خاص العهد
"الدولرة"... بين الواقع والقانون
حسن شريم
يتخبّط لبنان في أزماته الاقتصادية والمالية والمعيشية. يتقاذف المعنيون المسؤولية ويتنصّلون منها، وسط غياب تام لأي علاج فعلي وجدي وميداني ينقذ المواطن. الأخير يفتقر لأدنى مقوّمات العيش الكريم، فيما هو غارق في غياهب الفقر والبؤس والأزمات التي بلغت ذروتها عقب الانتخابات النيابية.
ولا يخفى أنّ "الدولرة" التي باتت تتحكّم بكل تفاصيل الحياة اليومية تشكّل علّة العلل في ما وصل إليه المواطن. تلك "الدولرة" أدت إلى تآكل القدرة الشرائية بنسبة تفوق الـ90 بالمئة، خصوصًا أنها وصلت حد السلع والاحتياجات الأساسية التي رُفع الدعم والغطاء عنها بتوقيع من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. الأخير للأسف يتنصّل من مسؤولياته التي ينص عليها قانون "النقد والتسليف" والمتمثلة بمهمة واحدة رئيسية وهي الحفاظ على ثبات وسلامة النقد في لبنان. سلامة يتخلى عن واجب حماية الليرة تاركًا خيار الـ"دولرة" للسوق وضاربًا عرض الحائط بأدنى المعايير القانونية والدستورية والإنسانية. فماذا يقول القانون عن دور حاكم المركزي في حماية الليرة؟ وهل الـ"دولرة" قانونية؟.
الكيك: مصرف لبنان ملزم بالحفاظ على استقرار العملة الوطنية
الخبيرة القانونية والمصرفية الدكتورة سابين الكيك في حديث لموقع "العهد" تؤكّد أنّ حاكم مصرف لبنان ملزم -بحسب ما جاء في النصوص القانونية ووفق الصلاحيات القانونية المنوطة به والمسؤوليات الملقاة على عاتقه- بأن يحافظ على استقرار العملة الوطنية، إلا أنّه اليوم فقد أدوات الحفاظ على هذا الاستقرار بسبب السياسات المصرفية المغلوطة وممارسات الحكومات المتعاقبة، ما جعل الحاكم اليوم عاجزًا عن جعل العملة الوطنية مستقرة.
الكيك تلفت إلى أن استقرار العملة لا يعني فقط تثبيت سعر الصرف، بل يتعدّاه إلى المحافظة على قيمتها الشرائية بما تمثل من أداة سيادية وأمن مجتمعي وأداة لحفظ القيم والاقتصاد والتجارة، وهذه المسألة ليست استنسابية أو بديهية، لأنها متعلقة بالاستقرار الأمني والاجتماعي والحد من الانفلات في الشارع وغيرها... فاستقرارها موضع نظام عام وقانون منظم يحمي المجتمعات وينظم أمورها؛ الأمر الذي نفتقده في المنظومة اللبنانية التي تفتقر للمقومات أو البدائل لتلك السياسات النقدية التي جعلت لبنان على حافة الإفلاس والانهيار وهذا ما بدا واضحًا منذ ثلاث سنوات.
وتشدّد الكيك على أنّ عجز حاكم مصرف لبنان عن حماية الليرة وتخلّيه عن هذا الواجب، أمر مخالف للقانون اللبناني لا سيما القانون المصرفي وقانون النقد والتسليف اللبناني، فالحديث عن الـ"دولرة" اليوم، يعني أنها فرضت نفسها في السوق لأنها أصبحت ملجأ استقرار للكثير من الناس خاصة في ظل غياب الرقيب والحسيب، وغياب أجهزة الوزارات المعنية عن مواكبة التفلت في أسعار المنتجات والسلع وغيرها، ما يدفع بالمواطن والتاجر اللبناني إلى وضع التسعيرة التي تناسبه وتتلاءم مع أرباح مرتفعة يجنيها من خلال عمله، وهذا ما انعكس على الكثير من الأعمال والقطاعات في لبنان.
قانون حماية المستهلك اللبناني يفرض أن تكون التسعيرة بالليرة اللبنانية
وبحسب القانون اللبناني، تقول الكيك: "إن قانون حماية المستهلك اللبناني يفرض أن تكون التسعيرة بالليرة اللبنانية وكل قرار لـ"الدولرة" مخالف لما سلف"، مضيفة أنّ "قرار وزارة السياحة بشأن تسعيرة القطاعات السياحية كالفنادق والأوتيلات والدخول إلى بعض الأماكن السياحية مخالف للقانون".
وتأسف الكيك من الوضع الذي وصل إليه لبنان، في ظل مخالفة القوانين والتفلّت في الأسعار، مشيرة إلى "أننا نعيش في دائرة مفرغة اليوم وخالية من القدرة على ضبط ومراقبة الأسعار في ظل قطاع عام مشلول لا يمكنه القيام بمهامه أو تنفيذ صلاحياته في المراقبة الفاعلة في العديد من القطاعات".
سلامة يعتمد "الدولرة" في السوق السوداء
ورغم ذلك، ترى الكيك أنّ حاكم مصرف لبنان لن يصدر تعميمًا رسميًا بشأن "الدولرة" لأنه بحسب القانون المصرفي لا يمكنه التمنّع عن القبض بالليرة اللبنانية وما يعتمده في سياسته هو "الدولرة" في السوق السوداء -وليس في مصرف لبنان- وذلك ينعكس تسجيل خسائر في مجالات عديدة، وهذا ما أكّده للبنان صندوق النقد الدولي حين طالب باستكمال التدقيق المالي في مصرف لبنان و14 من المصارف الأخرى، نتاج فقدانه الثقة في الأرقام والحسابات والبيانات التي قدّمت إليه من المصرف المركزي وبقيّة المصارف، لأنها مزيفة ومشكوك بأمرها، فلا أحد يعلم أحقية الأرقام والخسائر الفعلية والحقيقية التي مني بها لبنان ومصارفه.
القانون يفرض عقوبات ولكن...
وردًا على سؤال عن إمكانية المحاسبة والمساءلة، أجابت الكيك أن قانون العقوبات اللبناني بالإضافة إلى القانون المصرفي يفرض عقوبات لكنها من الصعب أن تطبّق فليس بالإمكان مثلًا إغلاق مصرف لبنان، والأمر في تلك المسألة شبيه بالدخول في مغارة كبيرة لا أفق لها خاصة في ظل غياب المستندات والبيانات المالية والإثباتات الفعلية التي تدين المصرف المركزي ومعه بقية المصارف. من وجهة نظر الكيك، فإنّ القرار هنا سياسي وليس قانونيًّا، واليوم نحن في فترة تخدير ونستنزف كـ"بلد"، وهنا تسجّل أبشع أنواع الجرائم، اذ من الصعب إعادة بناء البلد بعدما خسر المقومات البشرية والاقتصادية، فلبنان خسر الإنسان وخسر نفسه، تختم الكيك.
الدولارالمصرف المركزيرياض سلامةصندوق النقد الدولي