طوفان الأقصى
صمود أسطوري في غزة.. ولا تفاوض تحت النار
شارل أبي نادر
في الوقت الذي يرفع فيه العدو الإسرائيلي وبشكل تصاعدي ومتسارع من مستوى القتل والدخان والنار في حربه الإجرامية التدميرية على غزة، تتثبت أكثر وأكثر مواقف مسؤولي وقادة المقاومة الفلسطينية في كل الأراضي المحتلة وفي خارجها. وبعكس المواقف والتصريحات الرمادية لأغلب مسؤولي الإقليم والعالم، وخاصة أغلب العرب الذين يدعون كذبًا أنهم حريصون على مصلحة وحقوق ودماء الشعب الفلسطيني، يُظهر قادة المقاومة الفلسطينية إزاء ذلك مواقفَ حاسمة وتصريحات واضحة وضوح الشمس، ولا تحمل أي التباس أو أي نوع من الرياء والخداع من ما تحمله مصطلحات ما تسمى باللغة الديبلوماسية:
- "لا مفاوضات تحت النار والموضوع بات أكبر من صفقة أسرى، الموضوع بات يتعلق بمصير القضية الفلسطينية بكاملها".
- "المقاومة مجهّزة ومعززة بحاضنة شعبية وهي مستعدة لكل السيناريوهات الإسرائيلية العسكرية، سواء الحرب البرية أو الجوية أو غيرها".
- "لا خيار للاحتلال إلا العودة إلى المفاوضات انطلاقًا من مسار المواجهة حتى الآن وخاصة في مرحلتها الأولى قبل الهدنة".
طبعًا، هذه الثقة بالنفس التي يظهرها ويؤكدها قادة المقاومة الفلسطينية اليوم، وفي خضم أعتى وأصعب حرب تتعرض لها الأراضي المحتلة في غزة، هي وليدة مسار صاخب وبطولي من الصمود الاسطوري في هذه المواجهة الاستثنائية التي تخوضها اليوم وحداتها، مواجهة قاربت الستين يومًا من الأعمال القتالية غير المسبوقة لناحية استعمال العدو لكل أنواع الأسلحة التدميرية من صواريخ موجهة وقنابل ذكية، ارتجاجية وفراغية، وعلى الأبنية المتداعية أصلًا في غزة والتي لا تحتاج إلى هذه القدرات التدميرية غير التقليدية، والتي تحضن ما تبقى من أطفال ونساء وشيوخ فلسطينيين، ودائمًا، من دون تحقيق أي هدف من الأهداف التي وضعها جيش العدو لحربه الإجرامية على غزة، إلّا لناحية القتل والتدمير فقط لا غير.
هذه الثقة اللافتة لدى قادة المقاومة في غزة، هي نتيجة عدة مسارات أفرزتها وحددتها هذه المواجهة الاستثنائية اليوم، وذلك على الشكل التالي:
في موضوع الأسرى:
الثقة لدى قادة المقاومة في تعاملها وادارتها لهذا الملف الحساس، والذي يحظى اليوم باهتمام العالم برمته، هي وليدة مسار صاخب من التفاوض الصعب، نجحت فيه حتى الآن خلال إدارة عملية التبادل، تمامًا كما حددت منذ انتهاء طوفان الأقصى في غلاف غزة وبدء عملية الرد الإسرائيلي في القطاع، وذلك خلال مفاوضات المرحلة الأولى قبل الهدنة، بالرغم من مروحة الضغوط الضخمة التي رافقت هذه العملية.
الآن، يجزم قادة المقاومة بأن مرحلة التفاوض الثانية على هذا الملف، أصبحت محسومة وواضحة: لا تفاوض تحت النار وتحت ضغط التدمير والحصار والتجويع، ولا تفاوض بعد الآن، إلا بما يرتبط بوقف العدوان كاملًا وبتحرير كامل الأسرى من سجون الاحتلال.
الثقة بما خص المواجهة والقتال:
رغم مستوى الدمار والقتل غير المسبوق الذي يتعرض له قطاع غزة اليوم، وفي كل مناطقه ومدنه، ورغم التهديدات المفتوحة التي ينفذها العدو على الأرض مباشرة دمارًا وقتلًا وخرابًا، ضد المدنيين وضد كل المنشآت الطبية والانسانية، لا تُظهر المقاومة الفلسطينية وبكافة فصائلها وبيئتها الواسعة، إلا الثبات والصمود والعناد، ولا تتراجع أو تستسلم بمواجهة آلة الدمار الضخمة والأكثر تطورًا، والتي تؤمنها اليوم واشنطن للإحتلال بشكل غير مسبوق، في الكمية وفي النوع وفي سرعة التسليم بمدة زمنية قياسية مقارنة مع أغلب الحروب الأميركية السابقة والحالية.
في هذا الإطار أيضًا، ولناحية سير الأعمال القتالية والمواجهة حتى الآن، خاصة في مناطق شمال القطاع، يمكن للمقاومة الفلسطينية أن تعتمد على ما حققته من تفوق في القتال المتقارب وفي نماذج الأعمال القتالية الخاصة، في استهداف آليات العدو وجنوده، وعلى كامل بقعة المواجهة، ضمنًا، المناطق التي أصبحت تحت سيطرة دبابات العدو، وخسائر الأخير الضخمة تعطي الحافز الرئيسي للمقاومة في متابعة القتال بهذه الثقة والثبات، مهما حاول العدو توسيع عملياته العسكرية في الجغرافيا (جنوبًا)، أو في أنواع الأسلحة والقدرات التدميرية، وخاصة لناحية استعماله تقنيات الذكاء الاصطناعي في ادارة مناورته للقتل والتدمير واختيار الأهداف، بعيدًا عن أي اعتبار للقوانين الدولية والانسانية وقوانين الحرب.
ويبقى اللافت في كلام مسؤولي المقاومة الفلسطينية بأنه لا تفاوض تحت النار، وبأن الأسرى لن يعودوا إلا بتبادل كامل، وجود ما يشبه المعادلة ذاتها التي وضعتها وانتصرت فيها المقاومة في لبنان في عملية خطف جنود العدو بهدف التبادل عام ٢٠٠٦. وحيث كان حزب الله حينها تقريبا لوحده ميدانيًا وعسكريًا بمواجهة "إسرائيل"، ولم تكن حينها قد تبلورت وتحققت وحدة ساحات محور المقاومة كما اليوم، وانتصر حزب الله في تلك المعركة، فإن ظروف معركة المقاومة الفلسطينية اليوم والمدعومة من قبل محور واسع يخوض ضد اميركا و"إسرائيل" معركة استراتيجية في شمال فلسطين المحتلة وفي العراق وسوريا وفي باب المندب والبحر الأحمر، هي ظروف مؤاتية للانتصار وتحمل كل مقومات فرض هزيمة الاحتلال.