معركة أولي البأس

طوفان الأقصى

الدم والسيف على طريق القدس
01/11/2023

الدم والسيف على طريق القدس

أحمد فؤاد

"كان النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، يلتفت الى اليمن ويشمّ الريح ويقول: انّي لأنشق روح الرحمن من طرف اليمن".

في العهد القديم، يبدأ سفر التكوين –الأول- بالجملة الأشهر، في البدء كانت الكلمة، لكن في عالمنا العربي يمكن أن نحور هذه الجملة ببساطة لتناسب عصرنا، لتكون "في البدء كانت فلسطين"، كانت فلسطين "الحق والطريق والحياة"، ولا تزال كذلك، بالنسبة لكل عربي يعرف من العروبة شرفها وأخلاقها ونبلها، ودينها، وإنسانيتها، بحد ذاتها، أمام فلسطين جميعنا نكون أو لا نكون، هو اختبار للمثل العليا والقيم.

من المثير للدهشة، والباعث على الأمل، أن تلك اللحظات في حياة الأمة العربية، قد شهدت تحولًا جذريًا، في الوعي الجمعي لآحاد الناس، فالضربة الفلسطينية المباركة صباح يوم السابع من تشرين الأول، قد خلقت لنا شعورًا بالنصر، ترافق في الروح مع اجتياح المواقع الصهيونية وسقوطها السريع، وتبخر فرقة غزة بالكامل، وكسر الجدار الأمني الذي أنفق عليه الصهيوني المليارات ليضمن فقط "الأمن"، فإذا هو الآخر وهم أكبر من القبة الحديدية، التي استطاع ذكاء المقاتل العربي قهرها، وهو يهزم تقنيات العدو كل يوم، وفي كل لحظة، ليتحول الفلسطيني في أعين العرب من لاجئ يستحق الرثاء ويستدعي الدموع، إلى مقاتل صلب، وعنيد، يفتتح بدمه أول طريق "تحرير القدس".

بالطبع لن تستطيع مدينة غزة الصغيرة المحاصرة منذ 10 سنوات، من قبل الكيان وأنظمة عربية خائنة، باعت نفسها للشيطان الأميركي، أن تقدم الجهد الكامل الذي تحتاجه معركة كبرى، انخرطت فيها كل دول الغرب الكبيرة، وسخرت لها جبالًا من السلاح والمقاتلين، وأحدث وأفتك ما أنتجه الإنسان من أدوات دمار شامل.

اليوم، أعلن اليمن العزيز دخول المعركة رسميًا، عبر بيان جيشنا العربي اليمني البطل، باستهداف ميناء إيلات الصهيوني بالصواريخ الباليستية والمسيرات، ووصلت الضربات المباركة إلى أهدافها، مع تعتيم وتضليل صهيوني كاملين على نتائج العملية.. لكن للتثبيت فقط، يملك اليمن ترسانة ضخمة من الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، شديدة الفعالية ودقيقة التوجيه، وقد جربها حلف الشر الشيطاني في مركز الصناعات النفطية السعودية، وهي قادرة على قلب معادلة الحرب رأسًا على عقب، ليس على الكيان وحده، وإنما على من يدعمه أو يحاول حمايته.

اليمن بموقعه البعيد عن المعركة، وبموقفه الإيماني الثابت والسليم، وبحقيقة ثقله الحضاري والإنساني، وبجاهزية مقاتليه الفائقة وعديدهم الضخم، وبصناعته العسكرية الكبيرة وبنيتها المتطورة، قادر على تقديم الكثير للمعركة، ودخوله فيها يعني –فورًا- خنق الكيان بقطع شريان تجارته القادم عبر إيلات المحتلة، وإبعاده تمامًا عن البحر الأحمر، وفقدانه بالتالي ما كان يحلم به من التحول إلى جسر مرور ونقطة عبور من الخليج وورائها الهند، إلى أوروبا، والأهم: أن دخول اليمن الحرب يعني مزيدًا من الانكشاف والاهتزاز لكراسي الحكم الخائنة في المنطقة العربية، فاليمن يضرب الكيان ويعريهم أمام أنفسهم وشعوبهم.

إضافة إلى الخسائر، التي أخفاها الكيان مقدمًا، فإن الضربة اليمنية جاءت في موقع "أكثر من ممتاز"، وسبق أن كشفت صحيفة "هآرتس" الصهيونية، في تموز 2023، أن عدد ناقلات النفط التي تتجه إلى ميناء "إيلات" تضاعف 5 مرات خلال 24 شهرًا، بعد الاتفاق بين الكيان وحكومة الإمارات العبرية العميلة، التي تنقل نفطها إلى إيلات، ثم يعيد الكيان ضخه عبر خط أنابيب إلى ميناء عسقلان على البحر المتوسط لشحنه إلى أوروبا الغربية.

وزيادة على آلام الكيان، فإن الرسالة اليمنية صاعقة للكل، والغرب لن يفهم سوى لغة الألم والقوة، والبحر الأحمر "نقطة مقتل" اقتصاديًا، يمر به سنويًا 13% من إجمالي حجم التجارة العالمية، بقيمة تقارب 2.5 تريليون دولار، وبشكل عام يمر به كل عام 7% من الأسطول البحري العالمي، وهو قبل ذلك الشريان الرئيس للدورة الدموية البترولية العالمية.
..
غزة، المدينة الصامدة تقدم –ولا تزال- درس الفداء، وتدفع قربان الدم، وتعمد العالم العربي بنار المعركة، كانت الطلقة الأولى في القلب الصهيوني، وحتى اليوم، الخامس والعشرين من القتال، الحادي والثلاثين من تشرين الأول، فقد أثبتت هذه المقاومة قدراتها، وأذاقت الكيان كؤوس الهزيمة والذل، وظهر مع هجومه البري –غير المعلن- أكثر عجزًا وتخبطًا وضعفًا، بيت العنكبوت ظهر على حقيقته التي رآها سماحة السيد الصادق منذ 23 عامًا، وبشرنا بها.

الصمود الذي أبداه المقاتل الفلسطيني، من كل الفصائل دون ذكر، قد علمنا أيضًا أن معركتنا هي حياتنا، وأن أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا فوق الكيان، سيفترسون الجميع، اليوم فلسطين، وغدًا غيرها، وبعد غد من تبقى من الأمة، إن لم نقف اليوم وقفة الدفاع الأخير عن الأمة كاملة، وأن العدو يطلب أمة يقودها ابن سلمان أو ابن زايد أو السيسي، وهذا ما يستدعي أكثر اعتبارها معركة وجود، نكون أو لا نكون.

اليوم الخامس والعشرين من العدوان بدأ بمحاولات هجوم بري صهيوني على محاور عدة في غزة، وفورًا، خرج السلاح من تحت كل حبة تراب ليصد ويقتل ويدمر آلة الحرب الصهيونية الجبانة، التي تراجعت بعد مقتلة كبيرة، ترفض "الرقابة العسكرية" نشرها، وهو مفهوم، لكنها على الضفة المقابلة، ثبتت معنى نصر جديد، لا تستطيع كل القنابل أن تهزه أو تجبره على الاستسلام.

اليوم عاد العدو للعبته المفضلة، وتصرف بنيامين نتنياهو بالطريقة التي يتصرف بها كل رئيس حكومة للكيان، صب القتل صبًا من السماء، عبر الطائرات والصواريخ والقنابل الأميركية، لتتحول المدينة إلى نسخة من طوكيو اليابانية، أو دريسدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية، كتلة من الدمار، وآلاف من جثث النساء والأطفال، في استنساخ بالغ الدقة لتصرفات الشيطان الأكبر في حروبه السابقة، ويزيد عليها قذارة الكيان ودمويته وعقيدته الفاسدة، بكونه شعب الله المختار، وما حوله من شعوب هي "حيوانات بشرية" طبقًا لوصف المنحط وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت.

في وجه كل أسلحة الدمار الشامل التي تحويها الترسانة الصهيونية، أو تسارع واشنطن بإمدادها بها، فإن المقاومة الفلسطينية البطلة المنتصرة، قد قدمت درسها المضاد، فإذا كان هدف الصهيوني اليوم تحويل غزة إلى عبرة لغيرها من العرب بأن ثمن المقاومة فادح، فإن غزة قدمت صمودًا أسطوريًا في وجه الإبادة الجماعية التي تشنها أميركا والكيان، وصلابة المقاتل وثباته في الميدان، والقدرة المذهلة على التضحية والصبر والبسالة، والإرادة التي يملكها الفلسطيني المدافع عن شرف أمته، قد حولت القصف الهمجي وتدمير البيوت والمساجد والمستشفيات والكنائس، وجريمة الحصار الشامل لكل أسباب الحياة، من غذاء ودواء وماء وكهرباء، حولته كله إلى أسباب إضافية للصمود والاستمرار على درب الجهاد.

الإيمان بالمقاومة هو ما يجعل من المطلوب –أو الواجب- حاليًا تسييد خطاب النصر، انتصرت المقاومة في غزة، وأذلت السلاح الأميركي في اليد الصهيونية، واليوم قطعت اليمن ذراع الكيان في البحر الأحمر.. ونرتقب خطابًا من سماحة الأمين العام، السيد حسن نصر الله، وعدنا الصادق، ورهاننا وأملنا بعد الله تعالى، ننتظر كلمة تكسر كل جبروت الغرب وكل خذلان النظم الرسمية، ننتظر –بيقين كامل- القراءة والتوجيه والقرار للمرحلة القادمة، الأخطر.

إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى