طوفان الأقصى
هل يتّجه الصراع إلى مواجهة شاملة؟
عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
لم يكن أحد على علم بعملية "طوفان الأقصى" حتى أقرب حلفاء حماس سوى دائرة صغيرة قريبة من محمد الضيف ويحيى السنوار. وهذا بحد ذاته كان عنصر المباغتة الأول، على الرغم من بعض الروايات التي تفتقد الحد الأدنى من الأدلة والمصداقية، حيث شكلّت المفاجأة المدوية لعملية "طوفان الأقصى"، بمسارها ونتائجها، المدخل الأول والأخير للدلالة على مستوى السرية التي أحيطت بها مرحلة التخطيط والإعداد.
للمرّة الألف أؤكد أن هذه العملية ليست مجرد عملية نوعية، وقد تخّطت بنتائجها توقعات الذين خططوا لها، بل هي بمثابة تحوُّل وتطوُّر نقل الصراع من وضعية معادلات الردع والدخول في مقدّمات معادلات النصر.
كيف انتقلت المقاومات من معادلات الردع إلى مقدّمات معادلات النصر؟
بعد ساعات من بدء العملية؛ صرّح أغلب قادة الكيان الإسرائيلي بأن ما تعرضوا له هو تهديد وجودي لا سابق له، وهو أمر دقيق وصحيح، فالكيان قام على دعامتين أساسيتين هما:
1- الجيش الذي أقيمت له دولة ووظيفة.
2- الدعم الغربي الذي بدأ بريطانيًا وفرنسيًا وأصبح فيما بعد أميركيًا.
بالنسبة إلى الجيش، ساد شعور عند قادة الكيان بأن مستوى الصدمة كان كفيلًا بإحداث انهيار كبير لا سابق له، تمثل بالقضاء على هيبته وقدراته وكشف نقاط ضعفه، ليس فقط على المستوى التكتيكي، وإنما في المستوى الإستراتيجي المرتبط بمهامه ووظيفته، وهو ما استدعى القيام بردّ الفعل الوحشية المستمرة، والتي هي بمثابة الانتقام، وليس عملًا عسكريًا.
هذه الصدمة فرضت على قيادة الكيان طرح أهداف ذات سقف عالٍ، وباعتقادي واعتقاد الكثيرين، هي أهداف غير قابلة للتحقق:
1- القضاء على حماس واجتثاثها، وهو أمر يخالف الوقائع، فحماس ليست تنظيمًا عسكريًا فقط لتنتهي إذا ما فقدت القدرة على الفعل ببعده العسكري، وإنما هي مجتمع متكامل وانعكاس لفكرة مستمرة هي المقاومة التي تغيّرت على مدى مئة عام في شكلها التنظيمي، وبقيت فكرةً قائمةً تتصاعد وتتشكّل وتتطور بأبعاد متجددة طورًا بعد طور.
2 - تحرير الأسرى الإسرائيليين بالقوة العسكرية، وهو ما لم يستطع الكيان الإسرائيلي تحقيقه أبدًا بالرغم من بعض المحاولات تاريخيًا، والتي انتهت بمآسٍ، لذلك هو مضطر لدخول مفاوضات والرضوخ لصفقة ستكون هذه المرّة من أكبر صفقات التبادل بالنظر إلى عدد الأسرى الكبير.
3- احتلال القطاع والسيطرة عليه، بشكل مباشر، أو تسليم زمام الأمور للسلطة الفلسطينية. وفي الحالين لن يستقرّ الأمر لا للإسرائيليين ولا للسلطة، وسوف يواجهون بمقاومة ستجبرهم على الرحيل، كما حصل في العام 2005.
اذًا؛ ومهما طالت المواجهة فالتدبير المنطقي الذي يجب أن تسلكه قيادة الكيان هو البدء بتحضير الأجواء للنزول عن الشجرة، وإلا البديل هو تصاعد الأمور على الجبهات الأخرى، خصوصًا أن تراجعًا قريبًا لن يحصل لا من الإسرائيليين ولا من الأميركيين، وهو العامل الأخطر الذي يشبه القنبلة الموقوته، والتي يحمل جهاز التفجير بيده هو من يدير هذه الحرب، واقصد هنا الأميركي الذي يملك وحده مفاتيح إنهاء الحرب أو توسيع مجالها ومستواها.
بالنظر إلى التناقض بين تصريحات الديبلوماسيين الأميركيين ومسؤولي البنتاغون، من الواضح أنهم يحاولون تطبيق نظرية "العصا والجزرة"، متجاهلين أن هذه النظرية لم تُفلح معهم في كل حروبهم، ما يُبقي الأمور مفتوحةً على احتمالات التصعيد وليس انخفاض وتيرة الاشتباك، سواء على جبهة غزة أو على الجبهات الأخرى. وهذا ما يدركه قادة محور المقاومة، ويعدّون له العدّة في الوقت نفسه الذي يديرون فيه المعركة بما يتناسب وخصوصية كل جبهة، وبما يحقق وحدة الساحات وتكامل الجبهات.