معركة أولي البأس

سوريا.. نفــوسٌ أبـاةٌ

التجميد الجزئي لـ"قيصر": شكليّ ومتأخّر
11/02/2023

التجميد الجزئي لـ"قيصر": شكليّ ومتأخّر

 عبير بسّام

البارحة، وبينما كان ضحايا الزلزال الذي ضرب سوريا يرقدون في المستشفيات، أو ما يزالون ينتظرون وصول فرق الإنقاذ لتخرجهم من تحت الأنقاض، صدر القرار الأميركي بتجميد العقوبات جزئيًا وشكليًا عن سوريا ولمدة 180 يومًا، ويزعم السماح بتمرير المساعدات الإنسانية والمعونات المالية من المتبرعين حول العالم إلى سوريا. قرار انتظر مرور 6 أيام على الكارثة الطبيعية التي ضربت جنوب تركيا وشمال سوريا قبل أن يجد طريقه للظهور. ما حدث ليس إلّا نوعًا من حفظ ماء الوجه ولا طائل منه لأولئك الذين لقوا حتفهم في الأربعة الأيام الأولى وللذين انتظروا طويلًا انقاذهم من تحت الركام في بلد منعت عنه المعدات وقطع الغيار وكل ما تحتاجه فرق الإنقاذ لإخراج المحتجزين من تحت الأنقاض.

لقد بان بشكل جلي وجه أميركا الحقيقي في التعامل مع معاناة الشعوب. تسببت الولايات المتحدة منذ 12 عامًا بحرب عبثية في سوريا لإخضاعها وقبولها بقراراتها، وازداد الأمر سوءًا منذ تموز/يوليو 2020 حين ابتدأ حصار قيصر، وكأن سوريا لم يكن يكفيها احتلال الأميركي لشمال شرق الجزيرة السورية. ومع ذلك لم تكن الكارثة التي تسبب بها الزلزال كافية لكسر الحصار الأميركي ورفع العقوبات. ولكن في الحقيقة ما أجبر أمريكا علىالتجميد الشكلي والجزئي المتأخر للعقوبات هو توجه بعض الدول والمنظمات العربية نحو كسر الحصار الأميركي وإرسال المساعدات لسوريا، مما وضع أميركا وأوروبا الغربية في موقع أخلاقي متدن لا تحسد عليه وفضح وجه الإنسانية الأعور.

نحن هنا لا نتحدث عن الدور الهام الذي قامت به الدول الصديقة والتي وقفت إلى  جانب سوريا، والتي يخضع أغلبها للحصار والعقوبات الأميركية، ولنكن حقيقيين وواقعيين، بأن ما بادرت به الجزائر والعراق واللتان تميزتا بالجرأة، عمل كبير في زمن الصغار. ترافق ذلك مع الجرأة الكبيرة للبنان الصغير المحاصر بحصار قيصر، والمتمثل بموقف الوزير علي حمية مدعومًا بقرار حكومي، والذي دفع نحو تعاون لبناني مع سوريا في زمن الكارثة دفعاً. ودور الشعب والدولة التونسية، والتي تنطلق منها المظاهرات المطالبة برفع العقوبات وكسر الحصار نهائيًا عن الشعب السوري.

أمام هذه الجرأة توالت المساعدات من الأردن ومصر وعُمان والإمارات. وكان فتح فضاء "سكاي نيوز" ملفتاً في الحقيقة أمام الدكتورة بثينة شعبان، لقد كان خرقاً إعلامياً بامتياز في وجه الحصار، في وقت ما تزال فيه معظم المحطات في العالم مغلقة أمام أخبار الكوارث التي خلفها الزلزال في سوريا. خاصة وأن شعبانكانت قد طالبت في تصريح لها برفع العقوبات عن سوريا "حتى يستطيع السوريون العناية ببلدهم"، كما يطالب جميع السوريين.

في الحقيقة، ما أرادته الأمم المتحدة ومن ورائها أميركا وأوروبا والغرب أجمع هو أن تخضع سوريا حتى في لحظات الكوارث لتمرير المساعدات عبر أراضيها وكأن الدولة غير موجودة.

القرار الأميركي بالتجميد الشكلي والجزئي للعقوبات جاء متأخراً، بينما الناس تنتظر من ينقذها من بين الركام، وسوريا تنقصها البنى التحتية لمواجهة الزلازل والآليات لرفع الأنقاض، والوقود اللازم لنقل المصابين إلى المستشفيات. لقد مات الكثير من المدنيين وأميركا تنظر إليهم كيف يموتون، كما ينظر اي قاتل مهووس، وهو يستمتع بمشهد  ضحيته وهي تلفظ الأنفاس الأخيرة.

في الحقيقة لإن الضغط الغربي وضغط الأمم المتحدة الموجه نحو جزء من السوريين المتضررين دون الآخرين يعد لعبة سياسية قذرة تريد الإفادة من المأساة والكارثة من أجل تنفيذ مآرِبهم في استمرار الأزمة في سوريا، وفي الوقت نفسه إعادة ماء الوجه، خاصة بعد الإعلان عن إرسال المساعدات إلى تركيا دونا عن سوريا. لكن استطاعت الحكومة السورية في الوقت نفسه فرض إرادتها وتثبيت دعائمها. وقد اتضح أن وقوف العرب الحقيقيين والشعب العربي إلى جانب سوريا هو ما أذهل العالم، فما تزال سوريا بالنسبة للشعوب العربية هي قلب العروبة النابض.

 

قانون قيصر

إقرأ المزيد في: سوريا.. نفــوسٌ أبـاةٌ