آراء وتحليلات
الانتخابات التركية.. الخارطة الانتخابية والعوامل المؤثرة
حيان نيوف
يرتقب الإقليم والعالم أجمع ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات التركية بشقيها الرئاسي والبرلماني والتي ستجرى بعد شهر ونصف من الآن في الرابع عشر من شهر أيار/مايو المقبل. وتنظر النخب التركية والعالمية إلى هذه الانتخابات على أنها أحد أهم الاستحقاقات السياسية والدستورية التي تواجه تركيا منذ عقود طويلة وذلك نتيجة عاملين رئيسيين على الأقل؛ أحدهما متعلق بالتموضع التركي في سياق التحالفات الإقليمية والدولية التي يشهدها العالم، حيث يشكل الموقع الجيوسياسي لتركيا عاملاً فائق التأثير على ساحات الصراع العالمي ما بين الشرق والغرب، والآخر متعلق بالتشابك الواسع لتركيا في كثير من الملفات المفتوحة والملتهبة في محيطها، في سوريا والعراق والقوقاز والبلقان وأوكرانيا وليبيا بالإضافة إلى الصراع على شرق المتوسط وصولًا إلى التنافس في أفريقيا.
وعلى عكس الاستحقاقات الانتخابية السابقة التي جرت طوال عقدين من الزمن والتي حسمها حزب العدالة والتنمية بزعامة اردوغان لصالحه، تبدو الانتخابات المقبلة أكثر تعقيدًا لجهة التنبؤ بنتائجها وذلك بفعل التموضعات والتكتلات الجديدة للقوى السياسية في الداخل التركي.
وعلى الرغم من أن المنافسة الحقيقية تنحصر فعليًا بين تكتلين رئيسيين: تحالف الشعب الذي يضم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية ومرشحه الرئاسي هو الرئيس الحالي "رجب طيب اردوغان"، وبين تحالف الأمة الذي يمثل المعارضة ويضم أحزاب لقاء الطاولة السداسي (الشعب الجمهوري والجيد والمستقبل، ...) ومرشحه الرئاسي "كمال كليتشدار أوغلو"، فإن ذلك لا يلغِ تأثير الأحزاب الأخرى من خارج التحالفين المذكورين لتحديد الفائز بالانتخابات خاصة أن مرشحين آخرين اثنين على الأقل قد قررا الترشح للانتخابات.
تعطي استطلاعات الرأي الصادرة عن مراكز تابعة للمعارضة تفوقاً لصالح مرشحها كليتشدار اوغلو بفارق يتراوح من 4 إلى 9 بالمائة من الأصوات وبنسبة تقارب 50% وهي النسبة المطلوب تجاوزها للحصول على الأغلبية (50% + 1)، بينما تعطي مراكز استطلاع أخرى تابعة لتحالف الشعب تفوقاً لصالح أردوغان وبفارق يقارب 4 بالمائة. وتسعى المعارضة إلى حسم النتائج من الجولة الأولى عبر الحصول على الأغلبية اللازمة، فيما يؤكد أردوغان أنه واثق من الفوز.
وهنا يبرز الدور المؤثر للأحزاب الأخرى غير المنضوية في كل من التحالفين، وخاصة حزب الشعوب الديمقراطي الذي يعتبر الممثل السياسي للأكراد ويمتلك ما نسبته 10% تقريبًا من الشريحة الانتخابية في تركيا، وهي نسبة مؤثرة للغاية فيما لو اتجهت أصواتها لأي من المرشحين أو في حال قررت تقديم مرشح ثالث لها في السباق الرئاسي، وإلى جانب حزب الشعوب الديمقراطي هناك أحزاب أخرى أقل حجمًا كحزب الوطن وحزب النصر والرفاه وغيرها.
فيما يخص حزب الشعوب الديمقراطي، فقد حسم الحزب خياره بعدم تقديم مرشح رئاسي للانتخابات، وهي خطوة تأتي في صالح مرشح تحالف الأمة "كليتشدار اوغلو" على اعتبار أن حزب الشعوب الديمقراطي أعلن صراحة أن هدفه هو إسقاط اردوغان بالرغم من عدم ضمه للقاء الطاولة السداسي للمعارضة لاعتبارات متعلقة بعدم إتاحة الفرصة لأردوغان لاستغلال ذلك في حملته الانتخابية ضد أوغلو عبر التأثير على أصوات القوميين وخاصة في حزب الجيد المنفصل أصلًا عن حزب الحركة القومية حليف أردوغان.
وأما فيما يخص حزبي الوطن والنصر، فقد تنفس أردوغان الصعداء مؤخرًا بعد فشل منافسه مرشح المعارضة "كليتشدار اوغلو" في إقناع زعيم حزب الوطن "محرم إينجه" بعدم الترشح للانتخابات، وبالرغم من أن حظوظ "إينجه" معدومة للفوز بالانتخابات، فإن ترشحه سيسهم في تشتيت ما نسبته من (٢ الى ٣) بالمئة من أصوات الناخبين، هذا بالإضافة إلى ما نسبته (١ إلى ٢) بالمئة قد يتسبب بتشتتها ترشح "سنان أوغان" عن حزب النصر.
يعتقد أردوغان أن تشتت ما نسبته من (٥ - ٦) بالمئة من الأصوات سيحرم منافسه "كليتشدار اوغلو" من الحصول على الأغلبية اللازمة لحسم الانتخابات من الجولة الأولى، وهو أكثر ما يخشاه أردوغان في ظل ما تشير إليه استطلاعات الرأي خاصة بعد امتناع حزب الشعوب الديمقراطي عن تقديم مرشح للانتخابات.
وفي ظلّ هذه الخارطة الانتخابية تتداخل عوامل عديدة داخلية وخارجية ضاغطة ومؤثرة على اتجاهات الناخب التركي وتحديد خياراته، وتتصدر قضايا الاقتصاد والمعيشة واللاجئين والحريات المؤثرات الداخلية، بينما يلعب الاستقرار في المحيط الإقليمي وقضايا الأكراد والعلاقة مع سوريا والضغوطات الأمريكية والأوروبية والعلاقة مع روسيا ومع الناتو دورًا مهمًا في التأثير، وتتشابك العوامل المؤثرة الداخلية والخارجية معًا نظرًا لتأثر الداخل بالخارج بفعل ما نتج عن الزلزال الذي ضرب تركيا مؤخرًا، وبفعل ما نتج عن التدخل التركي بدول الجوار وخاصة سوريا وانعكاس ذلك على الوضع الداخلي التركي، وبفعل السياسات الاقتصادية التي اعتمدها اردوغان والتي نتج عنها هبوط حاد للعملة الوطنية وارتفاع مستوى الدين العام الخارجي، وارتفاع نسبة خدمة الدين بالعملة الصعبة من الناتج المحلي، هو ما جعل الاقتصاد التركي رهينة عرضة للتأثر بالضغوط الخارجية للدول الدائنة أو الدول القادرة على التاثير بالاقتصاد التركي، وجعل الاستقرار الداخلي التركي مرهونًا بالاستقرار على الحدود التي عبث بها أردوغان.
لقد بات من الواضح أن أردوغان يسعى جاهدًا لحرمان منافسه كليتشدار اوغلو من حسم النتيجة من الجولة الأولى كمرحلة أولى ليضمن على الأقل الانتقال بالانتخابات إلى الجولة الثانية ثم يبني على الشيء مقتضاه. وبلا شك فإن أردوغان الذي خبر اللعب على المستوى الإقليمي لن يكون خصمًا سهلًا أمام منافسه الذي يسعى للإطاحة ليس باردوغان فحسب بل بالأردوغانية كنهج كاد أن يتحول إلى طابع يلزم تركيا الدولة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024