معركة أولي البأس

وغدًا فلسطين

تاريخ الولادة: التحرير‎
25/05/2021

تاريخ الولادة: التحرير‎

ليلى عماشا

لو كان التحرير مولودًا، سيبلغ في هذا العام سنّ الرشد المتعارف عليه. لقد أتمّ تحرير الجنوب عامه الواحد والعشرين. وصار شابًا قويّ البنية وشديد الوعي والبصيرة.. ومثله جيلٌ كامل من أقران له، وُلدوا معه وكبروا، وقيس عمرهم بعمره فلا يحتاجون لذكر سنة ميلادهم ويكتفون بقول "خلقنا بسنة التحرير".

نظريًا، قد يصعب على الذين لم يعيشوا أيام الإحتلال ولم يشهدوا بعيونهم القهر الذي كان سمة تلك الأيام أن يعرفوا قيمة التحرير وأثره. فمن المنطقي أن لا يستطيعوا مقارنة "الحرية" بالإحتلال ما داموا لم يختبروا وجع المرور على المعابر وقهر العيش في ظل حقد المحتلّ وحقارة عملائه. إلّا أنّ التجربة أثبتت أنّ هذا الجيل الذي لم يشهد الإحتلال بعينيه، أجاد تقدير معنى التحرير على أحسن ما يكون التقدير. ولا يتعلق الأمر فقط بالذاكرة الشفهية الطازجة التي نقلها الأهل إلى أبنائهم المولودين بعد التحرير.. بل يتعداها بشكل يبدو فيه هؤلاء الأبناء كمن يحمل في جيناته حقيقة المرارة والقهر الذي سبق ميلادهم، وكمن ذخّر هذه الحقيقة في وجدانه غضبًا ورصاصًا يقاتل من أجل أن تكرّ سبحة التحرير وندخل إلى عالم لا وجود فيه لـ"إسرائيل"، ولا مكان آمن فيه لمحتلّ ومغتصب.. وقد تكون الحرب في سوريا إحدى أبرز الأدلة على حقيقة هذا الجيل الفوّاح بالعزّة، والذي بفطرته حوى كرامة وطنية تنتزع الأسلاك عن الحدود وترسم خارطة الحق بالدم وبالإيثار.

وهنا، تحضر صور الشهداء قمرًا تلو قمر.. وإن لم يكن معظمهم من مواليد التحرير بالضبط، فبالتأكيد معظمهم من فئة الشباب الذين سبقت ولادتهم العام ٢٠٠٠ بقليل أو تلته بقليل.. نحن أمام جيل ولد في مرحلة التحرير، وشبّ في حرب تموز ٢٠٠٦ وقاتل في سوريا الإرهاب التكفيري، أحد أذرع الصهيونية، وانتصر ليعيد وقع النصر المجيد في أيار ٢٠٠٠ مرّة بعد مرّة.

كذلك، يحضر محمد طحان، الشهيد ابن الواحد وعشرين ربيعًا، أي المولود في عام التحرير.. فنراه شهيدًا أيقن بكلّ روحه أن تحرير فلسطين مسألة حتمية، واشتعل حبًّا ما إن لمس أولى علامات تحريرها فهبّ إليها شهيدًا كريمًا وابنًا عزيزًا وحرًّا.. حرًّا حدّ الإرتقاء إلى سماء الشّهادة عبر بوابة فلسطين.

جيل التحرير لم يذهب إلى القرى المحتلة عبر المعابر.. بل يدخلها من باب الحرية العالي، ومع ذلك يدرك ما بُذل حتى زالت المعابر.
لم يسكن الخيام معتقلًا يتعرّض لكلّ ما يمكن تخيّله من أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، ومع ذلك تراه الأشد حرصًا على حفظ ما تحقّق بتحرير الأرض.. فتراه يجول في ما بقي من مكان المعتقل، وبعينيه ألف عهد أن لا عودة إلى الوراء، وملؤه اليقين أنّه في يوم يزداد اقترابًا، سيجول في المعتقلات الصهيونية وقد خلت من مديريها وفُتحت للعموم كأماكن تشهد وتُشهد التاريخ على حكايات الأسرى وشهداء الإعتقال.

لم يترقّب توقيعًا من الآمر اللحدي على تصريح يجيز له العبور من وإلى القرى المحتلة، لكنّه قرأ بتوقيع عماد مغنية أمرًا يقول أنّ الإنتصار على اسرائيل هو تكليف، وسمع بصوته المسلّح باليقين صدى خطوات رجال الشمس وهم يعبرون إلى فلسطين..
ولم يتوقّع في كلّ لحظة أن يكون هو المعتقل التالي الذي ستنصت القرية إلى صوت تعذيبه، لكنّه يتألم مع عذابات كل أسير ويعدّ لتحريره ما استطاع من فوة، وصبر.

هذا الجيل، الذي ولد محرّرًا، كان النواة الأساسية لتحرير الأرض من رجس التكفير، ومن أسلاك التقسيم، ومن القهر مهما اختلفت أسماؤه وأدواته.. هذا الجيل هو دليلنا الساطع على الفطرة النقية التي تتحسّس ذاكرتها الممتدة إلى أجيال خلت، فتستفيد مما سبقها وتعدّ للغد عدّة تليق بتحرير كامل التراب الفلسطينيّ..

إقرأ المزيد في: وغدًا فلسطين

خبر عاجل