طوفان الأقصى
العقل الاستراتيجي للمقاومة في خطاب السيد نصر الله
إيهاب شوقي
في بدايات المقاومة الفلسطينية المنظمة بشكل جاد مع حركة فتح، رُتِّب لقاء بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مع ثلاث قيادات بارزة في حركة فتح في بواكيرها، وهم، ياسر عرفات وأبو إياد وفاروق القدومي.
وكانت مصر وقتها على رأس محور المقاومة وراعية حركات المقاومة ولها الدور البرز في تسليحها وتدريبها.
وقام الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل بترتيب اللقاء بين القادة الثلاثة وعبد الناصر، رغم مخاوف بعض الأجهزة من حركة فتح وقتها وتحفظات على بعض الصلات بينها وبين حركة الإخوان المسلمين وحزب البعث، وهي جهات كان الخلاف بينها وبين عبد الناصر كبيرا وقتئذ.
لكن جمال عبد الناصر تجاوز عن هذه التحفظات والمحاذير لأن الهدف كان كبيرا، وهو وجود مقاومة فلسطينية منظمة تكون بمثابة حجر أساس على طريق التحرير.
وموضع الشاهد هنا، هو ما دار باللقاء وما قاله عبد الناصر لقادة فتح، حيث طلب نصا "أريد أن ارى ولو طلقة رصاص واحدة يوميا في الأرض المحتلة".
هنا نقف أمام مفتاح استراتيجي هام، وهو ديمومة المقاومة ولو كانت قليلة ولو كانت حتى رمزية، إلا أن وجودها على الدوام هو نصر استراتيجي لأنها تتنامى والأهم أنها تقول للعدو أن الحقوق ثابتة ولم ييأس المطالبون بها.
ومن يلاحظ تحركات وممارسات محور المقاومة، فإنه يلمح أن هذا العقل الاستراتيجي هو المحرك، وليس العقل الاستعراضي.
والمراقب لخطابات الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله، يلمح حرصه الدائم على التوصيف الدقيق للصراع ومساراته وتوازناته والحديث بشكل مكشوف يخلو من الغموض عن رهانات المقاومة الاستراتيجية، بينما يلتزم الغموض البناء فيما يخص نواياها وأسلحتها وبعض تفاصيلها.
وفي الجولة المفصلية الراهنة، حرص السيد نصر الله على إبراز نقاط ضعف العدو التي يحاول سترها بجرائمه البشعة، وحرص على إبراز نقاط قوة المقاومة التي تختفي تحت أنقاض المباني المنهارة وأشلاء الضحايا، لينتشلها ويبرزها أمام الرأي العام لاستعادة الثقة بقوة المقاومة وقطع الطريق على العدو ومراميه لزراعة اليأس والترهيب.
المقاومة تفطن لتوصيف جوهر الصراع وسلاحه الرئيسي، فالجوهر أنه صراع وجودي ليس حدودي، والسلاح الرئيسي هو سلاح الإرادة، لذلك كل ما يريده العدو الصهيوني والأمريكي هو كسر إرادة المقاومة والشعوب.
وهنا فإن المقاومة الرئيسية لهذه الحرب تتمثل في الحفاظ على الصمود وإرادة القتال والحفاظ على ديمومته والحفاظ على المكتسبات وتطوير المعادلات بمسارات تصاعدية.
وربما يكون ذلك هو الفلسفة وراء العمليات اليومية للمقاومة في لبنان، والحرص على تثبيت المعادلات، وهو خدمة لكامل المحور وكامل الجبهات ، باعتبار أن التخويف والذي يحاول العدو غرسه لم ينجح في تمكينه بالانفراد بأي جبهة على انفراد، بل ستشترك الجبهات جميعها في المواجهة، ولو من منطلق تخفيف الضغط على الجبهة المستهدفة.
ومن يقارن هنا عقل المقاومة مع عقل الأنظمة التابعة التي لا تنظر إلا تحت أقدامها، يعرف الفارق جيدا بين الاستراتيجية والعبث وقصر النظر.
ولن تسقط المقاومة ضحية للقصف الصهيوني المجرم، رغم سقوط الآلاف الشهداء، لأن السقوط مربوط بالاستسلام والعجز، بينما ما وجدناه من بيان وكلمات للنظام الرسمي العربي هو السقوط بعينه، حيث انطوى بيانها على كل مفردات العجز والاستسلام.
فجاءت بنود بيان قمة العرب والمسلمين كلها مطالباتعوضا عنن القرارات، والأسوأ أن المطالبات موجهة لنظام دولي لا ينفصل عن المنظومة الاستعمارية التي تقود العدوان على غزة والتي ابتلعت قضية فلسطين على مدار العقود الماضية بقرارات غير منصفة ولم يتم حتى تنفيذها!
قد يستهين البعض بخروج بيانات عربية هزيلة، ولا يجده البعض أمرا لافتا، باعتباره أمرا روتينيا ومكررا ، إلا أن الأمر هذه المرة ينطوي على مخاطر كبيرة بلحاظ السياق ولحاظ المرحلة الفاصلة.
لأن الأمور لو اتجهت إلى مواجهات شاملة بين الشعوب وعلى رأسها محور المقاومة وبين معسكر الاستعمار الأمريكي الصهيوني، فإن هذه الأنظمة ستكون في اصطفاف صريح مع العدو، أي في مواجهة الشعوب.
بينما رسمت المقاومة طريقها الواضح بصبر وأناة واستمرارية، وربطت تصعيدها بتطور الميدان، ومعيارها الحاكم هو الإرادة، وربطت مواجهتها الشاملة بنقطة كسر فاصلة يتصور عندها العدو أنه نجح في المساس بهذه الإرادة.