله وزير المهجرين اللبناني عصام شرف الدين الذي يخوض المعركة منفرداً إلى حد كبير وهو ما يتطلب اهتمامًا أكبر من القوى السياسية وخصوصًا المدركين لمخاطر الدمج على التركيبة السكانية للبنان والتي ستكون بمثابة قنبلة موقوته يمكن ان تفجر لبنان في أي لحظة.
والخطير في هذه المسألة أن بعض القوى السياسية اللبنانية والتي ستدفع الثمن الأكبر اذا ما تم الأمر، تعيش حالة انفصال عن الواقع وهي قوى أعماها الحقد على حزب الله وكل همها يتركز على تحقيق الغلبة على الحزب بمعزل عمّا يمكن أن يلحق بها من خسارة، ولهذا تبدو الدعوات إلى التقسيم عبر طروحات الفيدرالية نوعًا من الدفاع الاستباقي عن أي تأثير لدمج النازحين السوريين ومن ثم توطينهم على اعتبار أن توطينهم سيحصل في غالبيته بمناطق وجودهم الحالية سواء في المناطق ذات الغالبية السنية أو الشيعية وهو بتقديري تفكير شيطاني تجب مواجهته وفضحه.
بخصوص اللاجئين الفلسطينيين فإن ما يحصل من اشتباكات في مخيم عين الحلوة له أسبابه الداخلية بالتأكيد المرتبطة بالانقسامات والاصطفافات الفلسطينية، لكن محرك الاشتباكات الرئيسي يأتي من الخارج ومن قوى مرتبطة بالأميركيين والكيان الإسرائيلي المؤقت.
وإن كان ما يدور حول زيارة رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج الى لبنان دقيقًا أو مجرد أقاويل، فإن ذلك لا يُلغي الارتباط الوثيق لفرج بدوائر الأمن الإسرائيلية والتواصل الدائم تحت عنوان التنسيق الأمني. وإن كانت السلطة الفلسطينية تعمل على تعقب واعتقال المقاومين في الضفة من ضمن تفاهمات مع الجانب الإسرائيلي فما الذي يمنعها من اللعب في موضوع المخيمات والاستجابة للمطالب الأميركية والإسرائيلية؟
من المؤكد أن المحرك الخارجي ما كان يمكن أن يكون بهذه الفاعلية لولا المشاكل الداخلية، لكن الذي يجب أن نقاربه هو أن خطورة ما يحصل في مخيم عين الحلوة سيؤدي الى تدمير رمزية المخيم كونه الأكبر في لبنان والذي لا يزال يحتوي في جنباته على العديد من المقاومين والذين سيفقدون الملاذ وحرية الحركة في حال تم تدمير المخيم وتهجير سكانه الذين سينتقلون الى وضعية شتات يمكن استغلالها فيما بعد تحت عناوين مختلفة.
المطلوب الآن أعلى مستوى من المواجهة لهذه المخططات عبر التنسيق بين قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية والتعاون مع قيادة الجيش اللبناني الذي يتم العمل على اقحامه في هذه الاشتباكات من خلال استهداف مراكزه في محيط المخيم عبر معالجة الموضوع من خلال فهم أبعاده ووضع مسار مواجهة يُنهي الاقتتال ويُعيد الاستقرار للمخيم وجواره.
النازحون السوريونمخيم عين الحلوة
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024