طوفان الأقصى
طرابلس تجدد العهد لقضية فلسطين والمقاومة
غنوة سكاف
تحت عنوان "المسيرة الكبرى" انتصاراً لغزة العزة وتأييداً للمقاومة التي تواجه حرب إبادة صهيونية، لبت الجماهير الطرابلسية دعوة "هيئة دعم فلسطين" في طرابلس والقوى والأحزاب الوطنية والإسلامية والناصرية ولجنة أصدقاء الأسير يحيى سكاف والهيئات النقابية والأهلية والكشفية والفصائل الفلسطينية، للمشاركة بالمسيرة الحاشدة التي جابت شوارع عاصمة الشمال-طرابلس، والتي انطلقت من شارع المدارس جانب بلدية طرابلس، وصولاً إلى نهاية المسيرة حيث كان التجمع الضخم في ساحة النور. المسيرة شهدت مشاركة واسعة لأبناء مدينة طرابلس من كافة أطيافها وقواها السياسية ليؤكد المشاركون أن فلسطين هي قضية يتوحد تحت رايتها كافة المؤمنين بقدسية الصراع مع المشروع الصهيوني في المنطقة، ولأن العدو لا يفرق بعدوانه ومجازره بين طائفة وأخرى، ولا سيما باحتلاله للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، كما قصفه في العدوان على قطاع غزة للمساجد والكنائس.
الجمعة 15 تشرين الأول كان الموعد في ساحات طرابلس تزامنًا مع الدعوة التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية للجماهير العربية والإسلامية ولأحرار العالم لكي يخرجوا بالتظاهرات نصرةً للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لمجازر وحشية يومية، فكانت الاستجابة من طرابلس بخروج الآلاف بمسيرة حاشدة تحت راية العلم الفلسطيني ومجسمات للمسجد الأقصى وصور لشهداء غزة، مع إحراق العلم الصهيوني، للتأكيد أن فلسطين هي البوصلة الأساسية والمركزية للنضال الحقيقي.
ما إن انتهى الطرابلسيون من تأديتهم لصلاة الجمعة حتى بدأت التجمعات في الشوارع التي ستسلكها المسيرة مع اغلاق للمحلات التجارية وكأن طرابلس المدينة الوحيدة التي تستكمل الإضراب العالمي تضامناً مع غزة الذي مر منذ أيام. هذا المشهد أكد أن طرابلس جاهزة وحاضرة في أي لحظة لمساندة الشعب الفلسطيني، هذا ما عكسته الحماسة التي كانت ظاهرةً على وجوه وأعين كل من حضر إلى المسيرة، وكذلك الصرخات المدوية التي كانت تخرج هاتفةً من القلوب عشقاً لفلسطين.
مشهد المسيرة الكبرى وهي تجول بشوارع طرابلس، أعاد المشاركون بالمسيرة والمتابعين للواقع الطرابلسي بالذاكرة لأيام الانتصار التاريخي الذي تحقق على العدو في ٢٥ أيار عام ٢٠٠٠ من خلال دحر العدو الصهيوني عن جنوب لبنان وتحريره من رجس الاحتلال تحت مرمى نيران رجال المقاومة الإسلامية البواسل، حيث خرجت طرابلس حينها برجالها ونسائها وشيوخها وأطفالها للاحتفال بالنصر، معلنين تأييدهم للمقاومة، لأن لطرابلس حصة كبيرة في المشاركة بالصراع مع العدو من خلال تنفيذ العديد من أبنائها ومن أبناء الشمال من المنية وعكار، عمليات بطولية نوعية ضد قوات الاحتلال في جنوب لبنان.
طرابلس التي خرجت بعد أيام من ٢٥ أيار ٢٠٠٠ لتستقبل في شوارعها الآليات التي غنمتها المقاومة من جيش العدو بلوحة محفورة بالعز والفخر في ذاكرة الطرابلسيين خصوصاً والشماليين عموماً من خلال نثر النساء الطرابلسيات الأرز والورد على عناصر المقاومة المحيطين بالآليات والدبابات الصهيونية، قابلتها حينها المقاومة الإسلامية بإهداء أبناء المدينة غنيمة عبارة عن دبابة صهيونية ووضعها في إحدى ساحات مدينة طرابلس للتأكيد أن المقاومة الإسلامية وفيةً لجماهيرها وهي تشاركهم بالانتصار العظيم الذي تحقق على العدو الصهيوني.
وكما كانت طرابلس دومًا مناصرة لخط المقاومة والعروبة في وجه العدو الوحيد "اسرائيل"، ها هي اليوم هي مدينة العلم والعلماء وأيضاً قلعة من قلاع العروبة الأصيلة التي ما زال أبناؤها متمسكين بقضية فلسطين وبمبدأ أن العدو الصهيوني هو شر مطلق، وأثبت أبناؤها أنهم ما زالوا مع فلسطين من خلال تحركاتهم المستمرة التي بدأت تزامناً مع انطلاقة معركة طوفان الأقصى، والتي كان أبرزها منذ أيام برفع علم ضخم لفلسطين من قبل بلدية طرابلس وشخصيات لبنانية وفلسطينية في ساحة القدس-عند المدخل الجنوبي للمدينة.
طرابلس خرجت بالأمس بلوحة بشرية هادرة لتجدد موقفها الحاسم إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته، أثبتت خلالها الجماهير الطرابلسية أصالتها التي لم يتمكن أحد من انتزاعها رغم كل الصعوبات والأزمات التي مرت على المدينة، ورغم محاولات بعض القوى الإقليمية المطبعة مع كيان العدو حرفها عن بوصلتها وأخذها إلى محاور تجعلها رهينةً لسياسات فتنوية. معركة طوفان الأقصى أعادت تثبيت صورة طرابلس الحقيقية التي لا غبار عليها بأنها المدينة المناصرة للقضية الأساس فلسطين، وأنها ستبقى حاضنة للقضية الفلسطينية ولقوى المقاومة في فلسطين ولبنان مع ما يقدمه مقاوموا الفصائل الفلسطينية ومقاومة حزب الله من استبسال تاريخي قلّ نظيره في مواجهة العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية التي تدير المعركة.
أخيراً: إن كل الذين راهنوا على تغيير صورة طرابلس قد خسروا وبقيت هذه المدينة على أصالتها واستعادت بريقها الذي لا يمكنها التخلي عنه مهما طال الزمن.