روسيا vs أميركا
كتيبة مرتزقة كندية في اوكرانيا..ماذا بعد؟
د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
لم تعد قضية تدفق المرتزقة إلى اوكرانيا لمقاتلة الجيش الروسي مسألة فردية كما يحاول الاعلام الغربي اشاعتها وتصويرها، بل اضحت عملا جماعيا منظما، تشارك فيه، وتتساهل معها، دول وحكومات ودبلوماسيون وحتى رجال اعمال ودور عبادة غربية، بالتعاون مع السفارات الاوكرانية الموزعة في الدول التي يخرج منها هؤلاء.
فبعد دعوة السلطات الاوكرانية في 27 شباط/ فبراير الماضي، المقاتلين الأجانب للانضمام إلى القوات العسكرية في البلاد ضمن "الفيلق الأجنبي للمرتزقة" الذي تم إنشاؤه حديثًا، أفادت وسائل الإعلام الدولية أن أكثر من 100 اسكتلندي، و600 تشيكي، و3000 أمريكي، بالإضافة إلى مرتزقة جورجيين وبولنديين وألمان وإسرائيليين، وكنديين، ودوليين آخرين تقدموا بطلبات للانضمام إلى هذا "الفليق" في أوكرانيا، لقتال الجيش الروسي.
اللافت بين جميع هذه الدول كانت كندا، التي تشهد حاليا، حركة تاريخية من قبل الناس المتحمسين للانضمام إلى القوات المسلحة لدولة أخرى (نعني بها اوكرانيا)، وبالتالي المخاطرة بحياتهم للقتال ضد الروس. فلم يمض وقت طويل، حتى ظهر الكثير من مواطنيها في أوكرانيا، بحيث وصل الأمر الى حد ان "الفيلق الأجنبي للمرتزقة" اضطر الى تشكيل كتيبة كندية منفصلة لها شعار العسكري ومهامها الخاصة.
ما هي أعداد المرتزقة الكنديين في اوكرانيا؟
كشف ممثل الفيلق الدولي للمرتزقة في اوكرانيا، أن 550 مقاتلاً محتملاً وصلوا من كندا حتى الآن، وهم جزء من كتيبة مقرها كييف. بالمقابل، أشار ناشط أوكراني كندي (في حديث للصحافة الأجنبية) يساعد في تجنيد مقاتلين في هذا البلد، الى أن مئات آخرين تطوعوا للقتال في أوكرانيا.
اكثر من ذلك، اوضح احد النواب الاوكرانيين السابقين ــ وهو الان يساعد الدبلوماسيين الأوكرانيين في تنظيم متطوعين للفيلق الدولي ــ أن تقديره التقريبي هو أن ما لا يقل عن 1000 كندي تقدموا بطلبات للانضمام إلى القوة.
ليس هذا فحسب، إذ يحظى هؤلاء المرتزقة بتسهيلات رسمية من دولتهم الام، إذ يمكن للكنديين الاشتراك في البرنامج الرسمي للحكومة الأوكرانية من خلال موقع الويب defenseukraine.ca، أو عن طريق الاتصال بالسفارة والقنصليات الأوكرانية مباشرة، كما ان العديد منهم يذهبون إلى أوكرانيا عبر بولندا. إضافة الى ذلك، اسس رجال اعمال كنديون مجموعات عمل لمساعدة هؤلاء المرتزقة للوصول الى كييف.
ومع أن كييف، وفقا لدبلوماسيين أوكرانيين، تعطي الأولوية للكنديين ذوي الخبرة العسكرية، لكنها ترحب بأي شخص مهتم بالقدوم الى أوكرانيا للمشاركة في الجبهة. وتبعا لذلك، اعلن الكثير من العسكريين الكنديين السابقين استعدادهم للسفر إلى أوكرانيا للقتال من اجل ما اسموه "الدفاع عن الديمقراطية في شرق الاطلسي".
أما عديمو الخبرة العسكرية فتتم الاستفادة منهم لتولي المهام اللوجستية.
ماذا عن دور البعثات الدبلوماسية الاوكرانية؟
عمليا، تقوم السفارة الاوكرانية في كندا بفحص المتقدمين. بعد ذلك، يتلقى بعض الكنديين الذين تم السماح لهم بالذهاب إلى أوكرانيا، تدريبًا عسكريًا في بولندا.
علاوة على ذلك، تسعى أوكرانيا مع شركات طيران في كندا وأماكن أخرى، لتوفير ممر مجاني إلى بولندا "للمرتزقة" المحتملين، إذ إنه في الوقت الحالي، يتعين عليهم الدفع من جيوبهم الخاصة أو يعتمدون على الأموال التي تجمعها الكنائس والجماعات الأخرى.
المفاجئ في الامر هو دخول دور العبادة على الخط، حيث كتبت احدى المواطنات الكنديات لمسؤول في "فيلق المرتزقة" ـــ وفقا لصحيفة ناشيونال بوست الكندية ـــ أن كنيستها بدأت هذه الحملة ( أي توفير أموال لسفر المرتزقة".
وفي هذا السياق قال المتحدث باسم "الفيلق" إذا تبرعت كل شركة طيران بما لا يقل عن خمسة إلى عشرة مقاعد على متن الطائرة ، حينها نكون قد تمكنا من نقل جميع المتطوعين البالغ عددهم 20000 (من جميع أنحاء العالم) بشكل أسرع إلى أوكرانيا.
ما يبعث على الغرابة، ان هذه العملية تتم تحت أعين السلطات البلدان التي ينتمي لها المرتزقة، ومنها كندا التي تتغاضى عنهم ولا تحرك ساكنا لمنعهم من السفر. فجُلّ ما فعلته الحكومة الكندية الفيدرالية، أنها بعثت برسائل متضاربة إلى حد ما، إلى الكنديين الذين يفكرون في القتال في أوكرانيا. فمن جهة أقرت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي، بأن بعض الناس يتخذون "قرارات فردية" للقيام بذلك، ومن جهة اخرى، أعلنت حكومة كندا أن "قرار السفر إلى أوكرانيا والقتال من أجلها يجب أن يعود إلى الكنديين أنفسهم".
والى جانب كندا، تتسامح بريطانيا بل تشجّع ظاهرة المرتزقة، حيث إن وزيرة خارجية المملكة المتحدة إليزابيث تروس أيدت علانية قرار المواطنين البريطانيين بالانضمام إلى الجيش الأوكراني ضد روسيا. وعلى المنوال ذاته، صوت المشرعون في لاتفيا بالإجماع لإضفاء الشرعية على حق مواطنيها في الانضمام إلى الحرب بصفتهم المستقلة.
ماذا عن الرد الروسي؟
بالرغم من أن سلطات كييف تتكتم على تفاصيل ما يحدث مع الفيلق الأجنبي للمرتزقة بمجرد وصولهم إلى أوكرانيا، وهذا بالتأكيد مرتبط بالضرورات الامنية، بهدف حماية "العمليات العسكرية الأوكرانية"، غير أن تقارير غربية استخباراتية ذكرت ان مجموعة من المرتزقة الأجانب كانت تتدرب في القاعدة الأوكرانية الغربية في يافوروف، عندما تعرضت لوابل صاروخي روسي مميت في 13 آذار/ مارس الحالي. وامام ذلك، لم يكن امام كييف من خيار سوى نفي مقتل أي شخص غير أوكراني في الغارة.
في الختام، إذا كان الغرب قد عمد في السابق الى التخلص من المرتزقة عبر تصديرهم الى بلدان اخرى، ليأمن شرورهم، فإنهم اليوم يتمتعون بالحماية والحصانة من دول الغرب، وباتوا يتمركزون في قلب الاطلسي، وبالتالي عندما تنتهي الحرب سيتحول هؤلاء يوما ما، الى قنابل موقوتة ستنفجر حتما بوجه صانعيها الغربيين.
إقرأ المزيد في: روسيا vs أميركا
23/09/2023