آراء وتحليلات
اميركا: عن المناظرة الرئاسية الأولى.. وردّ ترامب على خصومه ووصفهم بالثيران
د. علي دربج باحث وأستاذ جامعي.
أظهرت المناظرة التلفزيونية التي جرت الاربعاء الفائت، بين ثمانية مرشحين جمهوريين للرئاسة، الحضور القوي للرئيس السابق دونالد ترامب، وحجم سيطرته وسطوته على الحزب الجمهوري، وكشفت في الوقت ذاته، مدى انقياد هؤلاء المرشحين وتبعيتهم العمياء لترامب، بالرغم من جرائمه العديدة، والـ91 تهمة، في أربع قضايا جنائية منفصلة، في سابقة لم يشهدها اي رئيس في بلاد العم سام من قبل.
ولمن فاتته هذه المواجهة فقد قدمت "وال ستريت جورنال" تقريرا تفصيليا عن مجرياتها جاء فيه:
فاز ترامب بالمناظرة بكل سهولة، لذا فكل ما تحتاج إلى معرفته كان بالإمكان رؤيته في مقطع مدته ست ثوانٍ في منتصف المناظرة. حينها أشار المشرفون على قناة "فوكس نيوز" (التي نظمت المناظرة) الى أن "الفيل ليس في الغرفة"، وسألوا المرشحين عما إذا كانوا سيظلون يدعمون ترامب كمرشح جمهوري إذا أُدين، وهنا كانت الصدمة.
كيف جاءت اجوبة المرشحين الجمهوريين حول تأييدهم لترامب حتى لو أُدين؟
في الحقيقة، بعد طرح السؤال أعلاه من قبل مدير المناظرة، طلب الأخير من المرشحين رفع أيديهم في حال موافقتهم على دعم ترامب، حتى لو تمت إدانته بالجرائم الموجهة اليه خصوصا التزوير.
عندها في غضون جزء من الثانية رفع رجل الأعمال فيفيك راماسوامي الذي يترشح كنسخة لترامب، ذراعه عالياً، "مثل حيوان أليف للمعلم يتوسل ليتم استدعاؤه" وفقا لتعبير الصحافة الامريكية.
بعد ذلك، ارتفعت يدا السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي، والسيناتور تيم سكوت، ليس بسرعة البرق مثل راماسوامي، ولكن بعجلة كافية لدرجة أن التأخير ربما كان نتيجة لردود الفعل البطيئة، وليس التردد العقلي.
بدوره، ألقى حاكم داكوتا الشمالية، دوغ بورجوم، نظرة سريعة على الآخرين، ثم رفع يده بعد نصف ثانية. وهنا ارتفعت هتافات الجمهور بصوت أعلى.
في هذه اللحظة، نظر رون ديسانتيس، حاكم فلوريدا، وقام بتقييم خياراته، ثم رفع يده في منتصف الطريق، بعد 3.2 ثانية كاملة.
وبالمثل فعل نائب الرئيس السابق مايك بنس، ليكتمل التأييد حول المتسابق الأول (ترامب)، لا سيما بعدما رفع حاكم ولاية نيوجيرسي السابق كريس كريستي، الذي يعتبر نفسه من أشد منتقدي ترامب، الإصبع السبابة ليتدخل مدير المناظرة ويسأله "أيها الحاكم كريستي، لقد تأخرت بعض الشيء عن المباراة، لكنك رفعت يدك؟".
هنا اجاب كريستي بـ"لا"، وحاول ان يشرح مبررا وهو يرفع كفه ويهز إصبعه من جانب إلى آخر، ويقول "ها أنا أفعل هذا".
المثير للسخرية، انه لعدة لحظات بعد أن انزل الجميع اياديهم، بقيت يد راماسوامي مرتفعة، وهو يبتسم ابتسامة عريضة.
ما تجدر معرفته هنا، ان حاكم أركنساس السابق آسا هاتشينسون ـــ مناهض لترامب ـــ هو الوحيد على خشبة المسرح الذي لم ينضم للمرشحين السبعة الاخرين في دعمه للرئس السابق المهزوم. وقال: "من الواضح أنني لن أدعم شخصا أدين بارتكاب جناية خطيرة". عندها أطلق الجمهور صيحات الاستهجان ضده وكريستي الذي ما زال متأخرا في استطلاعات الرأي.
اكثر من ذلك، وفي اشارة بالغة الدلالة، ارتدى كل من راماسوامي، وسكوت، وبنس، وديسانتيس، وبورجوم ربطات عنق ترامب الحمراء مثل تلك التي يرتديها الاخير، الذي مع ذلك يرفض، بوضوح، الالتزام بدعم التذكرة الجمهورية للرئاسة إذا حصل أحد منافسيه على الترشيح.
ليس هذا فسحب، طوال الامسية، ظل المتحاورون يلتفون حول ترامب حتى أن ديسانتيس وبّخ المشرفين على المناظرة لسؤالهم عنه. "هل هذا هو ما سنركز عليه، ونمضي قدمًا، ونعيد صياغة هذا؟"
لكن ردّ مدير المناظرة باير لم يتأخر، فتوجه الى الحاكم ديسانتيس مخاطبا اياه: إننا نقضي ساعة في الحديث عن السياسة… ترامب يتفوق عليك بـ 30 أو 40 نقطة في العديد من استطلاعات الرأي. لذلك، فهو عامل في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري".
بناء على ما تقدم، طرح العديد من وسائل الإعلام الأمريكية السؤال التالي. إذا كان المتنافسون الرئيسيون على ترشيح الحزب الجمهوري جميعهم من مشجعي ترامب، فلماذا يزعجون أنفسهم بإجراء انتخابات تمهيدية؟ ولماذا لا يكتفي الناخبون باختيار الشخص الأصلي (اي الرئيس السابق) بدلاً من اختيار أحد المتملقين له؟
اما الاجابة فتكفل بها احد الصحفيين الامريكيين المخضرمين ــ وهو معارض شرس لترامب ــ عندما قال الفرق الوحيد بينهم هو مدى سرعة ارتطام ركبهم بالأرض عندما يُطلب منهم الركوع أمام ترامب. واضاف "راماسوامي وهيلي وسكوت يفعلون ذلك بشكل انعكاسي، في حين أن ديسانتيس وبنس، يقومان بذلك بالحساب. لكن النتيجة واحدة: لقد تنازلوا فعلياً عن الميدان للرئيس السابق".
وماذا عن ردّ ترامب؟
صحيح ان ترامب لم يشارك في تلك المواجهة، غير انه لم يتأخر في الردّ على خصومه الجمهوريين هؤلاء، حيث اجرى مقابلة مع تاكر كارلسون اليميني المتشدد على المنصة "X" المعروفة سابقًا باسم تويتر، في ذات الليلة، وقد استغرقت 46 دقيقة، ولم تكن من قبيل الصدفة ليلة الأربعاء.
وكالعادة خرج ترامب في كلامه عن المألوف والذي وصل الى حد الشتائم، إذ وصف كريستي بـ"المجنون المتوحش".
علاوة على ذلك، استجاب ترامب لتحريض كارلسون الذي خاطب الرئيس بالقول إن معارضيك «سيحاولون قتلك»، فلم يتردد ترامب بنعت كل من يعارضه بأنهم "حيوانات متوحشة" و"مريضة، مريضة حقًا". وعرّفهم أيضًا على أنهم "فاشيون وهم مجانين يساريون متطرفون وهم يدمرون بلدنا بالسيارات الكهربائية بالكامل وطواحين الهواء".
كما تحدث ترامب بإسهاب عن كيفية "تزوير" انتخابات 2020، وشدد أنه لا يتوقع أن يصل الرئيس بايدن إلى تصويت 2024. وتحدث بسخرية ملفتة عن بايدن قائلا "لا يستطيع الكلام، أو المشي، أو التحدث.. لا أعتقد أنه سيصل إلى بوابة البداية" وأضاف أن بايدن "يبدو فظيعا على الشاطئ ويبدو وكأنه يمشي على أعواد الأسنان".
المثير في الامر ان ترامب اعتبر بايدن على أنه مرشح منشوريا، ثم هاجم الرئيس السابق جيمي كارتر مطولاً بسبب نقل قناة بنما إلى بنما: "لقد أعطيناها مقابل دولار واحد".
اللافت ان كارلسون كان بمثابة الملهم لترامب، خصوصا حينما اقترح الصحافي المشهور أن نائبة الرئيس كاميلا هاريس، البالغة من العمر 58 عامًا، "تبدو خرفة جدًا أيضًا"، فردّ ترامب باستهزاء أنها "تتحدث على نحو قافية" وضرب مثالا: "ستذهب الحافلة إلى هنا، ثم ستذهب الحافلة إلى هناك، لأن هذا ما تفعله الحافلات".
إضافة الى ذلك عرض أفكارًا حول لوائح الاتهام الأربعة قائلا "ثيران... كلهم ثيران" وادعى أنه منع وكالة حماية البيئة من طلب "أحواض لا يخرج منها الماء". وانتهى بتأكيد صحة فرضية كارلسون بأن البلاد تتجه نحو الحرب الأهلية والعنف مشيرا الى ان «هناك مستوى من العاطفة والكراهية لم أره من قبل، وربما يكون هذا مزيجًا سيئًا".
في المحصلة، لقد كان ترامب نموذجيًا، مع جنون العظمة والعنف ونظريات المؤامرة والشتائم والهراء والأكاذيب. ومن المؤكد أنه حتى عدد كبير من الناخبين الجمهوريين لا يريدون له أربع سنوات أخرى من البيت الأبيض. ومع ذلك فإن معارضي ترامب (الاسميين) يرفعون أيديهم لتأكيد دعمه.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024