الأربعون ربيعاً
حزب الله في أربعين عاماً: الحضور، الفرادة، والنموذج (2/2)
علي عبادي
خصائص التجربة:
يمكن الإشارة إلى خصائص عدة في تجربة حزب الله كما يأتي:
ـ نهج فريد في الحياة السياسية اللبنانية يقوم على الحوار والتفاعل وإبقاء الخطوط مفتوحة مع الجميع تقريباً، وقد نجح في إقامة علاقات مع القوى التي تختلف معه سياسياً ودينياً وأيديولوجياً، وحفِظَ حقوق من كانت لهم مساهمات في المقاومة.
ـ الإستقامة والمصداقية في العمل السياسي والوفاء للحلفاء إلى أبعد الحدود والصبر على إنتقادات بعضهم، وهذا قد يُعدّ شيئاً مُكلِفاً ومُتعِباً وغير مُحبَّب في الحياة السياسية اللبنانية.
ـ صنع معادلات القوة عبر الإضطلاع بدور دفاعي وردعي يستند الى معادلة الجيش والشعب والمقاومة، وقد خيَّب الحزب بذلك ظنون من كانوا يعتقدون أن الحزب سيستغرق في نعيم السلطة ومشاكل البلاد الداخلية.
ـ تقديم نموذج في المقاومة الجادة والفعالة والتي اتبعت أساليب متنوعة في القتال: إعداد العبوات الناسفة المطوَّرة، إقتحام مواقع العدو، تنفيذ الكمائن، العمليات الإستشهادية، الجمع بين نمط حرب العصابات والتشكيلات القتالية الكبيرة، إستحداث وترسيخ معادلة الكاتيوشا لتوفير الحماية للمناطق اللبنانية التي اعتاد العدو على استهدافها بعد كل عملية للمقاومة. يضاف الى ذلك إستقطاب شباب من خارج الجسم العقائدي ضمن ما عُرف بـ "سرايا المقاومة" إستجابة لطلبات إلتحاق بالمقاومة من فئات لا تشارك الحزبَ في مبادئه الدينية.
ـ الحرص على نقل التجربة الى فصائل المقاومة في المنطقة، بهدف المساهمة في تحريرها من آثار الإحتلال الصهيوني والهيمنة الأميركية.
ـ إكتساب وزن سياسي وعسكري إقليمي يُحسب له حساب خاص من قبل جهات دولية تتعامل مع قضايا المنطقة.
أضاليل:
أحيطت نشأة حزب الله ومسيرته بأشكال من الدعاية المضادة، من بينها:
ـ تنفيذ أوامر إيران والعمل بالوكالة عنها. يتصور بعض من يطلق هذه المقولة أن علاقة حزب الله بالجمهورية الإسلامية في إيران تُشابه علاقتهم بالجهات الدولية التي ترعاهم. صحيح أن إيران كان لها الفضل في مساندة انطلاقة حزب الله، وهي المُلهِم كذلك، لكن حزب الله خطا خطواته الأولى بإرادة ذاتية لبنانية، ونما وتطور بفعل تراكم التضحيات. وهو اليوم صاحب تجربة ناضجة ورأي مسموع في إيران في ما يتعلق بقضايا المنطقة والصراع مع العدو. وهذا الإرتقاء في الدور لا يتيسر إلا لتنظيم يقف على أرضية ثابتة ويبني علاقة واضحة وصادقة مع الجهة الداعمة.
ـ العمل لإقامة الجمهورية الاسلامية في لبنان. وهذه تهمة لا تسيء الحزبَ بما أنه تنظيم إسلامي، غير أنه أكد "أن فكرة الدولة الإسلامية في لبنان حاضرة على مستوى الفكر السياسي، أما على مستوى البرنامج السياسي فإن خصوصيات الواقع اللبناني لا تساعد على تحقيق هذه الفكرة، فالدولة الإسلامية المنشودة ينبغي أن تكون نابعة من إرادة شعبية عارمة، ونحن لا نستطيع إقامتها الآن لحاجتها إلى حماية"، كما جاء على لسان الأمين العام السيد حسن نصرالله في مقابلة متلفزة.
وبالتالي، فإن الحزب يتعامل مع الواقع وليس مع الأمنيات فقط، وهو طوّر مقاربة سياسية تتعامل مع النظام اللبناني القائم بطريقة تحفظ المصالح الوطنية العامة وتحقق أكبر فائدة ممكنة للشعب بما تيسَّر من وسائل. ومن المفارقات التي لا يستسيغها بعضهم أن حزب الله الذي يلعب هذا الدور المؤثر في المنطقة، لا يتمتع في الوقت نفسه إلا بحيّز تمثيلي ضيق في المؤسسات السياسية المحلية. ويمكن فهم هذه الإشكالية في ضوء محدودية الواقع اللبناني التي لا تسمح بإلغاء أي من الطوائف والقوى التقليدية. في الوقت نفسه، قدّم الحزب أفكاراً لتحسين التمثيل الشعبي وتخفيف العصبيات الطائفية والمناطقية، ومن بينها إجراء الإنتخابات على أساس جعل لبنان دائرة واحدة وفق قانون النسبية.
ـ إقامة "دولة داخل دولة". وهذه فرِيّة أخرى أطلقها خصوم الحزب لترويج تصوُّر أنه يعمل لأجل دولته الخاصة وإفشال الدولة اللبنانية. وتحت هذا العنوان، تُساق اتهامات ومقولات تتحدث عن غياب الأجهزة الأمنية عن مناطق نفوذ حزب الله وعدم استيفاء الضرائب والرسوم منها، لكن الوقائع اليومية لا تنسجم مع هذه الدعاية. ولا يمنع ذلك حصول مخالفات وهي موجودة بالقدر نفسه في مناطق أخرى، وثمة شخصيات سياسية تخاصم الحزب تتهرب من دفع الضرائب. وقد عمل حزب الله لتشجيع أجهزة الدولة على ممارسة سلطتها في المناطق المحسوبة عليه شعبياً وقمع المخالفات. وهناك تنسيق بين الحزب والأجهزة الرسمية بهذا الشأن.
ـ الإتجار بالمخدرات لتمويل الحزب. وقد أوضحنا آنفاً أن مصدر هذه الدعاية هي الأجهزة المخابراتية الأميركية التي حرصت على نقل الحرب على حزب الله الى طوْر جديد من خلال العمل لضرب صورة هذا النموذج والحدّ من تأثيره. وأوضح حزب الله مراراً أنه يتلقى تمويله من الجمهورية الإسلامية ولا يلجأ الى المكاسب المحرَّمة لاسيما المخدرات التي تضرّ بالمجتمعات البشرية.
ـ ممارسة الإغتيالات السياسية. وهذه التهمة إنطلقت في مرحلة حساسة عام 2005 عندما أصبح لحزب الله دور واسع في الحياة السياسية. ومن الملاحظ أن بعض هذه الإتهامات تم توجيهها سابقاً للأجهزة السورية، وبعد التخلص من الوجود السوري، أعيد تدويرها لتوجيهها الى حزب الله!
تحديات:
في أربعينية حزب الله الثانية، هناك مهام وتحديات تفرض نفسها:
ـ نقل التجربة والتواصل بين الأجيال. شهد العقد الأخير على توفُّر الحماس والزخم التعبوي لدى طاقات شبابية جديدة ربما بشكل أكبر من الجيل السابق. لكن نقل التجارب والمهارات والمعارف يتطلب المزيد من الجهد في التعامل مع جيل لم يعايش تجربة التأسيس ولديه تصوراته للعالم من حوله. وهناك نقطة مكمِّلة تتعلق بالحاجة إلى حماية النشء الجديد من إنحرافات عقائدية وأخلاقية متأتية من السموم الموزَّعة عبر الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي.
ـ الإضطلاع بدور أكبر في القضايا الداخلية والذي تفرضه المستجدات المتعلقة بالإنهيار الإقتصادي وتبعاته السياسية والإجتماعية.
ـ الحاجة الى توفير إجابات على الكثير من الأسئلة والشبهات التي تطرحها شرائح شعبية وجهات إعلامية حول الردود التي يُعدّها الحزب في التعامل مع القضايا الراهنة، وهذا يتطلب مزيداً من الجهد الإعلامي.
ـ مواجهة التحدي المتزايد المتمثل بموجة التطبيع مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي سيوسّع الهوة مع جهات لبنانية تميل مع المطبّعين العرب.
باختصار، يمكن القول إن حزب الله مثّل منذ نشأته لاعباً غير تقليدي، أصبح أكبر من حزب بالمقاييس الحزبية اللبنانية، وأقل من دولة بما أنه يسعى الى المشاركة والتشارك في الحياة السياسية وبناء الدولة. حزب يخشاه العدو ويحترمه في الوقت عينه، يرتاح الصديق إليه ويلوذ به إذا اشتدّت الخطوب. يحرص على المكاشفة لكن صمته رسالة في حد ذاتها يسعى الكثيرون وراء فك رموزها، ويحتفظ بالمفاجآت إلى أن يحين وقتها. وفي التقدير، سيبقى حزب الله مالئ الإعلام وشاغل الفاعلين السياسيين في الداخل والخارج حتى إشعار آخر.
إقرأ المزيد في: الأربعون ربيعاً
02/09/2022
"عهد الأربعين".. للتحميل
26/08/2022
قناة "الصراط".. قبس من نور الولاية
23/08/2022