قضايا وكتب
قراءة في كتاب: تبغ وزيتون حكايات وصور من زمن مقاوم (1 / 3)
المؤلف: معين الطاهر
العنوان: تبغ وزيتون حكايات وصور من زمن مقازم – ذاكرة فلسطين
بيروت، الطبعة الأولى، آذار/مارس 2017، عدد الصفحات 416
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
مراجعة: شوكت اشتي
___________
تتعدد الكتب التي تتناول "السير الذاتية"، ورغم تنوعها، وتمايزها، فإنها تتقاطع في إبراز "الإيجابيات" المتعلقة بالسيرة، وأصحابها من جهة، ويمكن من خلال ما تُقدمه اكتشاف بعض المعطيات عن المرحلة التي تتناولها، والأوضاع العامة المحيطة بالتجربة من جهة ثانية. من هنا، لعل السؤال الأساس الذي يمكن إثارته، بالنسبة للكتاب، موضوع المراجعة، هل يختلف هذا الكتاب عن غيره في سياق "السير الذاتية"؟ وهل يُضيف ما هو متداول عن الموضوع الذي يتابعه؟
خصيصة الكتاب
قد تكون الإجابة عن هذه التساؤلات، وغيرها، من المسائل غير السهلة. لكن المتابعة تسمح بالقول إن الكتاب، موضوع المراجعة، يتمايز عن غيره، ويُضيف العديد من المعطيات التي تسمح بالإطلالة على المرحلة التي يتابعها، مما يُعطي الكتاب أهمية خاصة، سواء لمن عايش تلك المرحلة، أو سمع عنها.
الخصيصة الأولى، تتمثل في أن الكتاب يجمع، بين "السيرة الذاتية"، والإضاءة على "السيرة الجماعية". فرغم أن النص يتابع، من حيث المبدأ، تجربة الكاتب، غير أنه لم يتجاهل، أو ينسى، أو يُهمش، "الجماعة" التي عمل معها في مسيرته النضالية. من هنا، ما كان يمكن للتجربة التي ساهم المؤلف في بنائها أن "تتكامل"، دون هذه المجموعة من المناضلين الذين ساهموا بشكل متكاتف ومتضامن، في بنائها وترسيخ دعائمها، بقوة وثبات. أي أن الكاتب، يسرد في سياق "قصصي"، سلس ومشوق، وبعيد عن الادعاء والتضخيم، مسارات حياته، والمحطات الرئيسية التي أحدثت تحولاً فيها، وصولاً إلى الالتزام الكامل بالمقاومة الفلسطينية، والانخراط في صفوفها.
الخصيصة الثانية، تتمثل في أن النص الذي نتابعه يرتكز، في سياقات عرضه على ما يمكن اعتباره "عملًا توثيقيًا" لتجربة نضالية وطنية مميزة، مشهود لها بالثبات والتواضع، في مسار الثورة الفلسطينية، باتجاه تحرير فلسطين، بدءًا من نابلس، "البداية" الحياتية، بالنسبة للكاتب، وصولاً إلى جنوب لبنان، وقيام "الكتيبة الطلابية"، والدخول في "متاهات" التنقل، كأي مناضل فلسطيني. غير أن مجالات التوثيق المهمة، تبرز في أن كل اسم من الأسماء العديدة جدًا، الواردة في متن الكتاب، يتم التعريف عنه، في الحاشية بوضوح ودقة، مع الإشارة إلى وضعه، شهيدًا، أو مُصابًا، أو أسيرًا، أو ما زال على قيد الحياة. بل يمكن القول، إن الكتاب موضوع المراجعة، يُقدم لنا معطيات مهمة عن العديد من الأبطال، منهم على سبيل المثال لا الحصر، علي أبو طوق، مروان كيالي، سعد جردات...
الخصيصة الثالثة، تتمثل في إعطاء صورة واضحة، وجلية عن "الكتيبة الطلابية"، ومساراتها، وأعمالها، ومواقفها، ورموزها، الشهداء، والأسرى، والمصابين، والأحياء...، فمن الموضوعية القول: إنها كانت نموذجًا إيجابيًا، سواء في التصدي للعدو الصهيوني من جهة، أو في طبيعة العلاقة التي نسجتها "الكتيبة الطلابية"، مع البيئة الحاضنة للمقاومة.. وهذا ما جعلها، وبعيدًا عن المواقف السياسية التصادمية حينها، تجربة مُشرقة، في إطار حركة فتح، والثورة الفلسطينية، وحركة التحرر العربية.
هذه الخصائص الأولية، تبدو مُلخصًا، لما يتضمنه الكتاب، ولا تُحيط بكل مميزاته، والمعطيات المهمة والأساسية التي يُقدمها في ثناياه.
وحدة نضالية
وعليه فإن هذه التجربة المُقاوِمة "لم تكن معزولة عن كلّ ما هو حولها، بل كانت جزءًا مهمًا فيه، ومتواضعًا منه"، وبالتالي، فإن "عِظَم دورها يرجع إلى أنهّا كانت الحصوة التي تسند الخابية"، وإلى كون جهدها مساعدًا ومكملاً، لجهد المناضلين الآخرين.
إن عنوان الكتاب، الذي جمع بين "شتلة التبغ" في جنوب لبنان، وشجرة الزيتون في فلسطين، تعبير جميل، له دلالاته الرمزية والمعبرة عن وحدة النضال وتلاحم المناضلين، باتجاه فلسطين. بل إنه تأكيد واضح، على أن الزمن المقاوم، ما زال حيًا اليوم في الزمن الحاضر، بعمق أكبر، وتجذر أعمق. إنه نضال مستمر بوحدة كفاحية أوسع، يجمع بطولات المقاومين في قطاع غزة، والمقاومين اليوم في جنوب لبنان، باتجاه التحرير، واستعادة فلسطين المحتلة.
أوهام 1967
قد تكون الصدمة الأولى، إذا كان التعبير صحيحاً، في مدينة نابلس، مرتع الطفولة، بعد أن هجرت العائلة من يافا العام 1948، والتنقل بين مصر/الإسكندرية، والكويت، والاستقرار في إربد، عروس الشمال الأردني، بعد العام 1967، ومنها إلى لبنان العام 1973، ومسيرة النضال والمواجهة في أوسع مجالاتها. يُلاحظ أن هذا المسار في التنقل، ترافق مع أحداث مفصلية، شهدتها فلسطين والمنطقة العربية، على أكثر من صعيد، وتركت أثرها البالغ التأثير في الحياة الشخصية والجماعية، كما على مصير الأوطان التي شهدت معالم من هذه المسيرة النضالية.
ومن الصور المؤلمة، في حرب العام 1967، أن الدبابات التي وصلت إلى نابلس بتاريخ 8 حزيران، بعد يومين من اندلاع حرب "الأيام الستة"، ظنها الأهالي دبابات عراقية، أو جزائرية، الأمر الذي أحدث عند الأهالي موجة عارمة من الفرح والبهجة، وأملاً بالعودة إلى يافا، وتحرير الأرض. لكن سرعان ما انكشفت الحقيقة، وظهرت أنها دبابات العدو الصهيوني التي قامت بدورها الإجرامي المعروف عنها، ماضيًا وحاضرًا.
رفض الهزيمة
كان رد الفعل على هزيمة الخامس من حزيران 1967، المزيد من التحدي والإصرار، فعلى المستوى الشخصي، انتسب المؤلف، في تلك الفترة لحركة فتح، وهو لم يتجاوز الخمسة عشر عامًا من العمر، باعتبارها حركة مقاومة للاحتلال، وعلى المستوى العام، اندفع الشباب باتجاه الانخراط في حركة المقاومة الفلسطينية، وفي المقدمة حركة فتح. وشكلت معركة الكرامة في آذار/مارس 1968، التي خاضها الفدائيون والجيش الأردني، ضد العدو الصهيوني، أول انتصار عربي، بعد الهزيمة، ممّا عزّز الاندفاع الشعبي للالتزام بالمقاومة الفلسطينية، والتطوع في صفوفها، من كل الأقطار العربية. بالرغم من ضعف الإمكانات، كان الشباب يندفع للتدريب، في الأردن خاصة، فالثورة باتجاه فلسطين حلم الشباب العربي.
انفجار الأخطاء
إن تصاعد قوة المقاومة في الأردن، واكبه العديد من السلبيات والأخطاء، وعلى أكثر من صعيد. فالمقاومة التي امتزجت بالواقع، فقدت جزءًا من مثاليتها. بحيث لم تتمكن، مثلاً، من "فهم تركيبة المجتمع في الأردن"، أو تدرك بعمق "طبيعة العلاقات والمصالح والقوى الفاعلة والكامنة فيه". إضافة إلى أنها لم تتمكن من استيعاب عشرات الآلاف من الذين انضموا إليها. وبالتالي، لم تتمكن من "إعادة صوغهم وتربيتهم على مبادئها وقيمها"، فانتقلت الأمراض المجتمعية إلى صفوفها، الأمر الذي أدى إلى مظاهر وسلوك، لا تمت لمبادىء الثورة بأية صلة.
من هنا استغلت قوى "الثورة المضادة"، هذه السلبيات، وساهمت في صنع جزء منها. كما استفادت قوى "الثورة المضادة"، من النزعة "الطفولية اليسارية"، لتوفير الأرضية الملائمة لتسريع الاصطدام مع الثورة ، في ما عُرف بـ "أيلول الأسود"، العام 1970، فتم ضرب المقاومة، وإخراجها من الأردن.
هذا المستوى الرفيع من "النقد الذاتي" المسؤول، والمركز والدقيق، يؤشر على الصدقية التي لازمت مسيرة المؤلف النضالية من جهة، وتُبيّن من جهة أخرى حاجة الثورة، في كل لحظة في مسارها النضالي، إلى المراجعة، لتصويب الاعوجاج وتقويم الأخطاء. وهذا المستوى من الفهم والإدراك، يُفترض أن يكون المعيار والبوصلة لتوجيه مسيرة الثورة في البيئة المجتمعية الحاضنة، ممّا يؤمن صمودها، ويُعزّز مسيرتها، ويؤمن ديمومتها، ويُرسي دعائم الانتصار.
بديهيات نضالية
غير أنه من الضروري الإشارة، في هذا السياق، إلى أن العديد من المناضلين، قد لا ينتبه، إلى مسألتين، على الأقل، الأولى، أن المنخرطين في صفوف المقاومة، والمقاومين، هم أبناء هذا المجتمع، ممّا يجعل، ما يُسمى أمراض المجتمع، جزءًا منهم، غير أن التقصير في ما أشار إليه المؤلف، بـ "إعادة صوغهم وتربيتهم"، يزيد من تفاقم هذه الأمراض واستفحالها، وبالتالي، تحويلها إلى "قنبلة"، تنفجر داخل الثورة، الأمر الذي يفرض على "القيادة"، اليقظة الدائمة، محاسبة المسيء، وتحمل مسؤولية الأخطاء، والعمل على تقويمها.
الثانية، صحيح أن "قوى الثورة المضادة" تستفيد من أخطاء الثورة، وهفوات الثوار، بل تعمل على زيادتها، وتضخيمها... لكن هذه القوى، الداخلية والخارجية، وعلى اختلاف أنواعها، تقف متأهبة للوثوب على الثورة، سواء بوجود الأخطاء، أو من دونها. وهذا لا يُلغي مقولة، إن الأخطاء تسرّع الهجوم المضاد، لكنها لا تُلغيه مُطلقًا. لذلك فإن ترصد المقاومة، والتصويب عليها، قائم ومستمر، وإن اتخذ أشكالاً متنوعة.
وبناء على ما تقدم، يمكن التأكيد، عل أن احترام معتقدات البيئة الحاضنة للمقاومة، وفهم بُنية المجتمع الذي تناضل في إطاره، وعدم الانجراف وراء مقولات و"شعارات طفولية"، لاستفزاز مشاعر الناس، ومعتقداتهم، أثبتت التجارب الثورية، في بلادنا والعالم، دقتها وصحتها. وبالتالي، ما زالت، قائمة كتحديات يومية أمام حركة المقاومة. ويبدو أن هذه الفكرة، نجحت، "الكتيبة الطلابية"، في تجسيدها، في لبنان. غير أنها لم تستطع المقاومة، خلال وجودها في الأردن، من تعميمها، وممارستها.
التنظيم الطلابي
إن البدايات الأولى كانت، من حيث المبدأ، روافد نضالية متعددة، التقت في إطار "التنظيم الطلابي" لحركة فتح، حيث اجتمعت في مجرى واسع، تعمق بالممارسة والمواقف والمعارك... لتُشكل تيارًا سياسيًا، كان من نتيجته، لاحقًا، "الكتبية الطلابية".
هذه البدايات المبكرة، قد انبثقت في خضم المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والجيش اللبناني، في أيار العام 1973. حيث تقدمت آليات الجيش من مستديرة الكولا، في بيروت، باتجاه جامعة بيروت العربية، غير أن "التنظيم الطلابي"، لعب دورًا أساسيًّا في الصمود، والحراسة، والمواجهة. بل كان لقذيفة الضابط غيفارا، وأبي حسن قاسم (محمد بحيص)، دور أساسي في إيقاف هجوم الجيش، وإطلاق شرارة البدء بتأليف تيار واسع، سيكون أبو حسن قاسم، قائده الأول، والقائد الفعلي لما عُرف، لاحقًا، باسم "الكتيبة الطلابية".
لقد تغيرت بعد أحداث أيار بُنية "التنظيم الطلابي" في حركة فتح، فاتسعت أطره، وازداد عدد المنتسبين إلى صفوفه، وتنوعت نشاطاته، لكن من الممكن تبويبها، مبدئيًا، ضمن مسارين: الأول، المشاركة في خوض معارك نقابية فاصلة، (إضراب الجامعة الأمريكية)، والانخراط في التحركات الطلابية على صعيد لبنان، واندارجه في"الجبهة الوطنية الطلابية" التي ضمت " الطلاب اللبنانيين في تنظيم حركة فتح، ومنظمة كفاح الطلبة، وطلاب الحزب السوري القومي الاجتماعي، وقوى أخرى ملتزمة المقاومة الفلسطينية، ويمكن أن نضيف ما لم يذكره الكتاب، طلاب الجبهة الشعبية – حزب العمل... هذه الجبهة الطلابية كانت اتجاهًا طلابيًا، مختلفًا في طروحاته وتوجهاته عن اتجاه آخر، تدعمه "أحزاب الحركة الوطنية".
الجبهة الوطنية الطلابية ركزت على أولوية النضال الوطني، أحزاب الحركة الوطنية، اعتبرت الأولوية للنضالات النقابية. هذا الخلاف، كان له تأثيره داخل هذه الأحزاب، فقد أدى، مثلًا، إلى خروج جماعي من صفوف منظمة العمل الشيوعي، باتجاه المقاومة الفلسطينية. كما أنتج هذا التعارض في الطروحات بين الطرفين، توترات مع هذه الأحزاب من جهة، واصطفافات داخل حركة فتح ذاتها من جهة ثانية.
المسار الثاني، العمل الحثيث لإقامة الدورات العسكرية في بعض القرى اللبنانية (معسكر اللبوة، ولاحقًا عين دارة، صبرا، بيصور). هذه الدورات كانت مميزة، سواء لجهة المشاركين، من الطالبات والطلاب، أو لجهة تنوع الانتماءات المناطقية والمجتمعية للمشاركين من جهة ثانية، أو لجهة ما أنتجته هذه الدورات من نقاشات وأفكار من جهة ثالثة.
إقرأ المزيد في: قضايا وكتب
13/08/2024
قراءة في كتاب : بيادر التعب (2/2)
07/08/2024