معركة أولي البأس

طوفان الأقصى

جبهة الشمال.. إلى أين؟
16/12/2023

جبهة الشمال.. إلى أين؟

شارل ابي نادر

 

تنقسم آراء أغلب المتابعين اليوم للحرب الدائرة على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة. يرى البعض أن هذه الحرب لن تبقى محصورة بما يجري حاليًا من أعمال قتالية متبادلة بل ستتطور وتتوسع أكثر من ذلك، في الجغرافيا وفي مستوى الاستهدافات والأعمال القتالية والأسلحة، فيما يعتبر القسم البعض الآخر بأن الحرب لن تتوسع أكثر من ذلك وستبقى مضبوطة، تقريبًا كما تسير حاليًا ضمن حدود مرسومة ضمنًا.  

لكل طرف من المتابعين المنقسمين في الرأي حول مصير هذه الحرب بين لبنان و"اسرائيل" مبرراته ومعطياته، وهذه المبررات والمعطيات يمكن الإضاءة عليها كما يلي:

يرى الطرف الذي ينتظر توسع هذه الحرب الحالية في جنوب لبنان وشمال فلسطين، بأن ما تعرضت وتتعرض له "اسرائيل" لن تستطيع تحمّله أكثر، وسيشكّل ضغطًا قويًا على حكومة الحرب في الكيان لإنهاء هذا الوضع وخاصة في موضوعين أساسيين:

- الاتجاه الأول، تصاعد الضغط على حكومة الاحتلال لتوسيع الحرب على جبهتها الشمالية ربطًا بخسائرها غير المسبوقة في الأرواح وإصابات عسكرييها، والتي تضاف بشكل يومي على خسائرهم الضخمة في غزة، ويتعلق أيضًا في خسائرها في الآليات والمنشآت والتجهيزات العسكرية والمدنية على كامل خط جبهة المواجهة مع لبنان وبعمق تجاوز المنطقة الحدودية بكيلومترات محدودة، حيث فقدت جبهة العدو قسمًا كبيرًا مما كانت تتميز به، من بنية دفاعية وعسكرية متماسكة وصلبة. حيث تمنعهم الأعمال والإجراءات العسكرية المتواصلة لحزب الله من إعادة تأهيل أو تجهيز هذه البنية الدفاعية الحدودية، الأمر الذي يبقي جبهة الكيان ضعيفة وهشة وخاصرة رخوة، ومعرضة على الدوام للاختراق، مما يشكل لهم اليوم كابوسًا صعبًا، خاصة عندما يربطونه بكابوس عملية طوفان الأقصى.

- الاتجاه الثاني، تصاعد الضغط على حكومة الاحتلال لتوسيع الحرب على جبهتها الشمالية ربطًا بالضغوط الداخلية الكبيرة على الجانبين السياسي والعسكري في الكيان، وذلك من قبل سكان مستوطنات الجليل بسبب خسائرهم الكبيرة  وعلى كافة الصعد، حيث تهجروا من مستوطناتهم وخسروا استقرارهم ومسار حياتهم الطبيعي من أعمال وتعليم واقتصاد، بعد أن ضُربت أعمالهم ومصادر أرزاقهم السياحية والزراعية والمهنية. إضافة إلى العامل المعنوي نتيجة فقدانهم الثقة بكيانهم بعد اكتشافهم فشل أجهزتهم العسكرية في تحقيق أمنهم وفي حمايتهم وتأمين الاستقرار لهم، على عكس ما وعدتهم به حكومتهم، حيث كانوا قد بنوا قرار هجرتهم من خارج الكيان للعيش فيه على تلك الوعود، مما خلق لدى هؤلاء حالة يأس، دفعت بقسم كبير منهم للهجرة المعاكسة، والتي ستتوسع بين أغلب اليهود الصهاينة المهاجرين إلى الكيان، لتصبح هجرة دائمة بالنسبة للكثيرين من الذين تسمح لهم ظروفهم المادية والاجتماعية والمهنية بالعيش خارج هذا الكيان، الفاقد بنظر هؤلاء لنسبة كبيرة من الأمان والاستقرار والحياة المتوازنة.

أما بالنسبة للقسم الآخر، والذي يعتبر بأن الحرب لن تتوسع أكثر مما هي عليه الآن، فله أيضًا مبرراته ومعطياته التالية:

أولًا: يعتبر هؤلاء أن "إسرائيل" هي في الأساس مردوعة من حزب الله بشكل كامل نظرًا لما يمتلكه من قدرات وأسلحة نوعيّة، ستكون مدمّرة لجانب كبير من منشآتها وداخلها بما يحويه من مدن ومستوطنات، مع ما يمكن أن يحمله هذا الدمار المرتقب من خسائر ضخمة، ويضاف إلى هذا الردع الذي يفرضه حزب الله أساسًا عليها أنها اليوم تخوض حربًا شرسة مع المقاومة الفلسطينية في غزة لا يبدو أنها قادرة على الإفلات من الهزيمة فيها. وتباشير هذه الهزيمة بدأت تكتمل تباعًا في فشلها حتى الآن - وبعد سبعين يوما من اندلاعها - في تحقيق أي من أهدافها في هذه الحرب، وفي الخسائر الضخمة والصادمة التي تسقط لها، وخاصة في عديد عسكرييها من ضباط وجنود من قتلى أو مصابين أو معوّقين، الأمر الذي يحول دون أن تفتح جبهة ثانية شمالًا، وحتمًا، لن تكون أسهل من حربها في الجنوب بتاتًا، لا بل ستكون- فيما لو توسعت كما يُصبح مقدرا عند تطورها- أصعب عليها بأضعاف مضاعفة في الخسائر وفي التداعيات.

ثانيًا، يعتبر أيضًا أصحاب نظرية استبعاد توسع الحرب بين حزب الله و"اسرائيل"، أن قرار الأخيرة حول هذه الحرب الواسعة لا تملكه هي، بل هو لدى الإدارة الأميركية، والتي هي اليوم من يدير ويرعى ويقود الحرب على غزة وليست "إسرائيل". وواشنطن هنا تجد في توسيع "إسرائيل" لعملياتها القتالية والجوية شمالًا أي باتجاه الداخل اللبناني فرصة كبيرة لانزلاق المواجهة نحو حرب واسعة، تراها واشنطن أنها لن تكون لمصلحتها، وحتمًا لن تكون لمصلحة "اسرائيل"، خاصة في ظل ما تراه وتكتشفه من تعثر وضعف وارتباك وفشل إسرائيلي في المواجهة في غزة حاليًا.

طبعًا كل طرف لديه معطياته ومبرراته المنطقية والواقعية، ويبقى المعيار الأساسي مرتبطًا بالتطورات المقبلة التي سترجح كفة نظريّة كل جهة، وحتمًا، سيكون للتطورات المرتبطة بالحرب في غزة التأثير الأكبر في اتجاه هذا المسار. وأهم هذه التطورات المؤثرة اليوم، خسائر العدو المتدحرجة بشكل دراماتيكي في الأيام الأخيرة، وقدرته على الاستمرار في تقبّل هذا النزف القاتل، والموقف الأميركي الذي يبدو أنه تغيّر مؤخرًا، والضاغط بقوة لإيجاد مخرج للمستنقع الذي أوقعت نفسها "إسرائيل" فيه.
 

إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى