طوفان الأقصى
هل تنجح الهدنة الأولى في غزة؟ وماذا عن الجبهات الأخرى؟
شارل أبي نادر
تسلك الهدنة، اليوم، طريقها في قطاع غزة بعد حرب ضارية قاربت الخمسين يومًا عقب عملية "طوفان الأقصى" التاريخية. ويمكن القول، حتى الآن، إن أطراف التسوية الإقليميين، وبرعاية وضغط غربي وتحديدًا أميركي، نجحوا في إقناع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بالقبول بوقف النار لمدة أربعة أيام، مع وقف أعمال الطيران والرصد الجوي الإسرائيلي في جنوب القطاع طوال هذه المدة، ووقفها فقط فوق شماله لمدة ست ساعات يوميًا، والسماح خلال أيام الهدنة الأربعة بدخول مقنن ومحدود لبعض المواد الطبية واللوجستية إلى القطاع. وسوف يجري، خلال هذه الأيام الأربعة، وبشكل متدرج يوميًا، تنفيذ أهم بند خلال هذه الهدنة، والذي يقوم على تبادل محدود لعدد أولي من الأسرى، عُرضت أسمائهم مسبقًا من الطرفين- 50 أسيرًا إسرائيليًا مع حماس وفصائل فلسطينية أخرى، بينهم أصحاب بعض الجنسيات الأجنبية، مقابل 150 أسيرًا فلسطينيًا من سجون الاحتلال، أغلبهم من النساء والأطفال.
تُعلّق آمال أغلب الأطراف على نجاح هذه الهدنة، وعلى إمكان امتدادها تاليًا إلى هدنة أخرى، ثم تطورها إلى مسار أوسع من التهدئة، والتي يمكن أن تؤدي إلى توقف القتل والتدمير والإجرام الإسرائيلي غير المسبوق. في هذا الوقت، يعمل جاهدًا الجانب الصهيوني، وتحديدًا المتشددّ، على متابعة الحرب ووقف أو قطع أي مسار ممكن للتسوية، فبرأيه غير ذلك سيكون خسارة كبرى لـ"إسرائيل" وصفعة تاريخية لا يمكن محوها.
في الواقع، هناك عدة تساؤلات أساسية تفرض نفسها على هذا المسار؛ وهي:
- هل ينجح الطرف الصهيوني الذي يوصف بالتطرف -وكلّهم متطرفون- بالضغط على الحكومة لإكمال العدوان حتى تحقيق الأهداف؟ أم يفشل وتتطور هذه الهدنة الى تسوية سياسية توقف الحرب؟
- ماذا عن جبهات المساندة والدعم الأخرى لغزة من لبنان واليمن والعراق؟
في الواقع، كل المعطيات تؤشر إلى وصول الاحتلال الى ما يشبه الاستعصاء ميدانيًا وعسكريًا أمام امكان تحقيق أهدافه من هذا العدوان على غزة. وبالرغم من التدمير المجنون الواسع والقتل الإجرامي الذي تخطّى كل القوانين الدولية والمعاهدات والأعراف الإنسانية لم يحقق، بعد حوالي الخمسين يومًا من الحرب، أيًا من أهدافه ذات الطابع العسكري، وأهمها القضاء على البنية العسكرية لحماس، والتي يبدو أنها لم تُمسّ، بالإضافة الى تزايد خسائره يومًا بعد يوم.
العدو الذي حاول، في البداية التغطية على العدد الحقيقي لقتلى جيشه ولآلياته التي تدمر كليًا أو جزئيًا، لم يعد قادرًا على إخفاء كل ذلك بعد التوثيق الناجح والمركز بالصوت والصورة الذي قدمته حماس لمسار المواجهات ولخسائر العدو، خلال العمليات القتالية العنيفة التي تخوضها وحداتها بمواجهة قواته.
بمقابل هذا الفشل الميداني وأمام هذا الاستعصاء العسكري الصهيوني، يبدو أن الطرف المتشدد من الاحتلال، سواء كان ضمن الجانب السياسي أو العسكري، سوف يفشل في قطع الهدنة أو في وقف تطورها. يعمل هذا الطرف جاهدًا على إبقاء استمرار الفرص لتعويض هذا الإخفاق، عبر قطع أي امكان للتسوية وعبر استمرار الحرب، في وقت يرتفع فيه إمكان نجاح باقي الأطراف في تمديد الهدنة أولا، والتأسيس للشروع في مفاوضات تسوية سياسية، سيكون حتمًا النقاش فيها ملتهبًا وصعبًا ومعقدًا.
أما لجهة مسار جبهات الدعم والمساندة الأخرى لغزة، من اليمن أو العراق أو لبنان، خلال مرحلة التهدئة الأولى، فيمكن مقاربتها بالشكل الآتي:
1- الجبهة العراقية: بالرغم من التصعيد العنيف الذي شهدته مؤخرًا، وخاصة في اليوم الأخير الذي سبق الهدنة في غزة، حيث استهدفت المقاومة العراقية وبطريقة فعالة ومركزة أغلب القواعد العسكرية الأميركية في سوريا والعراق، فإنّ مسار هذه الجبهة مرشح للجنوح نحو التهدئة، حيث ترتبط أعمال المقاومة العراقية ضد الأميركيين وبنسبة كبيرة بوقف العدوان والحرب على غزة، الأمر الذي يبدو أنه سيتحقق برعاية هؤلاء الأميركيين الذين سعوا وضغطوا على الإسرائيليين للتوصل الى هذه الهدنة.
2- الجبهة اليمنية: ربما يعمد اليمنيون إلى وقف استهدافاتهم المباشرة ضد الاحتلال، في جنوب فلسطين المحتلة وتحديدًا في إيلات، تماشيًا مع انطلاق الهدنة ووقف العدوان على غزة. الأمر الذي طالبوا فيه مرارًا وضغطوا بعملياتهم لتنفيذه، ليبقى موضوع توقيف أنصار الله للسفينة الإسرائيلية معلقًا وغير واضح. وفيما طالب الأميركيون، أكثر من مرة بإطلاقها، سيكون الموقف اليمني النهائي حول ذلك مرتبطًا بخطوط التسوية النهائية التي تنهي العدوان على غزة، والتي تحفظ وتحمي المقاومة الفلسطينية بشكل أو بآخر.
3- أما بخصوص الجبهة اللبنانية مع العدو الإسرائيلي، فإنّ تطوراتها الأخيرة وما شهدته وتشهده من أعمال قتالية بمستوى مرتفع جدًا، فمن المفترض أنها سوف تأخذ مسارًا مختلفًا عن جبهات الدعم والمساندة الأخرى لغزة من العراق أو من اليمن. وذلك أن المواجهة بين "اسرائيل" والمقاومة اللبنانية بالأساس لها حيثياتها المستقلة عن الجبهة في غزة، بالرغم من ارتباط مسارها العنيف مؤخرا بالعدوان على غزة وبالجرائم الإسرائيلية غير المسبوقة على الشعب الفلسطيني، فإنّها مرشحة أن تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات.
"إسرائيل" صُدِمت من مستوى قدرات حزب الله وأسلحته النوعية التي استهدف بها مراكزه ودباباته وجنوده، ومن إصراره العنيف على إسقاط أكبر عدد من جنودها، دعما لغزة ولابناء فلسطين في كل الأراضي المحتلة. وهي ترى عدم قدرتها على تجاهل تأثيرات هذه الجبهة على كل معركتها وموقعها، وتبعًا لذلك، فإنّ هذه الجبهة ستكون غير واضحة المعالم، ومن الممكن أن تشهد الكثير من التطورات غير المنتظرة.