معركة أولي البأس

قضايا وكتب

قراءة في كتاب: تبغ وزيتون حكايات وصور من زمن مقاوم (2 / 3)
22/06/2024

قراءة في كتاب: تبغ وزيتون حكايات وصور من زمن مقاوم (2 / 3)

المؤلف: معين الطاهر
العنوان: تبغ وزيتون حكايات وصور من زمن مقازم – ذاكرة فلسطين
بيروت، الطبعة الأولى، آذار/مارس 2017، عدد الصفحات 416
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
مراجعة: شوكت اشتي
___________

الخلفية السياسية للكتيبة

تندرج "الكتيبة الطلابية" التي أصبح أسمها "كتيبة الجرمق"، ضمن "تيار" سياسي كان معروفًا داخل صفوف حركة فتح. بيد أنه غير محكوم بقواعد تنظيمية صارمة، كالبناء الحزبي. بل يتصف بالمرونة الكاملة، والتفاعل، وليس له قائد واحد، على ما هو موجود في الأطر الحزبية... منطلقات هذا التيار، يمكن توضيحها، انطلاقًا، مما ورد في متن الكتاب، موضوع المراجعة، وباختصار شديد، على النحو الآتي:

- الهيكل التنظيمي،  عبارة عن أجنحة، يضم، من حيث المبدأ، الكتيبة الطلابية، ولجنة 77، واللجان الوطنية.
- الطروحات فلسطينيًا، الالتزام بـ"منطلقات فتح"، وخط الكفاح المسلح، دون أي تراجع، أو تهاون، أو تراخٍ... اعتبار قيادة فتح  قيادة وطنية، ورفض "تخوينها"، على الرغم من الاختلاف مع القيادة حول سعي القيادة للمشاركة في التسوية، الأمر الذي يجعل دور التيار محصورًا في المشاركة الفاعلة والمباشرة في القتال، من هنا كانت "الكتيبة الطلابية"، مثلاً. وعليه فإن التيار، يدعو إلى تغليب التناقض الرئيس مع العدو الصهيوني، على أي من التناقضات الثانوية، والدعوة لبناء جبهة وطنية، وتضامن عربي في مواجهة العدو..

- الطروحات لبنانيًا، رفض التيار الدعوة لعزل الكتائب، كما رفض شعارات التقسيم، ودعا إلى وحدة القوى الوطنية والتقليدية، لضمان دحر مشاريع التقسيم في لبنان، وحماية الثورة، ووحدة لبنان، وكان يدعو للوصول إلى حلّ توافقي بشأن الحرب الأهلية، ووقف الاقتتال الفلسطيني السوري.
- البُعد الإيماني، كان التيار ملتزمًا، بالثقافة العربية الإسلامية، أي أن التيار، لم يكن في وضعية رفض الإيمان الديني، أو التناقض مع المعتقدات الدينية، وكوادره وعناصره، بغالبيتها، تلتزم الإسلام بشكل خاص، دون أن يعني ذلك غياب الأديان والمذاهب الأخرى من صفوفه. بل وجود التنوع المذهبي/الديني كان حاضرًا، مبدئيًا، في بنائه التنظيمي.

غير أن انتصار الثورة الإسلامية في إيران (1979)، رسّخ عند العديد من أبناء هذا التيار ما يمكن تسميته بـ"اكتشاف الإسلام"، بوصفه "طاقة ثورية" يمكنها أن تكون رافدًا أساسيًا في مسيرة التحرير.  وهم بالأساس كانوا على علاقة طيبة، مع سماحة الإمام موسى الصدر، وحركة أمل، على عكس العديد من التنظيمات اللبنانية والفلسطينية. ومن هنا كانت مساهمة التيار، لاحقًأ، في تشكيل "سرايا الجهاد"، في فلسطين، بعد الخروج من لبنان من جهة، وكانت الزيارات إلى الجمهورية الإيرانية، خاصة وأن عددًا من أبناء الثورة، كانوا قد تدربوا في معسكرات فتح، ومن ضمنها قواعد الكتيبة الطلابية.

- النظرة الدولية، رفض الانخراط في المحاور الدولية، والتركيز على قضايا الناس، وهمومهم. لذلك اعتبره البعض اتجاهًا ماويًا (نسبة إلى ماوتسي تونغ).

هذه الخلفية السياسية، و"الفكرية"، جعلت الكتيبة منغمسة في ما اعتبرته، "الخط الجماهيري". خاصة في احترام قيم وثقافة المجتمع الذي يحتضنها، وتعمل في إطاره. وهذا ما جعل الكتيبة، مثلًا، عامل توحيد، وتنظيم مقبول، وغير استفزازي، خلال تواجده في جنوب لبنان. بل كانت "الكتيبة الطلابية"، القوة الفاصلة، والساعي للتهدئة، عندما تتصادم بعض التنظيمات في ما بينها، عسكريًا في الجنوب، (الشيوعي وحركة أمل).

من هنا فإن الخلفية السياسية – "الفكرية"، جعلت "الكتيبة الطلابية"، نموذجًا مميزًا في عملها العسكري وتجربتها مع المحيط الذي تنشط فيه.

المناكفات الداخلية
هذه الإيجابيات لم تُلغِ الخلافات الداخلية التي كانت واضحة في صفوف حركة فتح. وقد تبلورت إحدى أشكال تمظهر هذه الخلافات، بين مقولتي: اليمين واليسار. إذ اندرجت "الكتيبة الطلابية"، من حيث المبدأ، في الاتجاه اليميني، وتم وسمها في أكثر من تعبير، فهي "ماوية"، وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، هي "إسلامية". أما "اليسار الفتحاوي"، فلم تتوزع تسمياته، رغم تعدد أشكاله. غير أن الغالب هو "سوفياتي الهوى"، ويمكن رصد مظهرين، على الأقل، لهذا التمظهر:

 الأول، الخلاف حول وجهة السلاح، وقد تمظهر في محور عينطورة – صنين الذي كان أبو خالد العاملة (من رموز اليسار الفتحاوي)، قائده، و"الكتيبة الطلابية" في إطار القوات المشاركة في المحور. وكان قائد المحور دائم التحريض ضد سورية، مؤكدًا أنه سيجعل من عينطورة، التي سماها "الجيب الأحمر"، "مقبرة الجيش السوري". خاصة وأن بعض المجموعات اليسارية اللبنانية والفلسطينية كانت "مسكونة بهاجس تحرير لبنان والسيطرة عليه".
 بالمقابل، كان رأي "الكتيبة الطلابية"، أنه من الأفضل، والأصح، بل من الواجب، تصحيح اتجاه البنادق الفلسطينية – السورية، والخروج من مأزق الحرب الأهلية، والتوجه إلى الجنوب اللبناني. وهذا ما لجأت إليه الكتيبة، بقرار من أبي جهاد، حيث استقرت في بنت جبيل.

ومن المفارقات هنا، أن "الكتيبة الطلابية"، هي من اضطرت لصد التدخل السوري العام 1976، في بحمدون وعاليه، بينما قوات أبي خالد العملة، انهارت أمام أول رشقة صواريخ سورية، وانسحبت دون أية مواجهة.

الثاني، التواجد في الجنوب، حيث واجهت الكتيبة، في بدايات وجودها في الجنوب العديد من العقبات والمضايقات...، إذ كان أبو موسى (من رموز اليساري الفتحاوي)، قائد القوات حينها، وبالتالي، غير منسجم مع توجهات الكتيبة ومقولاتها، ومتعارض مع من يقف خلفها سياسيًا. ويبدو أن قرار الكتيبة بالتواجد في الجنوب، لم يكن بالنسبة إليه مسألة مهمة، أو ضرورية، في تعبير آخر. لذلك لم يرغب في أن تكون الكتيبة ضمن قواته. لدرجة،  أن الأمور وصلت إلى حد تخفيض الحصة التموينية التي يُفترض تأمينها للمقاومين في الكتيبة. كما رفض إدراج الكتيبة، ضمن شبكة اتصال القوات، ولم ينفذ العديد من القرارت التي كانت تصدر عن أبي عمار، أو أبي جهاد الوزير، والتي تصب في مصلحة الكتيبة.

هذه الصورة التي وردت في متن الكتاب، موضوع المراجعة، تبدو قاسية بقوة، ومؤلمة جدًا، وبعيدة عن أي منطق إنساني، أو ثوري، أو أخوي..... ، ولعل هذه الممارسة، تكشف عن مسائل ثلاث، على الأقل، ودون الغوص في الأبعاد التنظيمية والسياسية، هي على النحو الآتي:

الأولى، إن هذا السلوك، يُضيّع اتجاه البوصلة، ويُضخم التباينات الداخلية.

الثانية، وإن هذا السلوك، يُساهم في خلخلة البناء التنظيمي، ويُرسّخ "الشلَلِية السياسية" في الإطار التنظيمي.

الثالثة، وإن هذا السلوك، يرفض الآخر، ويضرب فكرة التنوع،  ويُلغي الحوار داخل البناء التنظيمي الواحد.

وفي الحالات كافة، فإنه يتناقض مع منطق مواجهة العدو الصهيوني، وغير قادر على تأمين المقومات الأولية لهذه لمواجهة، ويُنفر المقاومين والمحيط الذي يعمل في إطاره....

تصحيح اتجاه السلاح
في خضم هذه المسيرة، انفجرت الحرب الأهلية، بعد حادثة "باص عين الرمانة" الدموية، ممّا فرض على "التنظيم الطلابي" الانتقال إلى مرحلة مختلفة كليًا. فانخرط في العمل العسكري، وامتدت مهماته لتشمل، عمليًا، جميع المناطق اللبنانية، من بيروت، في راس النبع وحي البرجاوي، إلى صنين وعينطورة، فحلت البندقية محل الكتاب، وتحول التلاميذ إلى "قادة محاور" ورواد في العمل السياسي والعسكري.

هذا النشاط المُستجد، ساهم في نمو "التيار" الذي يمثله "التنظيم الطلابي". فكان تأليف "السرية الطلابية"، بقيادة سعد جرادات (استشهد في يوم خطبته)، وكان فهيم البرغوثي، (طالب في جامعة بيروت العربية)، من أوئل شهداء السرية الطلابية.

غير أن اشتداد المعارك، والخلاف حول طبيعتها وأبعادها، خاصة بعد دخول الجيش السوري العام 1976، والمعارك مع قواته في بحمدون، فرض التفكير في تصحيح اتجاه البنادق الفلسطينية والسورية، والخروج سريعًا من مأزق الحرب الأهلية، وذلك بالتوجه إلى جنوب لبنان في مواجهة العدو الصهيوني. وهذا ما وافق عليه أبو جهاد (خليل الوزير)، وبدأ تحرك "السرية الطلابية" باتجاه بنت جبيل، والتمركز على تلالها، من هنا كانت مرحلة جديدة بكل معنى الكلمة، شكلاً ومضمونًا.

بناء على ما تقدم، يمكن القول، إن هذا التوجه، قد يكون من أهم الخطوات، وأكثرها إشراقًا، وتمايزًا. ورغم أن المقاومة الفلسطينية، في حينه، لم تنسحب من أتون الحرب الأهلية وويلاتها، لأسباب متعددة، ليس المجال للدخول فيها، غير أن هذه المبادرة، صوبت اتجاه البوصلة، وأكدت، بأشكال مختلفة، معنى المقاومة، ومبرر وجودها. رغم أن بعض الأفرقاء حينها، لم يعوا بالقدر المطلوب أهمية هذا التوجه وضرورته.  

الصمود والمواجه

ضمن هذا التوجه، لتصحيح اتجاه البنادق صمدت "الكتيبة الطلابية" في مواقعها في مواجهة العدو الصهيوني وقوات سعد حداد، وتعمقت تجربتها العسكرية، وغدت "الكتيبة الرابعة" في قوات القسطل باسم "كتيبة الجرمق"، نسبة إلى جبل الجرمق في فلسطين. كما نجحت في إقامة علاقة تفاعلية - إيجابية، مع المحيط الحاضن، الأمر الذي جعل النظرة إليها، كنموذج مختلف، عسكريًا وسياسيًا ومسلكيًا، عن السائد حينها.

وكانت المعارك، في بلدة مارون الراس، على الحدود اللبنانية – الفلسطينية تجسيدًا، للشجاعة والمبادرة، والدور الفاعل الذي قامت به الكتيبة في حرب الأيام الثمانية (آذار/مارس 1978)، ومساهمتها دون وصول العدو إلى نهر الليطاني، واحتلال جيب مدينة صور، ومخيماتها. وبعد تحرير الجنوب العام 2000، أقام الإخوة في المقاومة اللبنانية مهرجانًا في بنت جبيل، ألقى فيه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، كلمة أشاد فيها بدور الكتيبة المتميّز، وبالمقاومة الفلسطينية في الدفاع عن الجنوب. وتم تدشين نصب تذكاري في بنت جبيل، تخليدًا للشهداء الذين سقطوا خلال تلك المعارك.

من هنا يمكن الإشارة، إلى أن المعارك التي خاضتها "الكتيبة الطلابية"، والفصائل اللبنانية والفلسطينية، بينت بطولات هؤلاء المقاومين، وصلابتهم، وعمق الإيمان بالقضية، وهذا لا خلاف عليه، غير أنه كشف في بعض جوانبه، عن ضعف التنسيق في ما بينهم في حينه، ممّا شتت الكثير من الجهد والإمكانات.

استمرت "الكتيبة الطلابية" بالتطور، وحافظت على الزخم الشبابي في صفوفها، مقارنة بغيرها من القوى والفصائل، ولم تتورط في إشكالات مع غيرها، أو مع الميحط الاجتماعي الذي تعمل ضمنه. ونتيجة لهذه المسيرة، طُلب منها تحريك قوى منها إلى منطقة النبطية، بعد الهجوم الصهيوني على أرنون وقلعة الشقيف والمنطقة المحيطة. وهنا، كما في أماكن، ومواقع نضالية أخرى ظهر تمايز الشهيد علي أبو طوق، في تحصين قلعة الشقيف، لتكون أكثر مقدرة على الصمود بوجه القصف الصهيوني المستمر، وتسجل ملحمة أسطورية في مواجهة جيش العدو الصهيوني.

المعركة الأسطورة

حياة المناضلين، ليست "ملكهم الشخصي"، إنها ترتبط بالقضية التي وهبوا أرواحهم لها. لذلك لا مكان للراحة، أو الفرح عند انطلاق النفير. لأن الراحة والفرح يكونان بين الرفاق والإخوة في ميادين النضال والمواجهة مع العدو.

من هنا، ترك المؤلف مستشفى الجامعة الأميركية، حيث كانت زوجته في وضعية الولادة، وانتقل، مباشرة إلى الجنوب، بعد الغارات الأولى على منطقة الفاكهاني والمدينة الرياضية، في بيروت يوم الجمعة بتاريخ 4 حزيران 1982، وبالتالي، لم ينتظر ولادة ابنته الأولى "فدى"، أو يطمئن عن زوجته.

الوصول إلى محور النبطية – الشقيف، موقع الكتيبة، ليس بالأمر السهل مُطلقًا، والمعارك كانت على أشدها. فقد أسقط المقاومون طائرة، وأسروا الطيّار (آهارون أبخعازي)، ثم أسقطوا مروحية تحمل عددًا من الضباط، تفحمت جثثهم.

 توزعت المهام، وكان التنفيذ دقيقًا. غير أن استهتار بعض المقاومين، وغياب الحس الأمني تكون عواقبه وخيمة. فبعد لحظات من توقيف أحد مسؤولي الفصائل، سيارته العسكرية أمام مقر الكتيبة، انهمرت الصواريخ، وكانت الخسائر مؤلمة جدًا: شهداء، جرحى، تدمير.... وأصيب المؤلف إصابة بالغة في الساق، ووصلت شظية إلى الطحال. وقد طور العدو الصهيوني اليوم، تقنياته وأجهزته، مما يفرض أخذ الكثير من الاحتياطات، والانتباه "الكاملين"، وعدم الاطمئنان..... والمعارك المشتعلة في هذه اللحظات في جنوب لبنان، خير دليل على ذلك.

رغم ضراوة المعارك، وشراسة الهجوم الذي شنه جيش العدو الصهيوني، يوم 6 حزيران 1982، سجل المقاتلون على خطوط المواجهة بطولات رائعة وعديدة. ولعل معركة قلعة الشقيف، كانت وباعتراف العدو، معركة أسطورية، بكل معنى الكلمة وهي نموذج، أو "صورة مُصغرة" لما يقوم به المقاتلون اليوم في قطاع غزة، وجنوب لبنان. فقد اعترف العدو، ووثقت وسائل إعلامه، العديد من حيثيات هذه المعركة وتفاصيلها، بينما تأخرت المقاومة الفلسطينية في توثيقها.

التوثيق الصهيوني

إن ما يمكن الإشارة إليه، وباختصار، استنادًا إلى ما أورده العدو حول المعركة الأسطورة، يُشير إلى أن قوة العدو المهاجمة، كانت تُقدر بـ (1200) جندي تقريبًا، بينما القوة الفلسطينية في القلعة كانت بحدود سرية واحدة تقريبًا. ويستعرض الكتاب، العديد من التفاصيل حول مجريات المعركة، والخسائر الجسيمة التي تكبدها العدو. فقد صُدم جنود العدو من ضخامة الخسائر، وبسالة المقاومين. وبعد إنتهاء المعركة، وصل إلى قلعة الشقيف، العديد من قيادات العدو منهم، رئيس الأركان (رفائيل إيتان)، ووزير الحرب (أريئيل شارون)، ورئيس الوزراء (مناحيم بيغن)، وحشد من المصورين، وكلهم لم يكونوا على علم بالتفاصيل، ومقدار الخسائر التي تكبدها العدو.

وكان من الممكن، لولا الصدفة، أن تُصاب هذه القيادات، أو تموت، لولا "يقظة" وزير الدفاع الصهيوني. إذ مباشرة بعد أن أمر شارون الموجودين بترك الموقع، قام أحد الفدائيين الجرحى بإطلاق بضع رصاصات من بين الأنقاض، قبل أن يلفظ أنفاسه.

تساؤل مشروع

هذه المعركة، دفعت بعض المسؤولين الصهاينة، للتساؤل عن الجدوى من احتلال القلعة، وتبادل بعض القادة الصهاينة الاتهامات في ما بينهم، وتشكلت لجنة تحقيق، لكن دون الوصول إلى أية نتيجة.

إن البطولات التي سجلها الفدائيون في قلعة الشقيف، وفي مواقع أخرى خلال الاجتياح، كانت تعبيرًا صادقًا عن معدن هؤلاء الأبطال المغمورين، وعلاقتهم بالقضية التي يدافعون عنها. وما قدمه الكتاب، موضوع المراجعة، شهادة حية، عن تجربة الكتيبة الطلابية، بالدرجة الأولى، وهي تجربة غنية دون أدنى شك. لذلك لا يمكن تحميل الكتاب أكثر مما يحتمل، خاصة لجهة لفت النظر إلى مواقع المواجة، الأخرى في العديد من المناطق ضد العدو خلال الاجتياح الصهيوني.

 غير أنه كان من الممكن، أو من الضروري، الإشارة، بطريقة أو بأخرى، إلى ما تردد، حينها، عن القرار بالانسحاب الذي اتخذته، قيادة منطقة الجنوب، وليس قيادة الكتيبة الطلابية"، يوم الأحد بتاريخ 6 حزيران العام 1982، أو قبله. وتوضيح مبررات هذا القرار، وعواقبه. خاصة وأن أبا عمار، كما يذكر الكتاب، وغيره من المراجع، كان "يتحدث في أكثر من مناسبة عن خطة الأكورديون التي تفترض هجومًا مزدوجًا من الصهيونيين من الجنوب والقوات اللبنانية من المناطق الشرقية..." للإطباق على القوات الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية. لأن هذا الانسحاب، السريع جدًا، والذي قامت به قيادة القوات، له دلالاته، وكان أثره سلبيًّا على مسار المعارك، وتبعثر القوات، وسرعة توغل جيش الاحتلال في العديد من المناطق.  

استمرار المقاومة

لم تتوقف العمليات العسكرية التي قام بها المقاتلون من "الكتيبة الطلابية"/ "كتيبة الجرمق"، وغيرهم، خلف خطوط العدو. من هنا يستعرض الكتاب، العديد منها، ويفندها، ويذكر العديد من تفاصيلها، والأبطال الذين شاركوا فيها، والعقبات التي اعترضتهم، ومساراتها في أكثر من منطقة لبنانية، من بيروت، ومنطقة عميق في البقاع، وعاليه، وجسر القاسمية، ومسار الهروب من "معتقل أنصار"، ومنطقة نبع الصفا والمريجات، وعين زحلتة – الباروك، وعمليات القصف، والعديد من العمليات ضد العدو، في العديد من مناطق الجنوب، وعمليات تصفية العملاء، وزرع الألغام/العبوات، خاصة في جنوب لبنان والجبل.

فقد اعتمد المؤلف، في سرد مثل هذه البطولات، على جزء مما سجله الشهيد علي أبو طوق ما بين 1982 و1983، أما المرحلة اللاحقة (1985 - 1987)، فلم يتم الوصول إليها، كونها ضاعت مع باقي أوراق الشهيد علي في مخيم شاتيلا.

لكن ما يمكن تأكيده من هذا التوثيق الدقيق، أن هذه العمليات البطولية، وغيرها من العمليات التي نفذتها فصائل أخرى، ضد العدو الصهيوني، أسست لتستمرار المقاومة، فكرة وممارسة من جهة، وأكدت أنه لا يمكن، تحت أي ظرف، الرضوخ أو الاستسلام، أو التخلي عن مواجهة المحتل من جهة ثانية، وكشفت أن التلاحم اللبناني الفلسطيني، باتجاه فلسطين، قائم ومستمر من جهة ثالثة. فبذور المقاومة حيّة في النفوس. وهذا ما أكدته المقاومة، سابقًا، وما تؤكده، في هذه اللحظات، في جنوب لبنان، من خلال التضامن مع الأهل في فلسطين، والمقاومين في قطاع غزة.

مراجعة في كتاب: تبغ وزيتون حكايات وصور من زمن مقاوم (1)

إقرأ المزيد في: قضايا وكتب

خبر عاجل