نقاط على الحروف
التمديد لليونيفيل: مارد من ورق
ليلى عماشا
قبل ٢٠٠٦، كان وجود قوات الطوارىء ــ "اليونيفيل" في الجنوب خفيفًا على قلوب الجنوبيين رغم الهنات التي كانت تشوبه من قبل بعضهم. علاقة وديّة جمعت ما بين أهل الأرض وبين هؤلاء الجنود الذين لا يبدر منهم أي تصرّف عدائي علنيّ. بل وفي أحيان كثيرة، كانوا محلّ إشفاق الجنوبيين: هؤلاء الجنود هم غرباء فقراء يعملون في الأمم المتحدّة ولا يستطيعون شيئًا حيال الاعتداءات الاسرائيلية، يعجزون عن حماية مقراتهم فكيف نتوقع منهم أصلًا القدرة على حمايتنا من العدوان؟
في قانا 1996 وفي المنصوري كان الدليل أن وجود قوات "اليونيفيل" لا يختلف عن عدمه سوى في إيهام الناس أنّ هذه القوات تستطيع حماية المدنيين من القصف، هذا الوهم الذي لولاه لما تجمّعت عشرات العائلات في مقرّ "اليونيفيل" في قانا ولما نالت منها المجزرة الرهيبة.
اختلفت وضعية "اليونيفيل" بعد العام ٢٠٠٦، أي بعد الحرب والقرار ١٧٠١. لم يفقدوا فقط ثقة الناس المتهالكة أصلًا، إنّما صاروا أكثر عدائية، وأكثر انعزالًا عن السكان.
حوادث السير التي نجمت عن قيادتهم لآلياتهم بشكل متهوّر في القرى والبلدات الجنوبية أسّست لنظرة أكثر توجّسًا من الناس تجاههم. عدد من الجرحى والقتلى الجنوبيين ذهبوا ضحية حوادث السير أو الدهس بسبب الطريقة غير المسؤولة التي يقود بها جنود اليونيفيل سياراتهم، في الطرقات الداخلية للقرى. لم يعودوا أولئك الجنود الودودين الذي يلقون التحية بحبّ على المارّة، ولا الذين يتعاملون معهم وإن شكليًا بلطف. تلقائيًا، صاروا بغض النظر عن أي "قرار دوليّ" قوّات معادية، مريبة. وهنا، جاءت دورياتهم المستفزّة لتزيد من حال العداء والريبة، يتجوّلون في الأحياء السكنية من دون مؤازرة من الجيش اللبناني ويلتقطون الصور للبيوت والأزقة. في بنت جبيل وفي شقرا وفي الطيري، حدثت صدامات بين قوات اليونيفيل والأهالي بشكل مباشر. ثم جاءت حادثة العاقبية المحاطة بكثير من الغموض حول أسباب وجود الاليات خارج النطاق الجغرافي لعملها لتفجر الشعور بالتوجّس تجاه قوات اليونيفيل في كل الجنوب.
وما زاد في الريبة من هؤلاء، تزايد الضغط الدولي ومحاولات الولايات المتحدة الاميركية وشركائها تحويلهم رسميًا إلى قوّة تمتلك حرية التحرّك والتنقل والتجسس في الجنوب، وفق قرار واضح، لا تتجرّأ الحكومة اللبنانية على رفضه أو مواجهته: بالكاد تبدي تحفظات لا يأخذها أحد بعين الاعتبار، ومثلها كمثل القرار، حبر على ورق.
في خطابه الأخير في ذكرى التحرير الثاني قبل أيام، تحدّث السيد نصر الله عن القرار المتعلق بالتمديد لقوات "اليونيفيل" والبنود الأميركية التي ترد فيه، وأشار إلى أن مشكلة هذه البنود حال تنفيذها هي في تصادمها مع الناس، مع أهل الأوض الذين لن يرضوا بانتهاك حرمات بيوتهم وأحيائهم السكنية عبر "دوريات معلنة وغير معلنة" ستقوم بها "اليونيفيل"، وعبر ما سُمّي بحرية التنقل من دون اذن من أحد التي يجب أن يتمتع بها جنود "اليونيفيل" بحسب الرغبة الصهيونية والأميركية.
ثمّ جاء عاموس هوكشتاين، وعبّر صراحة عن رغبته بأن تكون أولى وأهم مهام "اليونيفيل" هي إزالة الخيمة التي تؤرق الصهاينة. لم نكن بحاجة إلى دليل يثبت أن مهمة اليونيفيل هي تأمين حماية "اسرائيل"، ولا إلى قرار أحمق لنتأكد أنّ الأميركي يزرع جنوب الليطاني جواسيس بقبعات زرقاء يتمنى أن يزوّدوه و"اسرائيل" بصور ومعلومات موثقة عن كلّ ما يجري في المنطقة، إلّا أن الأمر كلّه جاء مناسبًا لتقريع جماعة السيادة الكاذبة، السيادة المشوّهة المركبة من الخضوع التام للأميركي دائمًا، وأحيانًا الاستجابة المطلقة للرغبات الصهيونية.
وبعد، بعد ان انقضى زمن الهزائم، وبعد انفضاح كذبة "القرارات الدولية" التي لا تُطبّق إلّا على الضعفاء والخاضعين ولا تهدف إلّا لتمكين قوى الاستكبار والهيمنة والنّهب، يمكن الآن النظر إلى قرار التمديد لقوات "اليونيفيل" بكلّ بنوده العدوانية بسخرية واستخفاف. وبانتظار أن يتجرّأ جندي أو ضابط من هذه القوات على فرض تنفيذه، وعندها، سيريه أهل الجنوب من صاحب القرار هنا!
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024