معركة أولي البأس

الأربعون ربيعاً

مؤسسة الجرحى: بلسم مجتمع المقاومة
28/06/2022

مؤسسة الجرحى: بلسم مجتمع المقاومة

حسن شريم

 

هم شهداء أحياء، نزفت جراحهم لنحيا بحريّة. قدّموا أجزاء من أجسادهم في طريق ذات الشوكة، فسجّلوا الانتصار تلو الانتصار. عملوا بالوصية الأساس: حفظ المقاومة الإسلامية. كانوا من المنتظرين المتعطّشين للشهادة.. حفروا التراب بأجسادهم وكتموا على جراحهم الممتزجة دماؤها بملح الأرض، كي يشقوا مسارنا إلى وطن آمن بلا خوف. أولئك الجرحى وصفهم الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في أحد خطاباته بالشهود الأحياء: "شهود على أن ما ننعم به اليوم في لبنان من إنجازات، من انتصارات، من أمن، من سلام داخلي، من قوة ردع، ومن استقرار يعود بدرجة كبيرة جدًا إلى تضحياتهم، وإلى دمائهم، وإلى جراحهم التي أصبحوا بموجبها "منارات النصر"".
 
ولأنّهم يستحقون، كانت مؤسسة الجرحى "منزلهم" الأول. وإيمانًا واحتسابًا وتقديرًا لجهودهم الجبارة، تضافرت المساعي وانطلقت هذه المؤسسة مع انطلاقة المقاومة الإسلامية في الجنوب المحتل لتخيط جراح المقاومين البواسل وتبلسم آلامهم وتخفّف عذاباتهم، فكانت وما زالت العون والسند لكل شهيد حي وجريح.

 

* بدايات المؤسّسة

في مقابلة مع موقع "العهد" الإخباري، يطلعنا مدير "الجمعية الخيرية لمساعدة جرحى ومعوقي الحرب في لبنان" الحاج محمد دكروب، على بدايات عمل المؤسسة ( العلم والخبر تحت رقم 5/ أد بمرسوم جمهوري 2900 تاريخ 31/10/1992) التي انطلق عملها مع بدايات عمل المقاومة الإسلامية في لبنان عام 1982، في دفاعها ضد الاعتداءات الصهيونية، حيث برزت الحاجة لعلاج وتأهيل ورعاية جرحى المقاومة الإسلامية وجرحى الاعتداءات الإسرائيلية والحرب الأهليّة، من المدنيين والمجاهدين.

ويضيف دكروب: في البدايات كانت مؤسستا الجرحى والشهيد مؤسسة واحدة، انفصلتا عام 1989 لتصبح الأولى مؤسسة قائمة بذاتها، مستقلة إداريًا وماليًا، تواكب حركة المقاومة والمجاهدين وتتابع حالات الجرحى منهم وتتعامل معها بدقة وعناية، وطبعًا تختلف الطرق العلاجية والتأهيلية حسب الإصابة ومستواها من طفيفة، متوسطة، بليغة، إلى الإعاقة الدائمة.

مؤسسة الجرحى: بلسم مجتمع المقاومة

* أهداف المؤسسة

يقول دكروب إنّه فضلًا عن العلاج الجسدي، لمؤسسة الجرحى أهداف عديدة، يذكر منها:

1ـ تأمين العلاج التام والاستشفاء.
2ـ توفير حياة كريمة لذوي الاحتياجات الخاصة من الجرحى.
3ـ تأهيل وتنمية مهارات الجرحى والعمل على استقلالية الجريح.
4ـ تأهيل ظروف الجريح النفسية التي تسببت بها "الإصابة" لإعادة دمجه في المجتمع.

بالإضافة إلى العلاجات التي تقدّمها المؤسسة، يشير دكروب الى تقديمات عينيّة ومساعدات مادية معينة للجرحى.

* المستهدفون من خدمات المؤسسة

وفيما يلفت دكروب الى أن هناك فئات عديدة استفادت وما زالت من تقديمات المؤسسة من المدنيين، يعدد بعض الفئات الرئيسية المستهدفة، وهي:

جرحى المقاومة الإسلامية في ساحات الجهاد.
الجرحى المدنيون من جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية ومخلفات الاحتلال من ألغام وقنابل عنقودية، (لا سيما في حرب تموز 2006 وما بعدها).
جرحى التفجيرات الإرهابية التي طالت لبنان لا سيما في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.

مؤسسة الجرحى: بلسم مجتمع المقاومة

* عمل المؤسسة والمراحل التي مرّت بها

ـ المرحلة الأولى: مرحلة التأسيس  (1982 - 1992): تم خلال هذه المرحلة العمل على توفير الكادر الطبي المؤهل لخدمة الجرحى والسعي لتأمين المراكز الضرورية والإمكانات اللازمة لعمل المؤسسة.

ـ المرحلة الثانية: (1992 - 2000): تميزت هذه المرحلة بالكثير من النشاطات الكثيفة للمقاومة والعمليات النوعية على مواقعها المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي، بالتالي ارتفعت وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية كثيرًا على لبنان وعلى مرابض المجاهدين ومنازل المدنيين، وارتفعت معها بالتالي أعداد الجرحى لا سيما في حربي (1993 - 1996).

وفي هذه المرحلة أيضًا اتجهت المؤسسة نحو تطوير العمل التخصصي لديها لا سيّما بالقطاعين التأهيلي والصحّي، وهو ما تعزّز بعد الاندحار الإسرائيلي عن لبنان.
 
ـ المرحلة الثالثة: (2000 - 2012): اللافت في هذه المرحلة هو توسّع المؤسسة وانتشارها في المناطق اللبنانية لا سيما بعد التحرير الذي شهده لبنان عام 2000، فشيّدت المؤسسة العديد من المراكز الإدارية والتأهيلية والترفيهية، ولكن للأسف تم تدمير هذه المراكز بالكامل في حرب تموز عام 2006 ولله الحمد فقد تم إعادة بنائها لتزاول مهامها بقوة وإرادة أقوى وأصلب.

ـ المرحلة الرابعة من عام (2012 - مستمرة حتى الآن): هذه المرحلة هي الأصعب في تاريخ المؤسسة، يقول الحاج دكروب، فنتيجة للحرب الكونية الهمجية الوحشية التي شنها تنظيم "داعش" الارهابي مدعومًا من أميركا وبعض دول الخليج على المنطقة، وبعد تلبية مجاهدي حزب الله لواجبهم الجهادي في الدفاع عن المقدسات وعن العرض والشرف والأنفس والممتلكات، ارتفعت أعداد الجرحى ليزداد الضغط والمسؤولية على كاهل المؤسسة، ناهيك عن أعداد جرحى التفجيرت الإرهابية التي سببها التكفيريون داخل مدن لبنان ومناطقه.

هنا كان لا بد من تطوير المؤسسة لمواكبة الوضع المتأزم، فأصبحت مراكزها تضم كافة الاختصاصات التأهيلية التي يعمل فيها أعداد من الاختصاصيين من ذوي الخبرات والكفاءات والمؤهلات الممتازة الذين بذلوا الجهود المتوثّبة والحثيثة ونقلوا الجرحى -لا سيما أصحاب الإعاقة ـ من حال إلى حال، على المستوى الصحي والنفسي والجسدي والاجتماعي والثقافي، مع ما يرافق ذلك من متابعة لمسار الجرحى على كافة المستويات الحياتية، كالعلم والعمل والزواج وغيرها من الأمور التي يتطلع إليها الجريح.

مؤسسة الجرحى: بلسم مجتمع المقاومة

* أنواع الاختصاصات التأهيلية في المؤسّسة

اختصاص العلاج الفيزيائي.
اختصاص العلاج الانشغالي.
اختصاص علاج النطق (خاصة للجرحى المصابين في الرأس الذين يفقدون القدرة على النطق).
اختصاص الطب النفسي.
اختصاص الإرشاد والرعاية الاجتماعية.

* الخدمات التي تقدمها المؤسسة للجرحى في هذه المرحلة

يشيد دكروب بدور وجهود الطواقم التي تعمل لدى المؤسسة مسخِّرة كامل طاقاتها في خدمة وراحة الجرحى. ويضيف أن هناك عدّة خدمات تعمل المؤسسة جاهدة على تقديمها للجرحى، منها:

خدمات تأهيلية تضم كافة الاختصاصات لا سيما:

التأهيل النفسي الذي يهتم بمتابعة تحسين وتأهيل الوضع النفسي للجرحى للتخلص من كافة المتاعب النفسية.

خدمات على المستوى الصحي: يتم متابعة التأهيل الصحي للجرحى ضمن شبكة من الأطباء والاختصاصيين ذوي الخبرات العلمية والتحصيل العلمي والكفائي والخبرة الممتازة.

خدمات النقل: يتم نقل الجريح لجلسات العلاج بواسطة سيارات خاصة تابعة للمؤسسة وعلى نفقتها المادية.

برامج ترفيهية للمصابين إصابة أدت الى إعاقة مع مواكبة دائمة لهذه الفئة.

خدمات المساعدة على الزواج: عبر تأمين السكن والأثاث الكامل وتكاليف الزواج مع ما يرافق ذلك من متابعة نفسية واجتماعية للجريح لمساعدته في الانتقال للحياة الزوجية.

خدمات لأبناء الجرحى: عبر الاهتمام بهم أيضًا وكفالتهم كليًا (ماديًا ومعنويًا) من صفوف الروضات حتى التخرج.

خدمات توفير متطلبات العيش الكريم عبر تأمين راتب شهري للجريح يغنيه عن العوز لأي شخص آخر.

خدمات تعليمية لمن يريد من الجرحى متابعة تحصيله العلمي وهناك حالات لكثر من طالبي العلم وبمجالات مختلفة.

10ـ أنشطة ثقافية تستهدف الجرحى وعائلاتهم.

11ـ مِنح مساعدات أو قروض لتأسيس أي عمل يرغب الجريح بتأسيسه.

تتوفر هذه الخدمات في مراكز مؤسسة الجرحى الرئيسية والفرعية، منها المركز الرئيسي في بيروت، ومركزا بعلبك والنبطية، بالإضافة إلى المراكز الفرعية في عدد من المناطق اللبنانية كمركزي صور والهرمل.

* خدمات المؤسسة مستمرة

في الختام، يؤكد الحاج دكروب أن "مؤسسة الجرحى تواصل عملها في خدمة أبنائها المجاهدين وتستقبل الحالات المدنية مقابل بدلات رمزية تخفف عن أهلها وزر الحروب التي عصفت بلبنان وتراعي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وبالتعاون مع وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية تسعى المؤسسة للنهوض بإمكانياتها في سبيل الوصول إلى خدمة مجتمعية أفضل".

ما دام لنا في الأرض حبة قمح، وجبين جريح مُندّى بالتعب، ودم شهيد يروي عطش التراب، فالسنابل ستعيد ملء حقولنا وبيادرنا بالذهب.

إقرأ المزيد في: الأربعون ربيعاً

خبر عاجل