طوفان الأقصى
.. وهل تُنتزع الحريّات بغير دم وفداء!؟
ليلى عماشا
خطفت مشاهد لقاء الأسيرات المحرّرات من المعتقلات الصهيونية القلوب والدموع، المعتقلات التي تُسمّى زورًا بالسجون لإضفاء الشرعية على مؤسّسات كيان الإحتلال.
الدفعة الأولى من بطلات فلسطين وهن يحتضنّ أهاليهن بعد اعتقال تعسّفي، مهما كانت أسبابه المكتوبة في المحاكم غير الشرعية للاحتلال، أشعلت جمر الفرح المستحقّ، والذي كان ثمنه الدم.. وهل تُنتزع الحريّات بغير دم وفداء!؟
لهفة المحرّرات لعائلاتهنّ وللأرض فضحت بشكل أو بآخر كذب العالم كلّه حين يحاضر على وجه الخصوص بقضايا المرأة وحريّتها وخصوصيّتها وحقوقها. وهنا، لا نشاركه تجزئة الحق الإنساني بين رجل وامرأة وطفل ومسنّ، إنّما ندينه بلسانه الذي ينطق عسلًا في مقاربة الحقوق، ويصمت صمت الشريك في الجرم حين يتعلّق الأمر بنسائنا ورجالنا وأطفالنا ومسنّينا.
لم تلحظ أي منظمة حقوقية نسائية حول العالم حال الأسيرات لدى الإحتلال، منذ نشأة الكيان المؤقّت إلى اليوم، وإن فعلت فبشكل سطحي يرفع العتب، ولا يقوم بأي فعل حقيقي لرفع الظلم القاتل عن الأسيرات ولو داخل أسوار الإعتقال.
تشير دراسة أعدّها مركز المعلومات الوطني الفلسطيني ــ وفا، أن عدد النساء الفلسطينيات اللواتي مررن بتجربة الأسر يفوق الستة عشر ألف فتاة وامرأة، بينهن قاصرات ومسنّات، وأن في انتفاضة الحجارة وحدها، وصل عدد الأسيرات إلى الثلاثة ألاف. واستمرّت حالات الإعتقال حتى يومنا هذا، هذا الإعتقال الذي لم يفرّق بين قاصر وراشد، وبين امرأة حامل ومسنّة، في أيّ من ظروف الإعتقال. تتحدث أسيرات كثيرات عن التعذيب الجسدي والنفسي والترهيب والتهديد وكلّ ما اعتاد الصهاينة ارتكابه بحقّ الأسرى والمعتقلين.
نعود إلى مشاهد تحرير الدفعة الأولى من الأسيرات، وإلى المنظمات النسوية التي تدّعي حرصًا على المرأة في بلادنا. في كلّ مشهد احتضان بين أسيرة وأحد من ذويها، ألف إدانة لكلّ من يستثمر في صناعة الشعارات والقضايا المتعلّقة بالمرأة، سواء في بلادنا أو في كلّ العالم تحت عنوان "المنظمات النسوية". فقد بدا وكأن لم تسمع أي منهن عن إسراء الجعابيص مثلًا، والتي اعتقلها جنود الصهاينة بعد احراقها في سيارتها، وسجنها وهي تعاني من حروق عميقة في مختلف أنحاء جسدها وحرمانها من أي عناية طبية.. تمامًا كما لم يسمعوا بتعذيب الأسيرات الحوامل، ومحاولة إجهاضهنّ بالضرب المبرح، ولا عن اللواتي أنجبن داخل زنازين الإعتقال، ولا عن اللواتي حُرمن شهورًا من زيارات أهلهن.. وليس غريبًا أن لا تلتفت هذه المنظمات إلى معاناة أسيراتنا، ولا نستهجن تفجّع جماهيرها من مدّعي مناصرة حقوق المرأة وهم يستشيطون حزنًا على "الإسرائيليات" اللواتي جرى اسرهنّ في السابع من أوكتوبر في غزّة، علمًا أن منهنّ جنديات في جيش الإرهاب الصهيوني"، ومع الإشارة أنّ المقاومة عاملتهنّ معاملة الضيوف، باعترافهنّ وتأكيدهنّ..
هي محطة جديدة ينكشف فيها زيف الشعارات والشرعات التي صنعها الغرب ويستثمر فيها بل ويحاكمنا من خلالها، ومحطة جديدة تُثبت أن لا شيء في العالم يعيد الحقوق المغتصبة إلّا المقاومة، إلّا الدم.. فهذا العالم المستكبر والطاغي والمغتر والمتجبّر، لا يفهم ولن يفهم سوى لغة الرصاص.