آراء وتحليلات
استهداف الصين من بوابة العنصرية: هجوم أميركي ممنهج
عبير بسام
لا يخفى على كل من يتابع الهجوم الأميركي على الصين منذ أن وصل دونالد ترامب إلى الحكم في العام 2016، الذي جاء لينسف الإتفاقيات التجارية مع الصين، وإتفاقيات التجارة العالمية، وغيره مما أسس له سلفه باراك أوباما، فاسحاً المجال لتحقيق اتفاقيات جديدة ضمن شروط أفضل لمصلحة الولايات المتحدة. ما فعله دونالد ترامب سهل على الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن إعادة إعلان الحرب التجارية على الصين في العلن، وليس من وراء الكواليس الدبلوماسية. وفي الحقيقة أن البيان الروسي- الصيني الذي أطلق منذ أيام والذي دعا فيه الطرفان الولايات المتحدة الأميركية إلى: عدم تسييس حقوق الإنسان للوصول إلى غايات للتدخل في شؤون الدول الداخلية، كثير من الحقيقة حول ما تحاول أمريكا اللعب على وتره في علاقتها مع العالم، ومنها الصين، ومحاولة خلق القلاقل والأزمات فيها.
اللعب على حقوق الإنسان في الصين، تدعمه المحاولات الأميركية للعب على حقوق الإنسان في روسيا وسوريا وإيران وفي أي دولة تتعارض مع مصالحها وسياساتها الإقتصادية. فمن المعروف أن الإنجاز الرئيس الذي تفخر به أمريكا عالمياً هو إنجازاتها على الصعيد الإقتصادي. ولذلك فإن تطور التجارة والصناعة وبالتالي الإقتصاد الصيني ليصل إلى حصيلة صفر فقر وصفر ديون، يشكل أزمة كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية. وبما أنّه على أميركا أن تبرر لشعبها، الذي يعيش في غياهب الركض وراء مباهج الرأسمالية، التي تلهيه بدوامة دفع الأقساط للبنوك والركض من أجل تحصيل أموال أكثر كي يدفع أكثر من أجل الحصول على مباهج أكثر، يلزم الحكومات الأميركية تبرير العداء للصين، التي لم تهاجم أميركا يوماً، ولم تهدد سلمها الداخلي أو الخارجي، فكان لابد من اتهام الصين بعدم احترام حقوق الإنسان وبأنها خطر على نمط العيش الأميركي، الذي تغار منه جميع الشعوب في العالم.
وبالتالي فقد قدمت أميركا نفسها منذ بداية الأزمة السورية و"الخريف العربي" المفتعل على أنها تحمي الإسلام. وقامت بدعم الحركات الإرهابية ومنها "القاعدة" و"النصرة". وكُشف دعم هيلاري كلينتون والديمقراطيين لإنشاء تنظيم "داعش" في العراق والشام. للأسف استغل اسم الإسلام في استذجاب عدد كبير من المعوزين والفقراء والذين يقعون تحت وطأة الجهل أو/ و شظف العيش، وخاصة في أفغانستان من أجل ضمهم إلى صفوف هؤلاء المقاتلين الإرهابيين، وفي الوقت ذاته كان العمل على التغرير بالشباب والشابات من خلال التعبئة ضد الدولة والإغراء بالمال. هذا الأمر لم يعد خافياً على أحد. وهذا الأمر، كان مدخلاً حيويّاً للأميركيين ولديمقراطيي الغرب لإستغلاله ضد الدول التي وضعت أهدافاً ويشكل فيها المسلمين أقلية فيها مثل الصين ومينمار وعدد من دول البلقان، وأحيانا في الهند وذلك بغب الطلب.
ضمن هذا الإطار، بقي ويبقى استغلال الولايات المتحدة وجود الأقليات المسلمة في الصين من أجل الغمز من قناتها للحديث عن التمييز ضدهم. وهذا ما حاولت أن تستغله مثلاً في قضية الروهينغا في ميانمار أو في قضية مسلمي مقاطعة شينجيانغ [تركستان الشرقية سابقاً]. تتمتع مقاطعة شينجيانغ بحكم ذاتي، إلا أنّها تنعم بجميع الحقوق القانونية والتنموية والوطنية المصانة في باقي المقاطعات الصينية، بحسب أدهم السيد، وهو طالب لبناني يحضر لشهادة الدكتوراة في مقاطعة ووهان المعروفة والتي اكتشف فيها لأول مرة وباء كوفيد 19 [كورونا].
ما يقوله السيد عن أوضاع المسلمين في الصين هو التالي. في البداية: "يشكل "الهان" الأغلبية في الصين. وأما الباقي فهم من الأقليات ويعتبر الإيغور جزء من هذه الأقليات". ومشكلة الإيغور أنهم يشكلون جزءاً من المقاتلين الإرهابيين المتمركزين في إدلب ومدينة جسر الشغور، والذين كانوا جزءاً من تنظيم القاعدة، والذين غرر بهم الأتراك بدعم أميركي وقطري خلال الحرب الكونية على سوريا للقتال فيها كجزء من التنظيمات الإرهابية. ويوضح السيد: أن عدداً منهم قاتلوا في أفغانستان ضد السوفييت من أفغانستان، ولكنهم بقوا منظمين تحت راية تنظيم القاعدة الإرهابي. ولكن للسيد أصدقاء من الإيغور يدرسون في جامعة ووهان وأمثالهم هم الحالة الطبيعية في مقاطعة شينجيانغ.
الأمر الثاني الذي يوضحه السيد، يتحدث فيه عن احترام أوضاع الأقليات المسلمة. فالصين اتبعت نظاماً صارماً لتحديد النسل، حيث يسمح بإنجاب ولدين فقط، إلا أنّ الإيغور منحوا تمييزاً عن جميع القوميات الصينية اذ يسمح لهم بإنجاب ثلاثة أولاد. وحينما ظهرت 3 إصابات بوباء كورونا في يورمتشي عاصمة شينجيانغ، اتبعت الحكومة الصينية نفس الإجراءات التي قامت بها من أجل السيطرة على الوباء في ووهان، وأجرت خلال ثلاثة أيام 4,3 مليون فحص PCR في المدينة، وانحصر الوباء بثلاث إصابات و(0) حالات وفاة. ودائماً بحسب كلام السيد حول الصين.
في حين، من الواضح وبحسب ما تم نشره سابقاً، تعامل أمريكا البيضاء العنصري مع السكان الأصليين ومحاولات إبادتهم التاريخية منذ أن وطأت قدم المستعمر الأوروبي أراضي العالم الجديد، وقتلهم ببنادق البارود، الذي اخترعه الصينيون لصناعة الألعاب النارية واستخدامه في الإحتفالات، ليصبح أداة قتل بيد المستعمر الأوروبي. وابادة أمم منهم عبر نشر الأوبئة مثل الطاعون والجدري، اللذان قضيا على مئات الآلاف من قبائل السو والشايان.
يوجد في شينجيانغ وحدها 22 ألف مسجد، واذا حسبت نسبة عدد المساجد في شينجيانغ إلى نسبتها في لبنان فهي أكبر منها بكثير. وتعلم في الولاية اللغة الإيغورية إلى جانب الصينية كلغتين رسميتين في المقاطعة. ويوجد في جامعة ووهان التي يتعلم بها السيد، وبسبب كبر الحرم الجامعي فيها ثلاثة مطاعم تقدم الطعام بحسب الشريعة الإسلامية ومسجد للصلاة، وهذا ما لن نجده أبداً في أية جامعة أوروبية أو أميركية. هذا مع العلم أن بين الأغلبية الصينية من "الهان" يوجد أعداد مسلمة لا بأس بها.
في الحقيقة إن التصريحات الأميركية المعادية للصين حول انتهاك حقوق الإنسان، هي تصريحات فارغة ولا أساس لها من الصحة. ومعظم الفيديوهات، التي تنتشر حول هذا الشأن هي صناعات خليجية. وتقوم على رواية شخص يختار يوم السبت ليعرض المساجد فارغة في يوم الجمعة. شيء يذكرنا بالمظاهرات التي كانت تخرج في سوريا، وهي عبارة عن عرض لأحذية المواطنين في أحد الأسواق الشعبية المكتظة، ثم تتم إضافة الصوت وتمنتج ليقال أن هناك مظاهرة إلى أن تتفلت صورة تعرض النحاسيات في سوق النحاسين أو اللحوم في سوق باب الجابية، وكلاهما في دمشق.
هذه التصريحات في نهاية الأمر هي ليست موجهة للصينين أو لحلفائهم لأنهم جميعاً يعرفون ماذا يحدث وكيف تدير الإدارات الأميركية والدولة العميقة فيها المكائد والحروب ضد كل من هم "ليسوا معنا، فهم ضدنا"، الشعار الذي رفعه جورج بوش الإبن قبل الحرب على أفغانستان والعراق. والتصريحات بمجملها موجهة لمجموع الشعب الأميركي المجهل والذي لا يعرف ماذا يحدث وراء حدود الأطلسي. هذا الشعب الذي ملئ رأسه، وبعض من رؤوسنا، بنتاج الأفلام الأميركية أفكاراً عن العصابات المكسيكية والروسية المجرمة والتي تقتل الأبرياء من أبناء جلدتها من أجل المخدرات وتبيض الأموال، وعن الحي الصيني وصناعة الأفيون وتجارة البشر، وعن كذبة الهندي الأحمر الذي يسلخ جلدة رأس الرجل الأبيض، وعن البطل جون وين المغوار، الذي ينقذ البطلة الشقراء من براثن الهندي الأحمر، وتوم كروز صاحب المهمات المستحيلة الحاضر لإنقاذ "العالم الحرّ"، وهلم جرَّ.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024