سوريا.. نفــوسٌ أبـاةٌ
اسقاط الحصار عن سوريا.. استعادة لقيم دمرها الغرب
يونس عودة
يثبت الغرب يوميًا أن أحد الأعمدة الرئيسية التي يقوم عليها هو الفراغ الأخلاقي والانساني، لا سيما في حضرة الموت الكبير. وفي كل لحظة من لحظات التاريخ يؤكد أنه لا يستحق ثقة البشرية، وخسارة الثقة يفترض أنها أكثر ايلامًا من الموت، والموت حق ومصير.
وقع الزلزال الكارثي الذي حصد آلاف الأرواح ودمر الكثير مما أنتجته شعوب المنطقة في سوريا وتركيا، لكنه فضح "انسانية" الغرب وفي المقدمة الولايات المتحدة الأميركية التي أرادت اركاع سوريا بقانون يخصها وحدها تحت مسمى "قانون قيصر". القانون يحاصر الشعب السوري لرفضه الخضوع والخنوع لرغبة واشنطن التي توزع الموت حيثما وضعت أصابعها في مدار الارض، وسط أكذوبة "ثقافة الحياة". وقد أجبرت أميركا الدائرين في فلكها على مجاراتها في منافسة بعضهم البعض في انتاج وسائل الحصار والقتل، وكأن شعوب الشرق فائض بشري لا يستحق الحياة.
لقد كشف ما نشرته صحيفة "شارلي إبدو" من "كاريكاتير" تسخر فيه من شعوب الشرق بعنوان "رسم اليوم"، وأظهر عددا من المباني المدمرة بفعل الزلزال في تركيا مع تعليق "لا داعي لإرسال دبابات"، كشف مدى الكراهية العميقة، وأي ثقافة حياة يروج لها الغربيون رغم أن فضلهم في القتل يمتد إلى مئات السنين، ومنذ الحروب الصليبية الغربية استخدم مؤرخو الغرب هذا المصطلح؛ ليبينوا لشعوبهم أن هذه الحروب كانت نبيلة الغاية والهدف، رغم أن شعوب المنطقة طالما كانت تسعى الى علاقات ود ومحبة بعيدا عن الحلم الأميركي القاتل.
ما فعلته "شارلي إبدو" دليل آخر على احتضار ما تبقى من الروح الأوروبية حيث بات ارسال الدبابات للقتل والتدمير هو الشعار، تمامًا كما يفعلون في أوكرانيا من أجل اطالة الحرب وتسييل الدم باسم الحرية والعدالة ونقل الشعوب الى الحضارة، وهو الشعار نفسه الذي رفعه المستعمرون القدامى في غزواتهم لآسيا وافريقيا مع اضافة جديدة من الولايات المتحدة وهي العبارة اللازمة "الأمن القومي الأميركي"، كشعار دائم للغزو والابادة والتدمير.
يبدو أن مؤشرات كسر الحصار عن سوريا بدأت تتمظهر من بعض الدول رغمًا عن ارادة واشنطن واتباعها، وبات اسقاط قيصرها مسألة اخلاقية بامتداد ثقافي عماده الانسانية التي لم يستطع الغرب أن ينحرها كما فعل ارهابيوه على أرض سوريا بآلاف المواطنين الذين كانوا يدركون أن لا مفر من الموت لمخلوق.
أظهر الزلزال بنتائجه الكارثية أنه يمكن التمرد على وحشية العقوبات بحق سوريا، وأن أي دولة يمكنها رفع صوتها عاليًا في وجه صانعي ما يسمى قانون قيصر والعاملين بشروطه رغم أنه قانون أميركي وليس قانونًا دوليًا يلزم أي بلد بشروطه، ويمكن للبشرية أن تعيش بحال أفضل من دون الغرب الذي يخضع بكلّيته لارادة الأميركيين، ويمكن في هذا المجال الاقتداء بالدول التي أظهرت مقاومة عالية إلى حد ما للضغوط الأمريكية لجعلها تمتثل للعقوبات ضد روسيا. والأمر مع سوريا، ليس أعسر اذا تركت الأحقاد جانبًا خاصة وأن الدول الأخرى لا تملك الفرصة لتقديم مساعدة كبيرة لدمشق لكنها تعلن كلمة حق تتمثل برفع الحصار.
بلا شك أن ارتباكًا يخيم على السياسة العالمية أمام الحاجة إلى مساعدة تركيا غير المحاصرة وسوريا المحاصرة بالعقوبات، ومناطقها الخارجة عن السلطة التي تقع تحت الاحتلال الاميركي واعوانه الارهابيين، وكان يمكن لسوريا الدولة وحدها أن تعالج كل آثار ليس فقط الدمار الذي تركه الزلزال وانما آثار الحرب على مدنها، لو لم تكن تحت الحصار.
كل بقاع العالم تعرضت للزلازل بدرجات معينة وأنتجت المخيلة البشرية منذ القدم أساطير عن أسباب حدوث الزلازل والكوارث الطبيعية قبل التطور العلمي الذي يقر غالبية العاملين بمجاله باستحالة معرفة مواقيت الزلازل، إلا أنه لم يكن هناك في أي اسطورة ولا في توثيق تاريخي أن الأمم لم تتظافر للمساعدة، لا بل هناك شواهد على مد اليد حتى ولو كانت في حالة تنافس أو صراع. وقد ادرك سكان الارض منذ الولادة وفي كل الكتب أن موت الصالحين راحة لأرواحهم بينما موت الطالحين راحة للبشر.
صحيح أن سوريا في ضائقة ليست سهلة، لكن لديها الأصدقاء المخلصون والذين يقدرون القيم الانسانية والاخلاقية ويعملون في هديها ولم ينتظروا لحظة واحدة للوقوف الى جانبها في المحنة، وهم في طليعة من سيهدمون اجراءات اميركا المسماة قوانين على رأس صناعها، وفي الاولوية اسقاط قانون قيصر الذي سيكون اسقاطه ممرًا الزاميًا لاستعادة من يريد من دول العالم كتاب القيم لانه بعد تجربة الزلزال الصعبة تبين أن كثيرًا من دول العالم خانت القيم وعلى رأسها الكتب السماوية.