طوفان الأقصى
الحرب الناعمة مستمّرة.. تحت النّار!
ليلى عماشا
شاع استخدام مصطلح الحرب الناعمة لتوصيف الارتكابات التي يقوم بها العدو ضدّنا على المستوى الثقافي والإعلامي والإجتماعي، وحضر في أدبياتنا في السنوات الأخيرة في كلّ مرّة أردنا فيها الحديث عن الأسلحة الجديدة التي يستخدمها الأعداء لتطويع ثقافتنا واختراق بنياننا القيميّ وإخضاع مجتمعاتنا.. واستخدم الغرب الإعلام بشكل أساسي في سبيل تحقيق أهدافه هذه.. وبهذا، لم يعد دور الإعلام يقتصر على نقل الوقائع والأحداث، ولا على تحليلها أو توقّع مساراتها ونتائجها، بل ذهب إلى تصنيعها والتسويق لها، ولو كانت وهمًا لا محلّ له ولا انعكاس على أرض الواقع.. عمل هذا العدو على تجنيد مؤسسات إعلامية وإعلاميين وناشطين على منصات التواصل الإفتراضي لبثّ المفاهيم المغلوطة وتشويه القيم العالية والتسويق للنموذج الغربي كنموذج متفوّق ينبغي أن يُحتذى به، على هامش تصويبهم نحو العقل الذي يعمل في خدمة الحق، وعلى إشاعة روح الدونية والإنهزام في النفوس.. خطط الهجوم التي أعدّها جاءت في مسارات مدروسة ومتوازية بحيث تستهدف جميعها روح المقاومة، عبر السعي إلى تشويه صورتها وصورة ما يتعلّق بها دينيًّا وثقافيًا وقيميًا وأخلاقيًا وطبعًا سياسيًا.
وبمواجهة هذا الحرب المنظّمة، كان جهاد التبيين عاملًا أساسيًا في التصدّي وفي النصر.. أجل.. انتصرت مقاومتنا الإعلامية الصادقة والواقعية والواضحة بمواجهة ترسانة الإعلام الغربي الذي يسوّق لسرديات وهمية ولأكاذيب وأضاليل، والدليل بحسب قول الدكتور بلال اللقيس، هو تفاعل الشعوب الغربية مع إعلامنا المحارب الذي نقل لهم الصورة الفاضحة لوحشية الصهاينة والأدلة القاطعة على كذبه، فيما عجز إعلامهم، رغم كلّ مقدراته، عن صناعة رأي عام غربي يتعاطف مع الصهاينة.. وبما أنّها حرب تُحسب نتائجها بالنقاط، فقد سجّل الإعلام الناصر للمقاومة في فلسطين نقاطًا كثيرة عرّت وجه الإدعاءات الغرب الكاذبة.. من يصدّقون؟ يصدقون إعلامنا وهو يخبر عمّا حقّقته المقاومة وعن خسائر العدو اليومية، ويهزأون من إعلام دولهم وهو يحاول عبثًا زرع كذبة مظلومية الصهاينة.
ولكن، لم تنته الحرب بعد، والشقّ الناعم منها ازداد شراسة على وقع المعارك.. والمعسكران واضحان: إعلام مقاوم بمواجهة الإعلام الصهيوني العالمي.. سلاح الأول الحق والمصداقية، أما الثاني فصِنعته التضليل والترويج للباطل.. روح الأول تقاتل، أما الثاني فآليّ لا روح فيه.. الأوّل يعتمد على الحقائق والحقوق التي يدافع عنها شهودها وأهلها، بكلّ السبل.. فيما يعتمد الثاني بشكل أساسي على مجموعات من المرتزقة الذين ينطقون تعليماته مهما كانت غبيّة وركيكة.. الأوّل يخاطب العقل والقلب ويحترمهما، والثاني يخاطب الغرائز على اختلافها ويهين العقل كما المشاعر عبر تحقير الثقافات واستهدافها.
الأول يرفع أولًا الدم والإنسانية والكرامة قبل أي اعتبارات أخرى في بثّ كلّ ما يتعلّق بالمعركة، والثاني يتخبّط في مستنقع الإجرام والوحشية والعدوانية علانية ويمعن في تبريرها كذبًا..
قاسية هي الحرب، والأثمان فيها باهظة والقرابين ليست أقلّ من الأرواح العزيزة، ولكن الجميل فيها أنّها تلغي احتمالات المنطقة الرمادية بين الحق والباطل، بين الأبيض والأسود، وتضع بشكل خاص كلّ عامل في الشأن العام أمام خيار الإنتماء لأحد المعسكرين اللذين لا ثالث لهما ولا وسط بينهما.. ولكل خيار تبعاته وأثمانه، والتي لا تأتي دائمًا ناعمة، فبعضها بلغ حدّ الاستشهاد ورفع الدم قربانًا عن الكلمة الحرّة، والثقافة الحرّة، والحق.