طوفان الأقصى
أميركا رأس الأفعى.. تهتز من زلازل غزّة
بغداد: عادل الجبوري
منذ أن بدأت معركة "طوفان الأقصى" قبل حوالي أربعة أسابيع، والولايات المتحدة الأميركية تعيش أوضاعًا مرتبكة ومضطربة وقلقة الى أقصى الحدود، لأن الضربات القاصمة غير المسبوقة التي تعرض لها الكيان الصهيوني خلال فترة زمنية قصيرة جدًا، خلطت كل حساباتها، وبعثرت مختلف أوراقها، وفتحت في وجهها شتى الخيارات السيئة.
ورغم أن ميدان المعركة الحقيقي والواقعي لم يتعد حتى الآن حدود قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن غموض المشهد العام وضبابيته وطبيعة الاصطفافات والمحاور والمواقف القائمة والمتبلورة على الصعيدين الاقليمي والدولي، تجعل المشهد يبدو للكثيرين وكأنه أكبر من أبعاده ومدياته المنظورة آنيًا.
ولا شك، أنه بحكم جملة عوامل وظروف مختلفة، تشكلت عبر تراكمات أعوام أو عقود من الزمن، يعد العراق قريبًا جدًا ومعنيًا إلى حد كبير بما يجري في غزة وحولها، لذلك فإن الولايات المتحدة الأميركية راحت تتحرك وتتحسب مبكرًا حيال التفاعلات والتداعيات المحتمل حدوثها في الساحة العراقية.
ومن بين أبرز وأوضح المؤشرات على دور العراق وعلاقته بمجمل ما جرى ويجري وما يمكن أن يجري لاحقًا:
- الموقف الرسمي العراقي الرافض بقوة للعدوان الصهيوني والجرائم المرتكبة ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ذلك الموقف الذي عبر عنه بكل وضوح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في كلمته بقمة القاهرة للسلام التي عقدت في الحادي والعشرين من شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، فضلا عن ما جاء في هذا السياق على لسان رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ووزارة الخارجية، وشخصيات ومؤسسات رسمية اخرى.
-تعزز الموقف الرسمي العراقي، بمواقف سياسية وشعبية واسعة جدا، بلورتها وترجمتها بيانات وتصريحات، وتظاهرات وتجمعات ومسيّرات، ومؤتمرات وندوات وملتقيات، ومعارض ومهرجانات، شهدتها العاصمة بغداد ومختلف المحافظات والمدن العراقية.
-موقف المرجعية الدينية المتمثلة بآية الله العظمى السيد علي السيستاني، الذي جاء من خلال بيان رسمي مفصل ودقيق في رفضه واستنكاره لجرائم الكيان الصهيوني، ودعمه للشعب الفلسطيني، وتشخيصه للحل الحقيقي والواقعي للازمة، حيث بدا للكثيرين أن ما صدر عن مرجعية النجف الأشرف، أشبه ما يكون بفتوى شرعية ملزمة لمساندة ودعم القضية الفلسطينية، لا سيما في هذا المنعطف الحساس والخطير، علمًا أن موقف المرجعية الأخير يمثل امتدادًا لمواقف تاريخية مشرفة تجاه القضية الفلسطينية لمرجعيات دينية سابقة طيلة قرن من الزمن.
-ولم تكن المقاومة، بعيدة عن الحدث، وبصرف النظر عن الأسماء والمسميات والانتماءات، فإن ما وجهته المقاومة الاسلامية من ضربات للوجود العسكري الأميركي في البلاد، كقاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة حرير في اربيل، وقواعد أخرى في سوريا، وبعدها الضربات التي طالت مواقع صهيونية قرب البحر الأحمر، كلها تعدّ رسائل ومؤشرات أولية على الاستعداد الكامل للدخول على نطاق أوسع واشمل في معركة "طوفان الاقصى"، ولعل البيان الأخير للمقاومة الصادر في الثالث من شهر تشرين الثاني-نوفمبر الجاري، أشر إلى ذلك بوضوح، حينما جاء فيه "نُصرةً لأهلنا في فلسطين، وثأراً للشهداء، سنبدأ الأسبوع المقبل، مرحلة جديدة في مواجهة الأعداء، وستكون أشد وأوسع على قواعدهم في المنطقة".
وقبل ذلك بيومين، أعلن الأمين العام لحركة النجباء الشيخ اكرم الكعبي أن "المقاومة الإسلامية العراقية قررت تحرير العراق عسكرياً وحسم الأمر، والقادم أعظم.. ولا توقف، ولا مهادنة، ولا تراجع".
وقبلها، دعا زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الحكومة والبرلمان الى اتخاذ الخطوات الكفيلة باغلاق السفارة الاميركية في بغداد، ردا على الدعم اللامحدود من قبل الولايات المتحدة للكيان الصهيوني في حربه العدوانية ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
وفي الوقت الذي فتحت حركة انصار الله اليمنية جبهة على الكيان الصهيوني قبل عدة ايام، وكما فعل حزب الله في لبنان بعد يوم واحد من انطلاق معركة طوفان الاقصى، فإن المقاومة في العراق ذاهبة بهذا الاتجاه، بعد أن باتت صواريخها وطائراتها المسيّرة تصل الى "تل ابيب" وايلات وغيرهما، مع الأخذ بعين الاعتبار أن احتمالات تفجر الأمور جماهيريًا في عدد من البلدان العربية والاسلامية المحكومة بأنظمة وحكومات متعاطفة مع الكيان الصهيوني ومهادنة له، قائمة وممكنة الى حد كبير.
وهنا فإن الولايات المتحدة الاميركية القلقة على وجودها ومصالحها في العراق وعموم المنطقة، والمضطربة في مواقفها وخطواتها حيال معطيات وحقائق المعركة بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، تعيش واحدة من أسوأ مراحلها، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالوضع الكارثي السيء لـ"تل ابيب" على كل الصعد والمستويات، ولم تعد الكثير من أدوات ووسائل الضغط والابتزاز الاميركي مجدية ونافعة، لا في العراق ولا في غيره، فهذه السفيرة الاميركية في العراق الينا رومانوسكي، وتلك زميلتها السفيرة في لبنان دوروثي شيا، فشلتا أي فشل في تهدئة الأجواء وتخفيف حدة المواقف والتوجهات السياسية والشعبية المعادية لحكومتهما في كلا البلدين.
ومن الطبيعي جدًا أن يسود القلق والاضطراب كل الأوساط والمحافل السياسية والأمنية الأميركية، في خضم الانتكاسات العسكرية الفاضحة والمتوالية للكيان الصهيوني، وما تبعها من اهتزازات وتصدعات اقتصادية وامنية ومجتمعية في جسد هذا الكيان، لأن المعركة في الواقع هي معركة الولايات المتحدة، كما أكد ذلك الامين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله في خطابه التاريخي الاخير.
ولم تنجح أميركا حتى الآن في المحافظة على توازن الكيان الصهيوني، ولا مساعدته على استعادة زمام المبادرة التي فقدها منذ اللحظات الاولى للمعركة، لتتضح حقيقة جيشه الذي طالما وصفه كبار ساسة الكيان وقادته العسكريين والامنيين بأنه "الجيش الذي لايقهر".
لو كانت واشنطن قادرة على أن تحفظ ماء وجه الكيان الصهيوني لفعلت، ولو كانت قادرة على تجنيبه الخسائر الكبيرة والانكسارات المذلة لما تأخرت، وكذلك فإنها لو كانت قادرة على التصدي لضربات المقاومة ضد وجودها العسكري في العراق وسوريا، لما بقيت صامتة وتكتفي بدفع بعض أتباعها وأصدقائها للتوسط لدى هذا الطرف أو ذاك لاقناع المقاومة التوقف عن استهدافها. ولم يبتعد مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق جون بولتون عن الواقع حينما قال "إنهم يسخرون منا في طهران وفي مقرات حماس وحزب الله والحوثيين والفصائل الشيعية العراقية.. إيران تقوم بلا خجل بالدفاع عن الهجمات ضد الولايات المتحدة، وتسخر من ضعف الولايات المتحدة...هي مسألة وقت فقط قبل أن ندفع ثمنا باهظاً"!.
وغير بولتون، الكثيرون اليوم في واشنطن، من ساسة واكاديميين وأصحاب رأي وكتّاب واعلاميين، يتحدثون ويكتبون بنفس المعنى، بل واوضح من ذلك. ولسان حالهم جميعا، "ان الهزائم والانتكاسات والانكسارات لم تلحق باسرائيل فقط، وانما كان وقعها أشد على الولايات المتحدة الاميركية"، علمًا أن المواجهة على ما يبدو ما زالت في بداياتها، ولم تلح نهاياتها بعد في الافق.