طوفان الأقصى
قراءة في حسابات التسوية والحرب الشاملة بالمنطقة
إيهاب شوقي
المتابع لتحليلات الغرب ولا سيما امريكا للأحداث الراهنة وسيناريوهاتها المتوقعة يلمح بوضوح أنها غارقة في الحسابات الخاطئة وفقا للتعبير الذي استخدمه آية الله العظمى سماحة الإمام السيد علي الخامنئي، عندما تناول الأطروحة الصهيو أمريكية بأن حماس قامت بعملية طوفان الأقصى بأمر مباشر من إيران.
وهذه التحليلات الأمريكية تدور في حلقة مفرغة من الأخطاء بربطها للانخراط الكامل لحزب الله في المعركة بقرار من إيران، وخضوع قرار الحزب وعملياته ومدى تصعيده بحسابات إيران الإقليمية، ويزداد حجم الخطأ في حسابات الصهاينة والأمريكان مع سياسة الغموض البناء وعدم خروج سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بخطاب علني، وهو ما يزيد العدو ارتباكا.
ولسنا هنا بصدد مساعدة العدو ورفع الارتباك والحيرة عنه، بل من الفائدة أن يظل مرتبكا وغارقا في التشخيصات الخاطئة، ولكن من الواجب توضيح بعض الأمور، وإعادة التأكيد على بعض الثوابت، لأنها تتعلق مباشرة بقيم المقاومة وما يعد تفردا لمعسكر المقاومة يميزه عن غيره من المعسكرات:
أولا: لكل جبهة من المقاومة قرارها المستقل والذي تتخذه وفقا للصالح العام لجميع الساحات المقاومة والتي تضمن الحفاظ على المسار التصاعدي للمقاومة وعدم فقد الأرض التي اكتسبتها المقاومة بما يعد تراجعا في المكاسب الاستراتيجية.
ثانيا: هناك تنسيق فعلي على كافة المستويات السياسية والميدانية وهو لا يتناقض مع حرية كل جبهة واستقلال قرارها.
ثالثا: إيران هي الراعي والداعم لمحور المقاومة وتستطيع بالفعل التحدث بلسان المحور ولكن هذا لا يعني إصدار الأوامر للجبهات بالتحرك على غرار أمريكا التي تأمر ميليشياتها بشكل وظيفي.
وهنا لا بد من تناول مثال حديث، مثل جولة وزير الخارجية الإيرانية، أمير عبد اللهيان الأخيرة والتي شملت العراق ولبنان، وخرج بعدها بتصريحات قوية تقول أن كل الاحتمالات لتوسع الصراع وخروجه عن السيطرة واردة وأن صبر المحور لن يطول على الجرائم الصهيونية.
فقد يفهم البعض بفهم سقيم أن الجولة جاءت لإعطاء الأوامر للجبهات بالتحرك وانتظار الأوامر بذلك.
بينما حقيقة الأمر التي لا يفهمها خصوم المقاومة أو من لا ينتمون لمحور المقاومة، أن الجولة جاءت للاطمئنان على جهوزية الجبهات وفقا لقراراتها الحرة، وبناء على هذا الاطمئنان يمكن لإيران التحدث بلسان المحور حفاظا على المصداقية وعدم إطلاق شعارات فارغة لا تستند على جهوزية حقيقية على أرض الواقع.
هنا ينبغي العلم بأنه طالما أعلنت إيران أن جميع الاحتمالات واردة وأن الصراع قابل للاتساع والتطور لمواجهات كبرى، فإن ذلك يعني أن جميع الجبهات تتمتع بالفعل بجهوزية عالية لأي سيناريوهات وتطورات.
وبنظرة على المعسكر الأمريكي ، فهناك مفارقة ينبغي التوقف هندها واستخلاص بعض الدلالات، وهي السلوك الأمريكي الذي يحاول التنصل من الجرائم الصهيونية وإمداد الصهاينة بالأسلحة الفتاكة في ذات الوقت.
وهذا يقودنا إلى أمرين يجعلان من احتمالية التوجه لصراع شامل ومواجهة كبرى هي الأقرب:
1ــ يصرح الرئيس بايدن بأنه مع السلام وحقوق الفلسطينيين ويحث (اسرائيل) على الالتزام بالقانون الدولي في إطار مجازرها وقصفها الإجرامي بأسلحة أمريكية وغطاء سياسي أوروــ أمريكي!
والدلالة المباشرة هنا هي أن أمريكا تتمسك بالمشروع الصهيوني للرمق الأخير باعتباره فرصتها الوحيدة في الهيمنة على المنطقة، وموطئ القدم الموثوق الوحيد لها، وأنها تعي أن سمعة الكيان ملوثة ولن يضرها المزيد من التلوث، بينما سمعة أمريكا يجب الحفاظ على الحد الأدنى منها باعتبارها تمثل القوة الناعمة وهي البقية الباقية من القوة الأمريكية التي تراجعت على المستويات الأخرى.
وكترجمة مباشرة للمقاربة الأمريكية، فإن أمريكا المتراجعة تتمسك بزيف دعاويها بأنها دولة الحريات وحقوق الإنسان بسبب تراجع مخزونها من فجوة القوة العسكرية والاقتصادية وتعويضا لذلك تقوم بتصدير الكيان إلى واجهة الصراع تعبيرا عن الوجه الأمريكي القبيح مع الظهور في صورة الناصح والكابح لجماحه!
وهو ما يعني أنها فرصة أمريكا الأخيرة بالإقليم وما يستتبع ذلك من انعكاسات على فرصها بالصراع الدولي وبالتالي اللجوء إلى معركة صفرية مع المقاومة.
2ــ المراقب للعدو الصهيوني لا بد وأن يتوقف عند إعلانه لحالة الحرب، وهذا الاعلان يستتبع مراقبة حروب الكيان الرئيسية وأسبابها ودوافعها.
ففي حرب السويس، شارك الكيان في العدوان على مصر لأنها شكلت قوة صاعدة ومستقلة حوله، وفي حرب العام 1967، قام العدو بشن الحرب بسبب وحدة الساحات بين مصر وسوريا، وفي حرب تموز، شن العدو عدوانه على لبنان بسبب نمو قوة المقاومة حوله.
وبالتالي فإن العدو الصهيوني يعلن حالة الحرب لفصل الساحات المقاومة وإجهاض نمو قوة حوله يمكنها تهديده.
والوضع الراهن يشكل مزيجا من هذه الأخطار الوجودية على الكيان، حيث وحدة الساحات المقاومة وتنامي قوى المقاومة، وبالتالي فإن العدو يتجه أيضا لمعركة صفرية، وإن كان يفضل خوضها مع كل جبهة على حدة.
وإذا ما نظرنا إلى احتمالات التسوية والتهدئة، فإن هذه التسويات تتطلب حدا أدنى من الملفات التفاوضية، وما يطرحه العدو وراعيه الأكبر هو الاستسلام مقابل السلام وادخال المساعدات، وهو ما لم ولن تقبل به المقاومة، وهو ما يجعل المواجهة الكبرى أقرب من أي وقت مضى، وقد بانت نذرها بدخول جميع جبهات المحور على خط المواجهة مع امريكا قبل أن تكون مع الكيان المؤقت.