طوفان الأقصى
اتجاهات الحرب في غزّة.. وخيارات العدو المفترضة
شارل أبي نادر
في متابعة موضوعية للوضع في قطاع غزة، من النواحي العسكرية والميدانية والسياسية والانسانية كافة، لا يبدو أن هناك ثغرة يمكن أن تؤدي إلى وقف القتل والتدمير والإجرام الصهيوني الانتقامي. في المقابل، لا قرار للمقاومة الفلسطينية بالاستسلام أو التراجع عن المبادىء والمسلمات الرئيسة التي تحمّلت على أساسها هذه التضحيات الضخمة.
فإلى أين يمكن أن تنحى هذه المواجهة؟ وهل يمكن أن يُفتح باب معين للخروج من هذه الحرب المجنونة؟
لناحية وضع العدو، كل المعطيات تفيد بأنه مضغوط ومنهك على المستويات كافة، وهي:
ميدانيًا وعسكريًا:
فشل جيش العدو، في شمال القطاع، في تحقيق أي إنجاز واضح يمكن أن يلبي ولو بنسبة معقولة أحد أو كل الأهداف التي حددها لعمليته، مثل تدمير البنية العسكرية لحماس أو تحرير كل أسراه بالقوة، وحتى ضمن المناطق التي دخل إليها وتوغل في أحيائها وشوارعها، في وقت ما تزال فيه وحداته تتعرض لعمليات استهداف قاسية. إذ تزداد يومًا بعد يوم خسائره من الضباط والجنود من قتلى ومصابين، وفي الآليات من تدمير كلي أو جزئي أو إعطاب وخروج من الميدان، وذلك عبر القنص والاستهداف بالقذائف المضادة للافراد أو للآليات، وبِرِمَايات الهاون أو بالعبوات الناسفة المحضّرة من المقاومة بإتقان لافت.
هذا الارتفاع اللافت مؤخرًا لقتلى جنوده وضباطه، لم يعد العدو معه يعد قادرًا على إخفائه كما في السابق، ولن يستطيع أن يتحمل تداعياته المؤلمة التي سيكون لها حتمًا تأثير كبير على مجتمعه، والذي لم يخرج أصلًا من صدمة طوفان الأقصى.
من جهة أخرى، وفي الوقت الذي كان وما يزال يتخبط - بكل ما للكلمة من معنى- في شمال القطاع، انحرف مضطرًا إلى فتح جبهة أخرى باتجاه خان يونس. فقد رأى في ذلك إمكانًا ما لتحقيق صورة أو عنوان لإنجاز معين، يمكن أن يدفع به إعلاميًا كمخرج لورطته المعقّدة، فدخل من جديد في ورطة ميدانية أخرى، ستكون أقسى عليه من ورطة شمال القطاع، كونه نشر عددًا كبيرًا من آلياته وبشكل متسرع على أكثر من محور مفتوح بين شمال خان يونس في منطقة القرارة من اتجاه وادي غزة، وبين شرق خان يونس من اتجاه الزنة وبني سهيلا ومعْن. وفي وقت تسارعت فيه ضده عمليات الاستهداف وإسقاط جنوده في الشمال، وقعت وحداته في مصيدة شرق خان يونس على المحاور المذكورة، وبدأ مجبرًا يعترف بخسارة عدد كبير من جنوده وضباطه أيضًا على تلك الجبهة، لتضاف إلى خسائره الأخرى، والتي لم تتوقف في شمال القطاع، وخاصة في الشجاعية وجباليا.
سياسيًا وداخليًا:
هناك أكثر من نقطة في هذا الإطار، تشكّل ضغطًا كبيرًا على سلطة العدو اليوم، بالمواكبة مع الحرب الخاسرة وغير المتوازنة التي يخوضها جيشه ضد غزة، وهذه النقاط الضاغطة يمكن الإضاءة عليها وفقًا للأتي:
ملف الأسرى
في الوقت الذي توحي فيه كل إجراءات العدو العسكرية والأمنية بأنه يبتعد عن تحقيق هدف تحرير أسراه الباقين، وهم بغالبيّتهم من العسكريين أو الاحتياط، تتصاعد موجات الهجمات العنيفة لأهالي هؤلاء الأسرى ضد الحكومة والجيش بشكل غير مسبوق. ويبدو أن تأثيرات هذه التهجمات على الساحة الداخلية تكبر وتتزايد بسرعة ككرة الثلج، وستحدث انفجارًا شعبيًا وسياسيًا لن تكون حكومة نتنياهو المتهالكة أصلًا قادرة على احتوائه.
الخلافات بين قادة العدو السياسيين والعسكريين
في الوقت الذي تحتاج فيه كل سلطة، في أثناء الحرب، الى التماسك بأكبر قدر ممكن، حتى مع وجود خلافات سياسية أو حزبية بين مكوناتها، تعيش سلطة الكيان اليوم خلافات عنيفة بين أطرافها بشكل غير مسبوق في تاريخها، حيث الاتهامات المتبادلة بين رئيس الحكومة وبين وزير الحرب، وتقاذف المسؤولية عن الاخفاقات المتراكمة في طوفان الاقصى أو لاحقًا في الحرب على غزة في العلن وفي الإعلام، بين الوزراء وبين قادة الجيش ومسؤولي الأجهزة الأمنية والمخابرات.
مع كل هذه الاخفاقات في الميدان، والخسائر غير المسبوقة لدى جيش الكيان، تضاف إلى الخلافات السياسية الداخلية وإلى التوتر والفوضى وفقدان التوازن الداخلي بسبب الضياع والغموض حول معالجة قضية الأسرى، يتزايد يومًا بعد يوم مستوى ضغط الرأي العام الدولي على حكومة الاحتلال بسبب المجازر والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ترتكبها "إسرائيل" في فلسطين المحتلة، بين غزة وبين الضفة الغربية، وحتى مع تجاهل حكومات أغلب الدول لمواقف شعوبها ضد "إسرائيل"، لن يكون باستطاعة هذه الحكومات البقاء على هذا الموقف المحايد أو المتفرج على هذه المجازر، اذا لم نقل الداعم لـ"اسرائيل" في ارتكاباتها هذه. وستكون هذه الحكومات مجبرة على اتخاذ مواقف تلبي، ولو بالحد الأدنى، مطالب ومواقف شعوبها. وهذا الأمر بدأت تظهر نتائجه من تقارير تحقيقين منفصلين لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" والعفو الدولية، أشارا إلى أن الضربتين الإسرائيليتين على صحفيين، في جنوب لبنان يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانتا هجومًا متعمدًا على مدنيين، وهما بالتالي "جريمة حرب".
من هنا، وأمام هذا الوضع الخاسر الذي تعيشه "إسرائيل"، ميدانيًا وعسكريًا وداخليًا وسياسيًا ودوليًا، لم يعد باستطاعتها المكابرة والاستمرار في مسار الفشل والاجرام. وكل تأخير في استدراكها لما ينتظرها من تداعيات على ما ترتكبه من مجازر، سيضاعف هذه التداعيات عليها. بالتالي، مع انسداد الأفق العسكري أمامها، ومع ارتفاع الضغوط عليها إلى مستوى بدأ يظهر أنه أكبر من طاقتها على التحمّل، أصبح واضحًا ومفترضًا بأنها لن تستطيع متابعة هذا المسار، وستنكفئ قريبًا باحثة عن حلّ مناسب مختلف "بالقوة"، لتحرير ما تبقى من أسرى إسرائيليين عند حماس.