آراء وتحليلات
مفاجآت جنين تعمّق أزمة جيش العدو
إيهاب شوقي
إن أردنا توصيفًا موضوعيًا ودقيقًا للحالة التي يمر بها الكيان الصهيوني في هذه المرحلة، فإننا وباطمئنان بحثي لا تشوبه المجازفات وشبهات التحليل الانطباعي، نستطيع أن نقول إنها مرحلة الخوف وانعدام الثقة بعد انهيار جميع الأعمدة التي بناها العدو لإزالة التهديدات وللتمكين لنفسه كأمر واقع بالمنطقة.
وقبل الحديث عن هذه الأعمدة وكيف تنهار تدريجيًا، تنبغي الإشارة الى أمرين لافتين ناقشتهما وسائل الإعلام الصهيونية بشكل استراتيجي وليس بالشكل الدعائي، وهما:
أولًا: الربط بين المقاومة في جنين في العملية الأخيرة وبين جنوب لبنان ومقاومته في التسعينيات، وهو ما يدل على أن الذاكرة الصهيونية تحتفظ بجراح مريرة وبأن نظرتها تشاؤمية تجاه مستقبل الضفة وبأنها ستتحرر كما لبنان آجلًا أو عاجلًا.
ثانيًا: حديث صحيفة "اسرائيل ديفنس" عن مستقبل الصراع مع مصر، وفتح ملف قواعد صواريخ سكود المصرية التي كشفتها الاقمار الصناعية العام الماضي على بعد 12 كيلو مترًا جنوب القاهرة، والذي فتح حديث خبراء الصهاينة عن المشروع الصاروخي المصري وتطوره ولمن يتم توجيهه!
وبخصوص الأعمدة التي حاولت "اسرائيل" إقامتها للتمكين لنفسها فقد تمثل أهمها في ما يلي:
1- إخراج الجيوش الكبرى من معادلة الصراع وعلى رأسها مصر وسوريا والعراق.
2- الانفراد بالمقاومة في الجبهات المختلفة وعزلها وتصفيتها.
3- تصفية الصراع بفرض الأمر الواقع، إما اختيارا من العرب والفلسطينيين بالرضا بالفتات وبحكم ذاتي خاضع للعدو وبحصار يقطع الطريق على أي فرصة للتمرد، وإما جبرا بالاحتلال والحصار وتصفية جيوب المقاومة أولا بأول.
ولكن العدو فوجئ بعدة مفاجآت أهدرت كل مخططاته:
الأولى: أن المقاومة تصمد وتتنامى وتنسق بين ساحاتها وتستطيع تهديد العدو عبر جبهات مختلفة يمكنها تطويقه وتهديد مركزه الذي اعتبره من المكتسبات المفروغ منها والذي اعتبره نقطة انطلاق للتوسع، فهناك تهديدات لـ"تل ابيب" والقدس وحيفا وغيرها.
الثانية: أن محورًا للمقاومة بقيادة ايران شكل عوضًا عن الجيوش التي خرجت من المعادلة واستطاع خلق معادلة استراتيجية بذات القدر الذي تشكله معادلات جبوش دول الطوق، حيث التمكن من استهداف العمق الاستراتيجي وفصائل وحركات تستطيع الاجتياح البري.
الثالثة: أن الجبهات التي ظن أنها أغلقت مثل الجبهة المصرية، يمكنها أن تنشط في أي لحظة، وما شكلته عملية الشهيد محمد صلاح وما سبقها من عمليات متناثرة زمنيًا، تؤكد أن الجبهة لم ولن تخمد وأنها مجرد جبهة نائمة بالمفهوم الأمني يمكنها النشاط في أي وقت.
الرابعة: أن حالة المقاومة تنتقل من جبهة لأخرى بنظام يماثل "نظرية الدومينو"، عند حدوث المواجهات، فقد ولدت عمليات المقاومة في لبنان دفعا للمقاومة في غزة والضفة، وقد ولد ذلك عملية الشهيد محمد صلاح على الحدود المصرية، والتي ولدت بدورها دفعا لجبهات نائمة يمكن رصدها في مقاومة شعبية في مزارع شبعا خرجت لمقاومة انتهاكات العدو، وأيضًا في الجولان عندما خرج الأهالي لمقاومة اغتصاب العدو لمزيد من الأراضي مما أجبر العدو على الدفع بتعزيزات جديدة.
من هنا كان الارتباك الأمني والسياسي وحالة الخوف والتي انعكست على تضارب التصريحات بين الوزراء المتطرفين وقيادات الجيش والمحللين السياسيين.
ولا شك أن المستجدات تأتي لتضيف مزيدًا من الارتباك السابق والذي تسبب في تغيير الحكومات والمراوحة بين (اليمين واليسار) وحالات العصبية التي ساقت الى التوتر مع الراعي الأكبر للكيان وهو أمريكا، وكذلك الممارسات التي فضحت الوجه العنصري والفاشي للكيان.
وهنا نود فقط الإشارة إلى تقرير موقع ديبكا الاستخباراتي الصهيوني والذي حدد انجازات المقاومة الفلسطينية بعد العملية الأخيرة من منطلق "وشهد شاهد من أهلها"، حيث يقول "ديبكا" نصًا:
"استمرت المعركة بين الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين في جنين وبرقين لمدة 12 ساعة ونصف يوم الاثنين. وعندما انتهت المعركة، كان من الواضح للجيش الإسرائيلي والفلسطينيين أن فصلاً جديدًا قد فتح في الحرب بينهم. لا أحد يريد أن يقول هذا، لكن هذه المعركة لم تنته بانتصار واضح للجيش الإسرائيلي. من ناحية أخرى، انتهت المعركة بسبعة إنجازات مهمة للفلسطينيين:
1. وضع الفلسطينيون في ساحة المعركة حوالي 150 مقاتلاً عملوا بتخطيط مسبق وتحت قيادة واحدة!
2. الفلسطينيون كانوا مسلحين بأسلحة وذخائر جيدة، مما أعطاهم قوة نيران وكمية كبيرة من العبوات الكبيرة التي تم تفعيلها بشكل صحيح وألحقت أضرارًا جسيمة بجيش الدفاع الإسرائيلي. تضرر ما لا يقل عن 7 عربات مصفحة للجيش الإسرائيلي وتعطلت عن العمل.
3. وجد الجيش الإسرائيلي نفسه مضطرًا لأول مرة منذ عام 2000 إلى استخدام مروحيات قتالية في معارك في الضفة الغربية. على عكس الصور التي نشرها جيش "الدفاع" (العدو) الإسرائيلي، والتي ساد انطباع منها أن الجيش الإسرائيلي كان يشغل مروحية واحدة، قام ابجيش الإسرائيلي بتشغيل 4 مروحيات حربية و4 طائرات من دون طيار من طراز Zik من سرب Black Snake. هذه مشاركة كبيرة لسلاح الجو في معركة واحدة في الضفة الغربية.
4. لم يكن هناك قطاع واحد في جنين وبوركينا يتراجع فيه الفلسطينيون. كان انسحاب الجيش الإسرائيلي بعد يوم من القتال هو الذي قطع الاشتباك بين الجانبين وانتهى يوم القتال.
5. إن الحديث عن الحاجة إلى عمل مكثف ضد (العناصر الإرهابية في شمال السامرة) يهدف بشكل أساسي إلى إخفاء نتيجة يوم القتال في جنين وبرقين.
6. لقد انتهى الآن يوم المعركة، من الواضح أن المركبات المدرعة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية لم تعد فعالة ومعرضة للخطر.
7. تظهر نتائج معركة يوم الاثنين أنه سيتعين على الجيش الإسرائيلي تغيير نمط عمله في (يهودا والسامرة.)".. انتهى الاقتباس من ديبكا.
وهنا يمكننا القول إن الجيش الصهيوني يرى انه مضظر لتغييرات شاملة على كافة الجبهات، فهو مضطر للتعامل على الجبهة في لبنان لمواجهة تقدم بري لوحت به المقاومة اللبنانية في أية حرب مقبلة، ومضطر لتغيير نمط توزيعاته على الجبهة المصرية بعد العملية الأخيرة، ومضطر لاجراء مراجعات في عملياته بالضفة بعد بروز اسلحة وتكتيكات مقاومة الضفة، ناهيك عن الانتفاضات الجماهيرية في شبعا والجولان، وهو شرذمة لكتائب العدو وارتباك ورعب ينذر بفوضى في تكتيكاته وألويته وقياداته وهو ما تبشر به المقاومة دومًا من أن التمسك بخيار المقاومة هو قرين زوال العدو.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024