آراء وتحليلات
المخطط الأمريكي بين الليبرالية والإبراهيمية
حيان نيوف
كان واضحًا منذ العام 2017 أن الولايات المتحدة التي فرضت التغيير على السعودية، عبر إشراف كامل من قبل وكالة المخابرات والخارجية الأمريكية وتعيين مندوبين من كلتا المؤسستين الأمريكيتين في الوزارات والهيئات السعودية وخاصة في مؤسسات التعليم والمؤسسات الدينية، ترمي إلى تسويق الإبراهيمية كهوية وكمعتقد جامع في الإقليم تمهيدا لدمج "الكيان الصهيوني" في المحيط العربي وتزعّمه للمنطقة لاحقًا، خاصةً أن التمهيد لصفقة التطبيع الكبرى بين السعودية والكيان الصهيوني يحتاج إلى تغيير واسع في الوعي الجمعي للمجتمع السعودي.
من جانب آخر، كان لا بد من زيادة "شيطنة" الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر بروباغندا إعلامية منظمة لتظهيرها كدولة متطرفة وراديكالية ومعادية للانفتاح والتطور، ولقد دلّت الأحداث الأخيرة التي شهدتها إيران على إثر وفاة "مهسا أميني" على ذلك بكل تفاصيلها وتفاصيل الحملة الإعلامية المرافقة لها والتي قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية.
وضمن هذا الإطار، لا بد لنا من التعريج على الدراما الرمضانية "معاوية" التي تنتجها مجموعة الإعلام السعودية (mbc)، فهي تشكل مرحلة جديدة تهدف إلى تعزيز وتفعيل الانقسام الديني والمذهبي الذي يستهدف إيران بالعموم وبعض الدول ذات التنوع المذهبي بالخصوص، وخاصة العراق كمرحلة أولى، ولاحقًا الاستثمار في ما تم البدء بتظهيره وتسويقه تحت عنوان "سعودية ليبرالية وإيران راديكالية" وكل ذلك لخدمة المخطط الإبراهيمي "الإبراهيمية الجديدة" كخيار وحيد لا بد منه.
ومنذ يومين جرى افتتاح ما يعرف بِـ"البيت الإبراهيمي" في دولة الإمارات بعد أن جرى إقراره والعمل به منذ عامين بحضور شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، وللتذكير فإن الرئيس الامريكي جو بايدن أعلن العام الماضي وبشكل صريح أنه سيسعى لجمع الديانات الثلاث في "دين" واحد "الدين الإبراهيمي".
من المهم الإشارة أيضًا إلى نقطة أخرى في غاية الأهمية، وهي تتعلق بمواجهة التمدد الروسي في العالم الإسلامي، هذا التمدد ظهر على شكل تشبيك روسي اقتصادي بالدرجة الأولى وسياسي أيضًا، مع بدايات خجولة للتعاون العسكري مع كل من السعودية والإمارات ومصر ومع دول عربية واسلامية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وافريقيا، وتقوم روسيا بخطوات حثيثة ومدروسة لترويج هذا التشبيك هوياتيًا وعقائديًا وفقًا لأفكار الفيلسوف الروسي أليكسندر دوغين الذي طرح مفهوم الأوراسية الجديدة كتكتل جامع، ثم طرح مفهوم البحث عن هوية جامعة لها وأسهب بالحديث عن العالم الإسلامي.
وفي الوقت الذي تتبنى فيه الولايات المتحدة استراتيجية جديدة تقوم على تشكيل أحلاف جديدة حول العالم، كحلف "أوكوس" وحلف "كواد"، فإنها ترى في التسويق للإبراهيمية ضرورة لا بد منها لنجاح مسعاها المتمثل بتشكيل "ناتو" شرق أوسطي بقيادة "اسرائيل" يعوّض عن تراجع نفوذها في الإقليم المهددة بالخروج منه لصالح زيادة نفوذ روسيا والصين ومحور المقاومة.
وفي اعتقاد البعض، فإن الغرب الأطلسي يناقض نفسه عندما يسوق للإبراهيمية أو للدين الإبراهيمي كهوية جامعة وكمعتقد ديني بديل، طالما أن الليبرالية الجديدة التي يتبناها تسعى إلى الترويج للمثلية الجنسية والشذوذ، والحقيقة أنه لا تناقض بين المشروعين الغربيين، بل إنهما مشروع واحد، ذلك أن الغرب يدرك أنه في هذا الشرق المتدين بطبعه، سيكون من الصعب عليه الانتقال من الاعتقاد بالديانات السماوية وتعاليمها إلى المثلية وقوانينها، لذلك فإنه يطرح الإبراهيمية كمفهوم مرحلي هدفه هدم الأديان بما تحويه من قيم قبل الانتقال به إلى مرحلة الشذوذ والانحلال مع الحرص على تحقيق المكتسبات في كل مرحلة سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية، وكل يصب في استمرار النفوذ والهيمنة والوقوف بوجه محور الشرق الذي يتبنى المثل والقيم ويرفض التنازل عنها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024