معركة أولي البأس

طوفان الأقصى

هل يفتح العدوّ معركة رفح خلال شهر رمضان المبارك؟
15/03/2024

هل يفتح العدوّ معركة رفح خلال شهر رمضان المبارك؟

شارل أبي نادر

تتزاحم تصريحات وتهديدات المسؤولين الإسرائيلين حول ضرورة تنفيذ عملية هجوم على مدينة رفح، وبالرغم من الكثير من الخلافات بين مسؤولي الكيان السياسيين والعسكريين على العديد من الملفات، يُجمع أغلبية هؤلاء على التوافق المبدئي على توسيع العملية العسكرية التي تدور اليوم في جنوب قطاع غزّة لكي تطال رفح، وذلك بحجة أن تحييد رفح من العملية، يمنع نجاح الكيان بشكل عام في عمليته ويبُعد هزيمة حركة حماس. فهل يمكن القول إن قرار إطلاق عملية واسعة على رفح ومحيطها أصبح نهائيًا وبانتظار ساعة الصفر؟

في الواقع، وبمعزل عن المعوقات الخارجية المرتبطة بحساسية العملية وخطورتها لأسباب إنسانية بسبب العدد الكبير للنازحين الفلسطينيين في رفح، كما يدّعي خداعًا المجتمع الغربي، والذي لم يستطع حتّى الآن تغيير أي مستوى من مستويات الإجرام الصهيوني في عدوانه، وخاصة الخداع الأميركي حول هذه النقطة، تبقى هناك معوقات أساسية أخرى ما تزال تؤخر هذا القرار، ومن المفترض الإضاءة عليها؛ وهي:

من بين أسباب خشية العدوّ فتح معركة رفح، هي كونه يعاني صعوبات ميدانية وعسكرية واضحة في مناوراته المعقّدة في كامل قطاع غزّة، وعلى جبهته الشمالية مع حزب الله، والتي تتطور بمستوى حساس، لا يبدو أنه قادر على استيعابها أو السيطرة عليها، في ما لو تجرأ وأطلق معركته نحو رفح.

ممّا لا شك فيه أيضًا أن المسار المتعثّر للمواجهة وللأعمال القتالية التي تخوضها وحداته، في عدة مواقع في القطاع، لا يسمح لها بفتح جبهة أخرى جنوبًا، من الواضح أنها سوف تكون ربما أصعب ممّا واجهته في أمكنة أخرى.

عمليًا، تتراجع اليوم وحدات العدوّ خائبة مع خسائر ضخمة، في مدينة خان يونس وفي قلاع المقاومة الفلسطينية المحيطة بها، وخاصة في مدينة حمد وفي القرارة وفي عبسان الكبرى، ولا يبدو أنها استطاعت الفوز بأي نقطة ارتكاز ميدانية في منطقة خان يونس، يُمكن أن تترجم أي انتصار لها في معركة حساسة، سخّرت لها جهودًا ضخمة.
أيضًا، وجدت وحدات العدو وبعد أكثر من خمسة أشهر من الحرب أن عمليتها في شمال القطاع من دون نتيجة ذات معنى، وخاصة حول ما وضعته من أهداف، لناحية تدمير حماس أو لناحية تحرير الأسرى، وما تزال وحدات المقاومة في شمال القطاع وفي مدينة غزّة تحديدًا، تتمتع بقدرات لافتة، من جهة في مواجهة وحدات العدوّ وتكبيدها خسائر موجعة، ومن جهة أخرى في إطلاق الصواريخ إلى داخل مستوطنات غلاف غزّة وصولًا إلى عمق الكيان.

طبعًا، هذه المعوقات الميدانية داخل قطاع غزّة، تشكّل أسبابًا جديّة، تؤخر قرار العدوّ بفتح معركة رفح، كما أن هاجس ما يمكن أن تتطور فيه الأمور على جبهته الشمالية، يشكّل أحد المعوقات الجدية لأي قرار فاصل يمكن أن يتخّذه نحو رفح. لكن أيضًا، هناك أسباب أخرى، تجمع الكثير من المعطيات العسكرية والميدانية والعملياتية والأمنية والسياسية، تمنع هذا القرار -عملية رفح- وهي تتعلق بما تواجهه وحدات العدوّ في الضفّة الغربية وفي القدس وعلى مداخل المسجد الأقصى وداخل باحاته، وفي توقيت استثنائي، لا يمكنها تجاوزه بتاتًا وهو شهر رمضان المبارك.

أن ينشر العدوّ اليوم نحو ٢٣ كتيبة عسكرية لمصلحة مناورته في الضفّة الغربية، أي بما قوامه بين سبعة أو ثمانية ألوية، أو بما يعادل فرقتين معززتين، في الوقت الذي يقاتل في كلّ جبهات قطاع غزّة بأقل من أربعة ألوية، فذلك يعني أن تحديات ما تواجهه، وما يمكن أن ينتظره في الضفّة الغربية والقدس تحديدًا ستكون أخطر بدرجات من تحديات المواجهة في غزّة.

هذه التحديات التي تنتظره في الضفّة الغربية والقدس، بدأت تفرض نفسها من خلال تزايد العمليات التي تنفذها عناصر المقاومة الفلسطينية ضدّ جنوده، في مواقع ثابتة أو على الحواجز المنتشرة بكثرة داخل الضفّة الغربية وعلى حدودها الجغرافية مع عمق مناطق الاحتلال، غربًا وشمالًا وجنوبًا. كما أن استراتيجيته غير الثابتة، والتي تتأرجح بشكل يومي ومتقلّب، حول قيود دخول المصلين الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، تفرض عليه وضع جهود ضخمة جاهزة للتعامل مع مروحة واسعة من الاحتمالات، وتفرض عليه إبقاء وحداته على مستوى مرتفع من الجهوزية والاستنفار العالي الدرجات.

من هنا، وانطلاقًا من كلّ ما ذكر أعلاه، لناحية التعثر الذي تواجهه وحدات العدوّ في كامل قطاع غزّة، وانطلاقًا من هاجس الجبهة الشمالية والغموض الذي يحيط باتّجاهات ومستويات تطوّرها، وانطلاقًا من التحديات الاستثنائية التي تواجه العدوّ في الضفّة الغربية والقدس ومحيط وداخل المسجد الأقصى، يمكن القول إن العدوّ لن يقدم على تنفيذ عملية هجومية على مدينة رفح ومحيطها، قبل انتهاء شهر رمضان المبارك، ولُيبقي القرار بذلك لاحقًا أيضًا، مرتبطًا بمسار تطوّر العملية التفاوضية، والتي ما تزال قائمة بقوة، بالرغم من تأخر اكتمالها ووصولها إلى تسوية مقبولة من جميع الأطراف.

إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى