#لواء_الثورة
لواء الثورة والسيّد المستطاب.. ذاك الوداعُ ما كان افتراقًا!
ليلى عماشا
اعتادَ أهل الحبّ قولَ "أعان الله قلبَ السيّد" عند كلّ محطّات الألم في أيامنا، سواء تلك المرتبطة بأشواك الطريق أو المتعلّقة بالأحداث العظيمة التي في سماء المسار تشتعلُ برقًا ومواجع. وهل أعظم من الشهادة حدثًا يحلّ في قلوب أهل الطريق؟ هذا الطريق الذي تكثر أشواكه ويقلّ سالكوه وترتفع فيه المواجع حواجزَ تؤلم السالكين وترفعهم إلى رتب الصابرين حبًّا وعزّة.
"أعانَ الله قلب السيّد"، يقولها الناس كلّما جرّحهم ألمٌ أو أتعبتهم مشقّة أو نزل بهم نبأٌ عظيم، فهم يعرفون أنّ آلامهم ومشقاتهم وأنّاتهم العفيفة قطرة من بحر قلبه، قلبه الذي اختبر الفقد وما رأى إلّا جميلًا، وقلبه الذي دخل الجمع المقدّس المبارك لعوائل الشهداء ببكرٍ شهيد، وبقي بداخله والدًا لكلّ الشهداء، وقلبه الذي رفع بكفّيه شهادة رفيق العمر "رضوان" إلى الرضوان، وقلبه، يا قلبه، الذي بأحرف الغضب الكريم وعد بالثأرِ يوم وقف يتلو نعي عزيزه الحاج قاسم الشهيد: "أيّ دمٍ لنا سفكتم!؟".
قبل يومين من غارة الغدر الجبان، حضر الحاج قاسم إلى لبنان، كما بات معلومًا، في زيارة إلى السيّد الحبيب. تناقل الناس صور تلك الزيارة، بل نُشرت أصلًا لأن فيها ما تعجز أي ترجمة كلامية، مهما اشتدت بلاغتها، عن نقل ماهيّة الحبّ الذي جمع رفيقين ثوريين يحملان رتبة الفداء، ويكرسان عمريهما في طريق الحقّ والإيثار، وعن تصوير حقيقة الوداع الذي جرى بينهما كأنّ حنان الله أبى أن يفترقا دون جلسة أخيرة، وصلاة جماعة، وحديث طال وما انتهى، وضمّة.
خبرُ الغارة فجر الجمعة كان كافيًا كي يعرفَ السيّد، بقلبه، أنّ العزيزَ الوفيّ ارتقى، وأن الزيارةَ كانت وداعًا وأنّ الأصيلَ الثوريّ وصل، وأن المرادَ القاسميّ نالَ عند الله قبولًا، بعد عمرٍ من سعيٍ ومن قتال.
الدّمعُ في مشهد بهذا العلوّ النورانيّ يعلي مقامات الرجال ويخفّف من وجع القلوب التي غرز فيها الفقدُ وتدًا من شوقٍ عميق.
فكيف بقلبٍ ودّع الرفاق حبيبًا تلو حبيب، ونال بالشوق العظيم وبالصبر الأعظم مقام "العزيز المستطاب"؟ والغضبُ الذي ذخيرة من رصاص يحرق صدرَ الغادر ليس لحظةً تنقضي، ولا ردَّ فعلٍ يخفّفه الوقت أو تلطّفه الأيام. غضبُ السيّد ناعيًا الحاج قاسم كان أذانًا يعدّ أهلَ المصاب للثأر:
"يجب أن نحمل دمه
ويجب أن نحمل رايته
ويجب أن نحمل أهدافه
ونمضي إلى الأمام
بعزمٍ راسخٍ وإرادةٍ وإيمان وعشق للقاء الله كعشق قاسم سليماني...".
ما افترقا إذًا؛ فبينهما ذاكرة الثورة، وحكايا الحرب، ورفاق تواصلوا على درب الشهادة وتواصوا بالحبّ وبالصبر، ورفيقٌ عماد، وبينهما، إيثارٌ كربلائيّ السمات، ووفاءٌ وفيرٌ متواصلٌ منذ ميلاد الثورات، وولاية تستمدّ الضوء والدفء من شمسِ الآل وترتفعُ عزًّا في صيحة "أرضيتَ يا رب!"، وبينهما أسرار العشق الذي أجنّ عابسًا في فيض الحكمة الثورية.