يوم القدس 2024
جمعة القدس.. ضد سردية المنافقين
كل الطرق تؤدي إلى القدس. ربما هذه الجملة المفتاحية مفيدة لفهم مدى عمق وبلاغة الفكرة الإيمانية الهائلة التي فجرها الإمام روح الله الخميني(قدس سره) بدعوته إلى تحويل الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك إلى "يوم القدس". كان الإمام يزيل قرونًا من الجهل والتخلف والخضوع عن وجه الأمة كلها، ويدعو ببساطة إلى تعريف الحل المجهول بدلالة الثابت المعلوم بالضرورة، فلسطين والقدس هي القضية الإسلامية والعربية الأولى، وهي فوق كونها قضية إيمان وشرف وإنسانية، فإنها أيضًا بوصلة العمل الصحيح والعقلاني الأول.
هذه الفكرة هي المضاد الأول لأسطورة نشأة كيان العدوّ على أرض فلسطين، إذ إنه من المعروف تاريخيًا أن أول مروج لقيام كيان عرقي مغاير عند النقطة المفصلية الرخوة من العالم العربي كان نابليون بونابرت. فهم هذا الشيطان وتعلم بالرؤية والمعاينة خلال حملته على مصر ثمّ الشام في 1798، أن مصلحة أوروبا الأولى هي تفتيت هذه المنطقة، وضمان استمرار تنازعها وشقاقها وإشغالها بأثقال واقع تحقنه أوروبا في أوصالها عمدًا. فكرة يوم القدس هي الضفّة المقابلة أو المعادل الموضوعي لجذر فرض الكيان، وهو إعادة الفرصة والمحاولة للوحدة الإسلامية، في يوم من أفضل أيامها وشهر من أفضل شهورها.
لكن اليوم وبكل حسرة وأسى فإن على الأمة التي نسيت درسها الأول "اقرأ" أن تعيد استذكار كلّ جروح الماضي وتجرّع آلامه، قبل أن يدهمها "طوفان الأقصى" بنيرانه اللافحة المندفعة على كلّ الخريطة العربية، والتي استطاعت الثلة النادرة المحافظة على عهدها وكرامتها أن تكسر فيها كلّ حدود كان يوضع فيها الإنسان العربي.
يوم القدس هذا العام 2024 يحمل بذاته معنى انتصار كبير قد وصل له محور المقاومة، ومن الضروري ابتداءً فهمه وحفظه، لما تبقى من أنفسنا وللذاكرة ولكل ما يتعلق بالضمير العربي.
من الضروري والواجب على كلّ إنسان أن يصرخ بحقيقة النصر الحقيقي الذي وصلت له الأذرع الشريفة المتوضئة في غزّة ولبنان وسورية والعراق واليمن وإيران. من الفروض الإنسانية أن نصفع المنافقين والمثبطين ودعاة الهزائم وأصحاب رايات الخيانة والاستسلام بحقنا المقدس في المقاومة، بحقنا في الثقة فيها ونبل معنى طلب العزة من الله وحده بالدم. العدو بدأت أبواقه تلوك كلمة الهزيمة والفشل بشكل اعتيادي ويومي، ويفتر حماسها وفخرها الواهم بجيشهم الذي لا يقهر سابقًا. في المقابل يتولى الإعلام العربي في أحط أزمانه الترويج للهزيمة، واظهار أنفسنا كأمة تطعن نفسها نيابة عن العدوّ في أوقات القتال، كأول سابقة تحدث في التاريخ الإنساني.
كانت مناسبة حديث سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، يوم الأربعاء 3 نيسان/ أبريل، ضمن فعاليات منبر القدس، قد أكدت هذا المعنى الذي يحرص السيد على إظهاره والتركيز عليه، وهو دعم الجانب المعنوي للمجاهدين ولجبهات الشرف، خصوصًا في هذا التوقيت المفصلي. وقد بدأ الشهر السادس من "طوفان الأقصى"، ولا تزال الأمة قادرة على استظهار الأساطير في ساحات الجهاد، وأمام كلّ إجرام العدوّ وغطرسته وعناده، وفي وجه غابة كاملة من الأعداء.
كان السيد كعادته مباشرًا وكطبيعته صريحًا لا يعرف المهادنة أو الألفاظ التي تتعدد أوجه تفسيراتها أو مقاصدها، بل شدد على حروف بعض كلماته وكأنها خرجت مغموسة بالدم والعرق لقديسينا وأنبياء ضمائرنا وقافلة تضحيات الأمة وخيط الدماء الممدود إلى السماء. قال السيد "إنَّ بعض المثبِّطين والمنافقين يركّزون على حجم التضحيات ويتركون الإنجازات، وواجبنا خصوصًا في يوم القدس تبيين النتائج التي حققها طوفان الأقصى وخاصة الخسائر الاستراتيجية للمشروع الأميركي الإسرائيلي في المنطقة".
المثير للدهشة أنه في هذا الأسبوع، ومع صدمة دخول كيان العدوّ إلى شهر سادس من جحيم حرب استنزاف ترهقه وتعذبه وتصل إلى أعصابه وتفقده الرؤية وربما الإحساس بالواقع، ومع أزمة نخبته السياسية الحمقاء التي لا يحركها سوى الجشع والطمع ولا تقودها إلا رغبات محمومة للانتصار في سباق مكاسب ذاتية نحو كراسي السلطة – وكأنها دولة عربية فاشلة تمامًا - قد نبهت البعض ممن لا يزال يفهم ويفكر خارج الإطار الرسمي، للتحذير من موجة تسونامي عاتية تهدّد إمكانية بقاء الكيان.
المؤرخ الصهيوني الأبرز إيلان بابيه، خرج بتصريحات عن "خطورة" وضع الكيان بعد مضيّ 6 شهور كاملة في طوفان الأقصى، وقال نصًا إن "هناك مؤشرات واضحة تكشف عن نهاية المشروع الصهيوني، الذي يواجه ضغوطًا أكبر من طاقاته على الاحتمال"، بغير جهد تفسير وشرح لأبعاد الموقف الأمني والاقتصادي والسياسي في الكيان، فإن روح القوّة المتحفزة الوثابة التي مكنتهم من إقامة مشروعهم واحتلال الأرض العربية والاستمرار فيها لمدة 75 عامًا قد تبدّدت، والشرخ الذي أحدثه دويّ "طوفان الأقصى" صار أكبر من قدراتهم على احتمال تصور مستقبله.
خرافة القوّة التي حوّلها آباء الكيان الشياطين إلى واقع في زمن عجز عربي شامل تحت قيود احتلال قديم وحكام أنذال، إلى أسطورة حاضرة في ذهن ووعي العالم العربي، وحقيقة أولى تصبغ رد فعله على كلّ قصص ووقائع الإجرام الصهيوني، فهذا الكيان فائق القوّة بالنسبة للعرب كحيوان ضخم وشرس، قادر على الإيذاء فوق ما يتوقعون أو تتصور خيالاتهم، وبهذه الطريقة في التفكير ربح الصهاينة كلّ حروبهم السابقة معنا، لأننا دخلنا ببساطة إلى ميدان القتال عراة، فقدنا الإرادة والإيمان فهان علينا أن ننسحب ثمّ ننسحب، حتّى صرنا حكاية هروب كبيرة فارغة، لكن هذا الزمن مضى، كما حدد سماحة السيد وقطع: تحرير الجنوب عام 2000 وبعده تحرير غزّة قد أنهيا مشروع "إسرائيل الكبرى"، وحرب تموز أسقطت مشروع "إسرائيل العظمى"، واليوم سيكون بداية النهاية لهذه الصفحة كلها من تاريخ المنطقة.
إقرأ المزيد في: يوم القدس 2024
08/04/2024