معركة أولي البأس

وكان حقّاً علينا..

"حرب تموز جديدة" قريبة أم بعيدة؟
19/07/2023

"حرب تموز جديدة" قريبة أم بعيدة؟

علي عبادي

مرّ سبعة عشر عاماً على العدوان الصهيوني على لبنان في تموز 2006، وتتردّد بين وقت وآخر تكهناتٌ باحتمالية وقوع حرب جديدة قد تكون مصغَّرة (معركة لأيام) أو شاملة أشدّ من تلك التي عرفناها في ذلك العام.

والواقع، أن الدلائل التي تفيد بترجيح حرب جديدة بين المقاومة في لبنان والعدو الصهيوني تستند في الغالب الى تقديرات ظرفية مثل وقوع حوادث معينة في منطقة الحدود مع فلسطين المحتلة (مؤخراً إقامة المقاومة خيمتين على أرض لبنانية محتلة في مزارع شبعا عززت رواج هذه الفرضية في بعض وسائل الإعلام)، لكنها تبقى مجرد تقديرات لا تقوم على رؤية شاملة للموقف، ذلك أن أي طرف يتخذ قرار الحرب لا بد أن يحسب حساباً لنقاط أساسية وهي:

- وضع أهداف واقعية للحرب يمكن قياس النتائج على أساسها، وهذا أمر قد يكون صعباً في وقت يبدو الوضع العسكري شديد السيولة.
- التأكد من وجود ضمانة لعدم تدحرج الحرب المحدودة زمنياً الى حرب شاملة، في حال أراد الطرف المعني بقرار الحرب تجنب الخيار الأخير.  
- الإطمئنان الى إمكان تحقيق الانتصار في الحرب إذا وقعت، سواء كانت حرباً محدودة أم شاملة.
- القدرة على ترجمة الانتصار العسكري الى معادلة سياسية وأمنية جديدة تتيح تمتّع الطرف المنتصر بالأمن وامتلاك الردع لفترة طويلة.

"حرب تموز جديدة" قريبة أم بعيدة؟

مع الإشارة الى أن حرب 2006 أوجدت نوعاً من الردع المتبادل لسنوات طويلة، وبات "ضمان الحسم" هو المعيار الأساسي الذي يتحكم بقرار الحرب، خاصة أن العدو لم يتمكن من الحسم العسكري أو حتى تحقيق أي من أهدافه التي أعلنها لتلك الحرب.

لماذا قد تكون الحرب بعيدة؟

يسود اعتقاد لدى خبراء ومحللين بأن ظروف اندلاع حرب جديدة اليوم قد تكون أنضج من ظروف السنوات التي تلت مباشرةً انتهاء حرب العام 2006، لكن إقدام العدو على شن حرب دونه مخاطر جمة تتصل بتوفر عوامل ردع لدى الطرف المقابل:

- قبل كل شيء، نشير الى حقيقة ملموسة يقرّ بها محللون صهاينة وهي أن المقاومة اليوم تخيف العدو لأنها تتّسم بنفَس هجومي، ذلك أن المقاومة أصبحت أكثر توثباً لتحقيق إنجاز عسكري بري ملموس منذ تشخيص السيطرة على الجليل كهدف من أهداف الحرب المقبلة. بالمقارنة، في 2006 كان هدف المقاومة دفاعياً وتمثل بإحباط أهداف العدوان.

- تمتلك المقاومة اليوم أسلحة نوعية قد تتسبب بأضرار جسيمة لجيش العدو. اذا كانت صواريخ أرض - بحر في العدوان عام 2006 قد أدت الى انكفاء سلاح البحرية عن شواطئ لبنان، فإن لدى المقاومة اليوم مفاجآت ستترك أثرها. ونلمس مؤخراً على سبيل المثال انكفاء تحليق مسيَّرات العدو عن اجواء لبنانية واسعة بفعل وجود منظومات دفاع جوي لدى المقاومة، بعدما كانت هذه المسيَّرات تسرح وتمرح في أي وقت. كما ان لدى المقاومة أسلحة صاروخية دقيقة يمكنها إلحاق أضرار بالبنى التحتية العسكرية والاقتصادية للعدو، فضلاً عن مسيّرات من أنواع مختلفة يمكن أن تسبب اضطراباً أمنياً للجانب الآخر في وقت الحرب.

- تكوُّن محور المقاومة: في حال وقعت الحرب اليوم، سيكون على العدو أن يأخذ في الحسبان اتساع نطاقها الى أبعد من حدود لبنان، بوجود حالة تكافل وتضامن بين أركان محور المقاومة. وهذا التضامن كان موجوداً عام 2006، لكن ظروفه الميدانية لم تكن ناضجة كفاية، وقد أسهمت الحرب على الأرض السورية في تأطير التشكيلات وتفاعل قوى محور المقاومة بشكل غير معهود من قبل، مما يقدَّر أنه سيكون له أثر فاعل في أي حرب مقبلة مع العدو الصهيوني.  

- بعد الاتفاق على تحديد الحدود البحرية العام الماضي وبدء العدو في استخراج الغاز من حقل كاريش، أصبحت حقول الغاز في شمال فلسطين المحتلة عاملاً من عوامل كبح خيار الحرب لدى العدو، بالنظر الى إشراف المقاومة عليها عسكرياً وقدرتها على ضربها بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

لماذا قد تكون الحرب قريبة؟

في المقابل، لا يزال وقوع حرب جديدة احتمالاً واقعياً، بالإشارة الى العوامل الآتية:

- يوجد احتمال لوقوع حادث معزول يتطور الى ردّ وردّ مضاد ومن ثم الى حرب. وقد تزايدت وتيرة الحوادث في الآونة الاخيرة، خاصة مع الخروق الاسرائيلية المتكررة في مزارع شبعا والغجر وبلدات جنوبية عدة. في المقابل، كانت هناك ردود شعبية على هذه الانتهاكات، وأخرى للمقاومة مثل اقامة خيمتين داخل الارض المحتلة في مزارع شبعا.

- هناك عوامل تفكك سياسي داخلي في كيان العدو، وتفكك سياسي واقتصادي في لبنان. وتشكِّل الظروف الداخلية دافعاً ممكناً لوقوع حرب مقصودة أو عرَضية. وسبق أن أعلن الأمين العام لحزب الله في ذكرى القادة الشهداء في شباط الماضي أن "على الأميركيين أن يعلموا أنهم إذا دفعوا لبنان الى الفوضى وتألم الشعب اللبناني، فهذا يعني أننا لن نجلس ونتفرج على الفوضى، وسنمد يدنا الى ما يؤلمكم حتى لو أدى ذلك الى خيار الحرب مع ربيبتكم إسرائيل".

- بقدر ما تشكل "وحدة الساحات" رادعاً يحول في بعض الحالات دون ارتكاب العدو أخطاء تؤدي الى الحرب، فإنها قد توفر كذلك دافعاً لبدء حرب واسعة تأسيساً على أي حدث مركزي أو ذي أهمية عالية، مثل هدم المسجد الأقصى.

- يمثل المناخ السياسي الدولي الجديد فرصة مزدوجة أيضاً، إذ يؤدي انشغال اميركا على نحو متزايد بالصين وروسيا الى العمل لضبط إيقاع الأحداث في فلسطين وما حولها. لكن تراجع الأولويات الأميركية في المنطقة قد يفسح المجال للعمل خارج نطاق الموازين الأميركية. وهذا يصحّ على الطرف الاسرائيلي الذي يشعر بالضيق والانكماش، كما يصحّ على محور المقاومة الذي يعدّ العدة لإخراج القوات الأميركية من المنطقة وإحراز قصب السبق في الصراع مع العدو.  

يبقى أن نرى إذا كان أي من هذه العوامل سيكون المرجِّح لتطور الأحداث، في وقت اعتدنا في تاريخ الصراع مع العدو على مفاجآت تخلط الأوراق وتدفع لإعادة النظر في بعض الدوافع والمآلات.

حرب تموز 2006عدوان تموز 2006

إقرأ المزيد في: وكان حقّاً علينا..

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة