الأربعون ربيعاً
المؤسسة الاسلامية للتربية والتعليم: صرحٌ تربوي لجيل رسالي واعد
د. علي مطر
تعنى المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم ببناء جيلٍ رساليٍّ متعلمٍ واعٍ متحلٍّ بالروح الإيمـانيّة والجهاديّة والمواطنيّة الحقّة، ملتزمٍ بالنظام المعياري الإسلامي للقيم بالتكامل مع الأهل والمجتمع، وتعمل على تقديم نموذجٍ تربويٍ أصيل رائدٍ وعصريّ، مستفيدةً من تطوّر العلوم والتكنولوجيا وتجارب الأمم. وهي تقدّم خدماتٍ تربويةً عن طريق إنشاء المدارس وإعداد المناهج والوسائل، والتشخيص والاستشارات والتدريب والدراسات والأبحاث، وذلك بالاعتماد على جهازٍ رساليّ متخصّص.
تكلفة منخفضة وحسومات مالية
تؤمن مدارس المهدي (عج) فرصة التعليم في السنة لأكثر من 29.330 تلميذًا، وهو ما أظهرته أرقام العام الدراسي الحالي، فيما توفّر المؤسسة فرص العمل لأكثر من 2400 فرد من بيئة مجتمع المقاومة، بين معلّمين ومعلّمات، وإداريين وعمّال، فضلًا عن حوالي 900 سائق باص.
أما كلفة الأقساط فيها، فهي من الأقل كلفة في بيئة المقاومة ومقارنة مع المدارس الأخرى في البيئة المحيطة، وتنخفض كلفة الأقساط أكثر في مدارس الجنوب والبقاع والشمال. وفي حين أقدمت معظم المدارس في السنوات الخمس الماضية على زيادة أقساطها بشكل كبير جدّا، إلا أن المؤسسة حافظت على نسبة مقبولة جدّا من الزيادة الضرورية، لذا تعتبر مدارس المهدي (عج) مدارس مدعومة لخدمة مجتمع المقاومة.
تقدم المؤسسة حسومات تقدر بنحو 85 مليون دولار، وهي تقسم إلى جزئين حيث تشير المؤسسة إلى أن الحسومات الخاصة بأهلنا مجتمع المقاومة من فقراء ومستضعفين وعوائل شهداء وجرحى وأيتام بلغت خلال السنوات الماضية 67,611,984$، أما الحسومات والحوافز المالية للمتفوقين وحفظة القرآن الكريم وحسم خاص فبلغت حوالي 17,504,655$، ليبلغ المجموع العام حوالي 85,116,639$.
وإلى جانب التقديمات والحسومات والمنح، تقدم المؤسسة مجموعة من المساعدات الاجتماعية لكادرها وعدد كبير من أولياء الأمور المستضعفين والمحرومين، وقد زادت نسبة التقديمات بما يفوق الـ100% العام الفائت نظرًا لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. كما تقيم المؤسسة في كل عام حملات لمساعدة الفقراء والمحتاجين في بيئة المدارس حيث يتم تقديم المواد الغذائية والحصص التموينية والألبسة، فضلًا عن حملات التشجير والنظافة العامة. كذلك ترعى المؤسسة في مدارسها عددا كبيرا من الأيتام وأبناء الشهداء وتؤمن لهم فرصة التعليم وتقدم لهم الحسومات والمساعدات اللازمة.
جودة عالية وأبحاث ومناهج تربوية
التكلفة المنخفضة لم تؤثر على جودة التعليم، فمن المعروف أن المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم، تقدم خدمة تربوية تعليمية مميزة ومستوًى تعلّميا- تعليميا متقدما قياساً إلى ما هو موجود في لبنان، لا سيما فيما يتعلق بالمناهج التربوية وإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم.
وتعتمد المؤسسة في مناهجها على مؤلفاتها الخاصة في أغلب المواد وفي مختلف المراحل التعليمية، وذلك من خلال مركز التأليف والنشر التابع للمؤسسة. وتمتلك المؤسسة حتى اليوم أكثر من 150 إصدارًا من كتب تعليمية إلى جانب مواردها التطبيقية والرقمية، وقد قامت المؤسسة مؤخرًا بإطلاق ورشة ومشروع تحويل المناهج إلى مناهج رقمية تماشيًا مع متطلبات مستقبل التعليم.
تولي المؤسسة الأهمية القصوى لتدريب كادرها وتطوير كفاءاته وقدراته، ولهذه الغاية أنجزت أكثر من 200 حقيبة تدريبية لا سيما في المرحلة الأخيرة فيما يتعلق بالتعليم عن بُعد وإعداد الفيديوهات التعليمية، ونظمت أكثر من 4000 ورشة ودورة شارك فيها أكثر من 70.000 متدرب. وقد توجت المؤسسة تجربتها التدريبية في إنتاج منصة رقمية خاصة للتدريب عن بعد (منصة مسارات)، كما وضعت المؤسسة كل نتاجها التعليمي والتدريبي وأكثر من 150 مدربا متخصصا من المؤسسة في خدمة المجتمع التربوي وإدارات المدارس الرسمية في المجالات التكنولوجية، الإرشادية، الإدارية، الإعلامية، التربوية، الثقافية وغيرها.
وقدمت المؤسسة تجربة رائدة ومتقدمة في التعليم عن بعد باتت حديث الساحة التربوية، وذلك من خلال تصميم منصة تعليمية خاصة وفق نظام إدارة التعلّم (LMS)، وقامت لهذا الخصوص بورش كبرى لترشيق المناهج وتدريب الكادر في المرحلة الأولى من الأزمة، حيث تم إنتاج أكثر من 5000 فيديو تعليمي وُضعت في خدمة المجتمع التربوي. وكمؤسسة للتربية والتعليم، لم تهمل مدارس المهدي "عج" في فترة التعليم من بعد، الجانب التربوي في مأموريتها، فإلى جانب التعليم أطلقت المؤسسة "لجنة البرامج التربوية" التي قدمت محتوى تربويا متنوعا للتلامذة أثناء فترة الحجر المنزلي، وقد شملت برامج ثقافية، قرآنية، إعلامية، إرشادية عامة، مسابقات وجوائز، وأندية منزلية.
ونظرًا لأهمية دمج التلامذة الذين يعانون من صعوبات تعلمية، أفردت المؤسسة مشروعًا خاصًا لذوي الصعوبات التعلمية من خلال فريق متخصص حيث بدأ تطبيق المشروع في 5 مدارس.
كما ساهمت المؤسسة وشاركت كمؤسسة من مؤسسات مجتمع المقاومة في مشروع حزب الله لمواجهة كورونا على صعيد بيئتها ومجتمعها ومدارسها، فأطلقت مع بداية الجائحة حملات إعلامية توعوية إرشادية شملت العديد من المواد الإعلامية من بوسترات وفلاشات وإنفوغراف. كما أعدت المؤسسة بروتوكولًا صحيًّا خاصًا لعودة آمنة إلى المدارس. وقد أطلقت المؤسسة لاحقًا حملات للتلقيح لتلامذتها وكادرها بالتعاون مع الهيئة الصحية الإسلامية لتأمين أعلى مستوى من الأمان الصحي.
البرامج القرآنية والأندية والتفاعل مع الأهل
ولأهمية القرآن الكريم، تولي المؤسسة عناية خاصة ببرامج القرآن من تلاوة، ترتيل، تجويد، تفسير، وحفظ. وقد بلغ عدد الحفظة لجزأي "عم وتبارك" حوالي 750 حافظاً، و187 حافظا لثلاثة أجزاء حتى 29 جزءا، و21 حافظًا لكامل القرآن الكريم. كما أعدت وألفت المؤسسة منهاجًا خاصًا يشمل حوالي 12 كتابًا مع مواردها التطبيقية والرقمية، فضلًا عن إعداد 40 معلمًا ومعلمة لمادة القرآن الكريم. كذلك تنفرد المؤسسة بمشروع الأندية المدرسية المتنوعة حضوريّا والكترونيّا لتنمية المواهب وصقل المهارات وتطويرها وتأمين الترفيه الهادف، وتشمل أندية رياضية، أدبية، تكنولوجية، إعلامية، علمية، زراعية وغيرها.
وتعتبر المؤسسة أولياء الأمور جزءًا لا يتجزأ من أسرتها التربوية، وتسعى لتحقيق التكامل والشراكة معهم، وتخصص لهم مجموعة من البرامج الإرشادية، والتوعوية، والثقافية والإعلامية، وتشاركهم وجهات نظرهم وآراءهم من خلال استطلاعات الرأي. وانطلاقًا من دورها التربوي، أطلقت المؤسسة سلسلة من الورش والندوات الحضورية وعن بعد في المدارس، واستهدفت الورش أولياء الأمور وفق برامج إرشادية متنوعة على مختلف الأصعدة الصحية، والاجتماعية، والأسرية، والنفسية، وغيرها، وتم التعاون في أغلب الأحيان مع البلديات والفعاليات التنظيمية في القرى والبلدات والهيئة الصحية الاجتماعية وغيرها.
لم تألُ المؤسسة الإسلامية جهداً منذ تأسيسها إلى اليوم، في بناء جيلٍ رساليٍّ متعلمٍ واعٍ متحلٍّ بالروح الإيمـانيّة والجهاديّة والمواطنيّة الحقّة ملتزمٍ بالنظام المعياري الإسلامي للقيم بالتكامل مع الأهل والمجتمع، وهذا ما جعلها تسعى وتعمل لتقديم نموذجٍ تربويٍ أصيل رائدٍ وعصريّ، مستفيدةً من تطوّر العلوم والتكنولوجيا.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي يمر بها لبنان، سعت المؤسسة لمنع انعكاس هذه الأزمة على طلابها، كما عملت إلى جانب كادرها التعليمي والتربوي على تخطي هذه الأزمة، فضلاً عن تواصلها المستمر مع الأهالي لكي تحمي العملية التربوية، وبذلك عملت وفق ثلاثة مسارات، الأول محاولة عزل الطلاب عن الأزمة قدر الإمكان لكي لا تؤثر على برامجهم التربوية والتدريسية، وثانياً عبر عدم عكس الأزمة على أهالي الطلاب من خلال التخفيف من الأعباء الاقتصادية المتصلة بالعملية التدريسية ولوازمها، وثالثاً عبر تقديم سلة من البرامج لكادرها التعليمي على المستوى المعيشي والصحي والتدريبي.
وبالإضافة إلى ذلك، تعمل المؤسسة على إعادة بلورة وصياغة المناهج التربوية، وتقدم رؤيتها لإعادة بناء فرد متكامل مع مجتمعها، ليكون قادراً على مواجهة التحديات والتهديدات التي يمكن أن تواجهه وتواجه الوطن في كل المسارات والمراحل. كل هذه الملفات والجهود والبرامج يحدثنا عنها المدير العام للمؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم- مدارس المهدي(عج) الدكتور حسين يوسف.
أولاً: ما هي الصعوبات التي واجهتها المؤسسة في ظل الأزمات التي تعصف بلبنان؟
المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم مثل بقية المؤسسات والمدارس الأخرى تأثرت بالأزمات الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها لبنان، حيث أدت هذه الأزمة إلى بيئة مضطربة في كل المجالات وجعلت هناك شيئًا من عدم الاستقرار وصعوبة الاستمرار في العمل لأي مؤسسة من المؤسسات نتيجة لما يحصل من أوضاع وظروف، حتى أن البدائل تواجه العوائق نتيجة الأزمات وبحسب الظروف الطارئة من انقطاع للمحروقات والكهرباء والانترنت وغيرها.
ثانياً: ما هي المعالجة التي اعتمدتها المؤسسة لتمنع انعكاس الأزمات على الاستاذ؟
حاولنا الوقوف إلى جانب الكادر التعليمي على كل المستويات وسعينا إلى تحسين ظروف الكادر على المستوى المادي والصحي لأي مؤسسة في عمق الأزمة، وترك الأمور للحلول التقليدية لا تجدي نفعاً، لذلك نحاول العمل بحلول استثنائية فمثلاً نحن أنشأنا صندوق الدعم الصحي إلى جانب الضمان الاجتماعي، وقمنا ايضاً بتحسينات للراتب لكي يؤمن على الأقل الحد الأدنى من متطلبات العيش المحترم للكادر واسرته، وقد قدمنا سلة واسعة من المشاريع للمحافظة على قدرة الكادر التعليمي على كل المستويات لكي يستمر في العطاء، ولدينا أفضل الكوادر التدريبية والتعليمية، وبذلك نحن نحتضن الكادر التعليمي من كل الجوانب، لكن لا نقول أن ليس هناك تقصير لأنه ايضاً هناك قدرات معينة.
ثالثاً: ما هي الحلول التي اعتمدت لمنع انعكاس الأزمات على الأهل؟
لقد وقفنا إلى جانب أولياء الأمور بعدم عكس الأزمة الاقتصادية على الاقساط، وهذا ما كان ليكون لولا دعم حزب الله، ولا زالت الاقساط هي الأدنى مقارنة مع سائر المدارس في لبنان، كما أننا قمنا بدعم الكتب المدرسية، وقد حاولنا ايضاً التواصل الدائم مع الأهل لعدم عكس الأزمة على الطلاب.
كذلك قمنا بمحاولات بث الوعي للتعامل مع الأزمات الحاصلة أو مع نظام التعليم المعتمد بحسب الظروف والوضعية الاستثنائية، وبذلك كنا دائماً إلى جانب الأهل من أجل التعامل الايجابي في العملية التربوية من كل النواحي، وهناك جهود كبيرة تبذل وساعد عليها النظام الذي اعتمد من قبيل منصة مهدي وغير ذلك من موارد تطوير الأنظمة كنظام التقويم وكيفية إجراء العملية التربوية ليكون الأهل شركاء فيها.
رابعا: كيف تعاملتم مع الطلاب لمنع انعكاس الأزمات عليهم؟
نحن ايضاً وقفنا في هذه المرحلة مع طلابنا وحاولنا وضعهم بجو ايجابي ونشط ووضعيات مختلفة تكون ذات ايجابية لأن العملية التعليمية لا تجري فقط داخل الصف بل من خلال ورش تعليمية ونشاطات وتعليم مستقل، وكان هناك توجيه وارشاد مستمر للتلاميذ فضلاً عن خلق اجواء مناسبة مريحة للتلاميذ للمحافظة على الانشطة التربوية والتفاعلية وهذا ما ينعكس ايجابيا على التلميذ وبالتالي على بيئة التعليم، وهنا أنا أدعو إلى أن نخفف من كثرة التركيز على الأزمات أمام طلابنا لأنهم يتحملون ما لا يطيقون، ولا ذنب لهم بما يحصل.
خامساً: هل المناهج التربوية الموجودة اليوم كافية لمواجهة التحديات؟
لا بد من المقاربة الشاملة أو إعادة الهندسة الشاملة للمناهج التربوية التعليمية. نحن في لبنان ملتزمون بالمناهج لكن هذه المناهج تعاني من عثرات، وهي فاقدة لموضوعين أساسيين أنها غير قريبة من ثقافة العصر ومفككة لدرجة أنها غير قادرة على التعامل مع ضرورة بناء الهوية المتكاملة للفرد. ما يحصل حاليا في إطار تطوير المناهج لإعادة النظر بأهداف التربية بالطريقة الحالية لا يعالج هاتين المشكلتين، فالمعالجة تقتضي أن يعاد النظر بالمقاربات الأعمق لبناء المناهج والتي لها علاقة بالتصورات الوجودية للمجتمع والفرد وتحدياته.
سادساً: ما هو المطلوب لمواجهة هذه التحديات؟
على سبيل المثال يعاني مجتمعنا من تحديات وتهديدات واستهدافات كبرى، فلا يمكن أن تكون المناهج التي تتعامل مع الناشئة مناهج حيادية بل لا بد أن تكون تركز على قضايا العدالة ورفض الظلم والإباء والاستقلالية وتعظيم الوطنية والتضحية وتعظيم الشهادة والشهداء والقدرة على فهم المجتمع والانتماء له وإلا فنحن نربي مجتمعاً ليكون كما يراد من خلال عولمة التربية والتدخلات الكبرى التي تحصل تحت عناوين مقررة التأثير على المجتمع وأن يكون ظاهر الناس امتلاكهم لمهارات منسجمة مع مهارات العيش، ولكن ليس لديهم مناعة ضد التحديات الخارجية وبالتالي نحن بذلك نكون أمام مجتمع يتماهى مع العولمة دون أن نجهز مواطنين لبنانيين لديهم وظيفتهم وقدرتهم وسننهم الوطنية الايجابية وليس السلبية.
سابعاً: كيف تعملون على هذا البناء؟
إن إعادة صياغة المناهج يجب أن تشبه ثقافة المجتمع وضرورات تطويره. وفي لبنان مثلاً المجتمع تربى على ثقافة الريع وعدم الانتاج وعندما تقطعت بنا السبل وبدأت الأزمات لم يكن لدينا المبادرة، لذلك يجب بناء ثقافة الإنتاج والمسؤولية والمبادرة، وهذا يترجم بتسييل داخل كل مفردة من مفردات المناهج التربوية، لذلك نحن من خلال ما نعمل عليه ونتشارك به مع الاخرين نسعى لكي نركز على هذه القضايا التي تساعدنا من خلال التربية على النهوض والحفاظ على صورة لبنان ودوره.
إقرأ المزيد في: الأربعون ربيعاً
02/09/2022
"عهد الأربعين".. للتحميل
26/08/2022
قناة "الصراط".. قبس من نور الولاية
23/08/2022