طوفان الأقصى
لماذا يكشف حزب الله الآن عن بعض أسلحته النوعية؟
شارل أبي نادر
كانت لافتة مؤخرًا مجموعة الأسلحة النوعية التي كشف عنها حزب الله في مواجهة العدو الإسرائيلي، وذلك ضمن الاشتباك الاستثنائي الذي يخوضه على الحدود الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة. وبمعزل عن الأهداف العسكرية والميدانية التي أثبتت هذه الأسلحة بأنها قادرة على تحقيقها، فإنّ أغلب المتابعين كانوا مهتمين وبشكل كبير، بمعرفة الأسباب الحقيقية من وراء كشف المقاومة عن كل هذه القدرات النوعية في المرحلة الأخيرة.
ممّا لا شك فيه أن الهدف من هذا الكشف مؤخرًا هو تكتيكي ميداني محض، ومن الواضح أنه يرتبط بمسار تطور مستوى الاشتباك في مواجهة العدو الإسرائيلي، هذا المسار الذي احترمه حزب الله منذ بداية الحرب على غزة، والذي هو بعنوان دعم ومساندة المقاومة الفلسطينية في معركتها الدفاعية ضد العدوان الصهيوني في غزة وفي الضفة الغربية.
هذا المسار من التطور في مستوى القدرات والأسلحة النوعية، والتي هي ذات طابع تكتيكي، بدأ برماية هواوين بسيطة على مواقع العدو في مزارع شبعا المحتلة، في اليوم الثاني لعملية طوفان الأاقصى، ليتطور لاحقًا إلى رمايات بأسلحة فردية ومتوسطة في المزارع المحتلة المذكورة، ثم توسّع تباعًا إلى اشتباكات في أغلب المواقع الحدودية، وتطور إلى رماية صواريخ موجهة على أبراج المراقبة الحدودية للعدو وعلى وسائله وتجهيزاته كافة الخاصة بالجمع الاستعلامي وبالرصد وبالتنصت، وذلك من خلال استعمال صواريخ موجهة من الجيل الأول بداية، لتصبح لاحقًا من الجيل الثاني (كورنيت) ذات مدى رمي بحدود الـ ٤ كلم، استهدفت أيضًا أغلب دباباته التي كانت تنتشر على مراكزه الحدودية، ولتتطور هذه الأسلحة لاحقًا إلى بركان وطائرات مسيّرة قاذفة انقضاضية، ثم إلى الكورنيت المطور بمدى ١٠ كلم ومنظومة ثار الله المزدوجة الفوهات، والتي ترمي صواريخ الكورنيت.
لاحقًا، كشفت المقاومة عن صواريخ تدميرية موجهة وعن صواريخ ضد الدروع والتحصينات بمسار قوسي غير مباشر مجهزة بكاميرا محورية على الصاروخ، تعطي معطيات الهدف أو المنطقة المستهدفة للرامي أو لغرفة التحكّم بالصاروخ، ليكون الكشف الأخير عن صاروخ فلق ١ البالستي.
الهدف طبعًا هو رفع مستوى الضغط على العدو وردعه بأسلحة تكتيكية نوعية، من دون استعمال أسلحة ردع استراتيجية من التي يفتح استعمالها الباب بشكل شبه مؤكد إلى اندلاع مواجهة واسعة وحرب مفتوحة.
اذًا، نتكلم عن أسلحة تكتيكية نوعية، هدفها فرض توازن ميداني وعسكري على جبهة المواجهة الحالية، وذلك ضمن مسار الاشتباك المفتوح، والذي حتى الآن ما يزال مقيدًا بخطوط يتجاوزها العدو أحيًانًا ليكون ردًأ مناسبًا من حزب الله، من دون الذهاب إلى تطور واسع خارج دائرة القرار الحالي للمقاومة.
هذا المستوى من الردع والتوازن التكتيكي الذي أراد حزب الله فرضه على العدو، من خلال الكشف عن هذه الأسلحة النوعية المذكورة، يمكن فهمه من الناحية العسكرية والميدانية والعملياتية على الشكل الآتي:
1- المسيّرات الانقضاضية: تحقق بفضل إمكاناتها الفعالة في استهداف مواقع خلفية ومحمية للعدو، ما يشبه التوازن إلى حد ما وبنسبة معقولة، مع إمكانات العدو الجوية بالمسيّرات والقاذفات، ولو كان مستوى الدقة والقدرة الجوية لدى العدو أعلى.
2- صاروخا بركان وفلق١: انطلاقًا أيضًا من قدرة الصاروخين التدميرية، والتي تابعناها في أغلب عمليات استهداف مواقع العدو بها، وخاصة صاروخ بركان في أحد استهدافات ثكنة افيفيم، فإنّه قادر أيضًا على إحداث تدمير غير بسيط وقريب إلى القدرة التدميرية التي تسببها غارة جوية للعدو بصاروخ موجه أو بقنبلة ذكية بقدرة تدميرية تقارب الـ ٥٠٠ كلغ من المتفجرات شديدة الانفجار، وعلى مدى يصل إلى ١٠ كلم، حيث تعدّ هي المسافة القصوى التي تتركز فيها ثكنات الحد الأمامي للعدو ومواقعه القتالية والعملانية، والتي تخدم جبهته الدفاعية على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة.
3- الصواريخ الموجهة المضادة للدروع وللتحصينات: ربما في إجراء مقارنة مع ما حققه ضد دبابات العدو صاروخ كورنيت النسخة القديمة في حرب تموز ٢٠٠٦، حيث كانت مسافة الرمي لديه ٤ كلم، مع ما يمكن أن يحققه اليوم الكورنيت المطور بمدى ١٠ كلم، فإنّ هذه المقارنة كافية لوحدها للتوصل إلى استنتاج أن هذا الصاروخ المطور، مع منظومة ثار الله المزدوجة الفوهات له، سوف يفرض مستوى صادمًا من الردع التكتيكي في مواجهة أي محاولة تقدم أو هجوم مدرع أو مؤلل للعدو إلى الداخل اللبناني.
4- تضاف إلى هذه الإمكانات اليوم، قدرات استثنائية في استهداف أهداف عدوة مخفية ومحمية، ثابتة أو متحركة وعلى مسافة تصل الى ١٠ كلم، وذلك بعد أن كشفت المقاومة عن الصاروخ الموجه المضاد للدروع أو للتحصينات ATGM ذو المسار القوسي، والذي استهدف مؤخرًا قبة تنصت مخفية ومحمية داخل موقع جل العلام المعادي الحدودي.
أخيرًا، ومع إضافة قدرات الرصد والاستعلام الجوي لمواقع عسكرية حساسة داخل الأراضي المحتلة بمسيّرات خاصة بالمراقبة، والتي كشفت عن صورها مؤخرًا المقاومة، وتحديدًا لمنظومة الدفاع الجوي العدوة في موقع كفربلوم في الجليل الأوسط، يمكن أن تتكامل كل هذه الإمكانات مع بعضها لتفرض على العدو مستوى مرتفعًا من الردع التكتيكي الميداني، لن يكون حتمًا إلا مصحوبًا بعمليات اختراق لعناصر المقاومة - ولقوة الرضوان تحديدًا - إلى داخل الجليل المحتل، فيما لو فكر العدو بأي عدوان هجومي مجنون، يرى فيه محاولة للتخلص من الوضع الصعب الذي فرضه حزب الله على جبهته الشمالية وعلى مستوطني الجليل كاملًا.