طوفان الأقصى
الدعاية الإسرائيلية في مواجهة "الطوفان": إسقاطات واستعطاف وتضخيم
علي عبادي
لا تخلو الحملة العدوانية الصهيونية على قطاع غزة من عناصر دعائية، كما في كل حرب إسرائيلية. ويركز إعلام العدو، ومعه وسائل إعلام غربية، على نقاط دعائية عدة في العدوان الجاري:
أولاً: لعب دور الضحية وإلباس المقاومة الفلسطينية ثوب الجلاد. وتمثَّل ذلك بنشر قصص عن قطع رؤوس 40 طفلاً إسرائيلياً واغتصاب نساء وقتل المدنيين وحرق جثثهم وإعدامهم. ولم يُتعب العدو نفسه في استحضار الأدلة، فالرأي العام الغربي مستعد لتلقف أي ادعاءات إسرائيلية لأسباب عدة، غير ان قصة قطع رؤوس الأطفال انكشف زيفها سريعاً، بالرغم من مسارعة الرئيس الأميركي الى تبنيها.
ثانياً: إسقاط عنوان "داعش" على حركة "حماس"، وبالتالي تنميط حركات المقاومة الفلسطينية في قوالب سلبية جاهزة، باعتبارها منظمات إرهابية ينبغي أن يجري عليها ما جرى على "داعش" من مطاردة واقتلاع. وهذه مقارنة لا تتفق مع الوقائع والحقائق المعروفة لدى الجميع. فـ"داعش" هو تنظيم دموي فاسد العقيدة ينشر القتل على الشبهة ويُكفّر أهل الملّة قبل غيرهم، ولا يلتزم بأية معايير إنسانية أو حتى شرعية متعارف عليها، وهو بعيد تماماً عن روح الشريعة الإسلامية وروح العصر معاً. أما حركة "حماس" فتتصرف كجهة مسؤولة في المناطق التي تسيطر عليها في قطاع غزة وتسعى عبر جناحها العسكري لتحرير الأراضي المحتلة من العدو، في وقت عجزت القرارات الدولية ومشاريع التسوية عن تخليص الشعب الفلسطيني من الاحتلال. وحتى عندما قبلت "حماس" في العام 2017 بإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967 في مرحلة أولى، رفض العدو ذلك، كما لم يترك للسلطة الفلسطينية أي فرصة لتحقيق مطلب إقامة دولة قابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس في ضوء استمرار الاستيطان اليهودي ومصادرة الأراضي وهدم المنازل الفلسطينية. إضافة الى ذلك، لا تشكل حماس أي تهديد أمني لدول الغرب، كما كانت داعش.
ثالثاً: تشبيه ما جرى في يوم السابع من تشرين الأول في تجمع مستوطنات غزة بـ "محرقة النازية". وقد تطرق نتنياهو الى ذلك في حديث هاتفي مصوَّر مع الرئيس الأميركي بايدن، وهو يدرك أن مسمّى المحرقة له وقع خاص في عالم الغرب، ويهدف من ذلك إلى استقطاب التعاطف والدعم العسكري والمالي لمصلحة الكيان الهشّ. ونعرف أن هذه المقارنة غير واقعية في الشكل والحجم والسياق العام للأحداث.
رابعاً: رفع الكيان الصهيوني ما جرى الى مرتبة "التهديد الوجودي". وإذا كان بعضهم يرى في ذلك تضخيماً يُقصد منه تبرير القتل الجماعي لأهل غزة و"التمسكن" من أجل التمكن كما حصل مع نشأة الكيان بتسويق مقولة ان "العرب يريدون رمي اليهود في البحر"، فإن الحديث عن التهديد الوجودي يُخفي في الوقت عينه هشاشة الكيان. ويمكن الاستدلال على هذا الأمر بأن أي خسارة تصيب العدو تتسبب في هزة عنيفة في مفاصله وتستدعي عمليات ترميم تستغرق وقتاً طويلاً. وبالتالي، فإن الخطر الوجودي يتحقق عندما تؤسس الخسارة لانهيار صورة الردع الإسرائيلي، وهذا ما تأمله المقاومة من طوفان الأقصى وما سيترتب عليها من نتائج.
نخلص من ذلك كله الى أن الكيان المؤقت يسعى بكل جهد لإشراك دول الغرب في هذه الحرب لأهداف عدة:
- إسباغ الشرعية على عمليات القتل الجماعي والتدمير الوحشي للقطاع، وتحييد قوانين الحرب رسمياً بعدما أباح القادة الإسرائيليون لجنودهم قتل الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس، حيث ارتفع منسوب القتل بشكل فظيع منذ حدوث عملية طوفان الأقصى (حوالي 2800 شهيد حتى لحظة كتابة المقال، إضافة الى 10 آلاف مصاب).
- التعزُّز بدعم دولي للخروج من حالة الضعف المعنوي التي عصفت بالكيان بعد الطوفان الذي دمّر قدرات "فرقة غزة" العسكرية الاسرائيلية وأطاح بهيبة جيش الاحتلال.
- الحصول على دعم سياسي مفتوح من الجهات التي تدعمه وترعاه.
- الاستعانة بإمكانات عسكرية أميركية وأوروبية لفرض تغيير في غزة، أمنياً وديمغرافياً.
مشهد التضليل الإعلامي لا يكتمل إلا بمحاربة الإعلاميين الذين استشهد العديد منهم خلال الغارات على القطاع، والاتجاه لفرض إغلاق مكاتب وسائل إعلامية تعمل في الأراضي المحتلة بذريعة أنها "تشجع الإرهاب" أو "تضرّ بأمن الدولة". وهذا يشير الى تفاقم توتر العدو كلما أحسّ بأن الخيبة أصبحت أقرب إليه من أي إنجاز عسكري مرتجى.